Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يسهم الدور الأميركي في تصاعد لغة التهديد الإيرانية؟

أفضل استراتيجية لواشنطن ضد طهران هي استهداف ضعف النظام من دون حرب

حاول ترمب استخدام رد بايدن على الهجوم الإيراني ضد إسرائيل كأداة لحملته الانتخابية (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

أرسلت إيران إشارة لا لبس فيها بأنها تريد تجنب مزيد من التصعيد الذي قد يؤدي إلى إشعال حرب إقليمية حقيقية، فاختارت هجمات بعيدة المدى يمكن إحباطها بسهولة من خلال الدفاعات الإسرائيلية، ولم تستهدف بوضوح أي منشآت أميركية، وأصدرت بعثتها في الأمم المتحدة بيانات استثنائية مفادها بأن "الهجوم انتهى" وأن الولايات المتحدة يجب أن تظل خارج الصراع.

فيما حاول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب استخدام رد الرئيس جو بايدن على الهجوم الإيراني ضد إسرائيل كأداة لحملته الانتخابية، مصوراً دور الولايات المتحدة الحالي بأنه ضعيف، وأن هذا الهجوم لم يكن ليحدث لو كان في السلطة، تتباين التقديرات حول مدى مساهمة إدارة بايدن في تشجيع إيران على تصعيد لغة التهديد بأنها سترد على إسرائيل إذا انتقمت منها، وأنها ستستهدف القوات الأميركية في المنطقة إذا شاركت واشنطن في أي هجوم على إيران أو ساعدت إسرائيل في ذلك الهجوم. فما حقيقة الدور الأميركي؟ وهل يمكن أن يردع إيران إذا تغير نهج إدارة بايدن؟

 

ترمب وبايدن

في محاولة جديدة لعقد مقارنات بين إدارته وإدارة الرئيس الحالي ومنافسه في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، قال دونالد ترمب في تجمع انتخابي حاشد بولاية بنسلفانيا، إن "هجوم حماس، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والهجمات الإيرانية على إسرائيل، لم تكن لتحدث لو كان في السلطة"، معتبراً أن ضعف سياسة بايدن الخارجية هي السبب وراء هذه الهجمات، مصوراً نفسه على أنه حليف أكبر لإسرائيل في مقابل مطالبة بايدن إسرائيل بألا ترد على الهجوم الإيراني وأن الولايات المتحدة لن تشارك في أي رد انتقامي ضد طهران.

لكن مستشار ترمب السابق للأمن القومي جون بولتون اعتبر تصريح ترمب مثيراً للسخرية، ووصف الرئيس السابق بأنه موهوم في شأن هذه النقطة التي لا يستطيع أحد دحضها أو تأكيدها، مشيراً إلى أن ترمب ليست لديه أي فكرة عما يجب فعله في الشرق الأوسط في هذا الوضع.

غير أن ترمب أعاد نشر تهديده الشامل ضد إيران عام 2018 رداً على تحذير الرئيس الإيراني، آنذاك، حسن روحاني، الولايات المتحدة من أن الحرب مع إيران ستكون "أم كل الحروب"، ونشر على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" كلماته عام 2018 بأحرف كبيرة قال فيها إن الولايات المتحدة لن تتسامح مع كلمات العنف والموت المجنونة، محذراً الرئيس الإيراني من عواقب لم يعان مثلها سوى قليل عبر التاريخ من قبل.

الدور الأميركي في الميزان

وبصرف النظر عما إذا كانت تهديدات ترمب السابقة كافية لردع إيران، بخاصة أنه أقال بولتون بعدما رفض نصيحته توجيه ضربة عسكرية أميركية لإيران عقب إسقاطها طائرة درون أميركية متقدمة قرب الأراضي الإيرانية، وكذلك امتناعه الرد على هجوم إيران الصاروخي على القوات الأميركية في قاعدة "عين الأسد" بالعراق عقب قتل أميركا قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني على رغم إصابة 100 جندي أميركي برضوض وارتجاج في المخ، إلا أن الدور الأميركي وسط الأزمة الساخنة الجارية الآن أصبح في ميزان التقييمات في واشنطن، في ظل تصاعد الضغوط من الجمهوريين وبعض الديمقراطيين بضرورة زيادة الدعم الأميركي لإسرائيل وإظهار تشدد أكبر تجاه القيادة الإيرانية.

ويرى نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق ويليام ويشسلر أنه، على رغم التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل لعقود من الزمن، وإظهار الرئيس جو بايدن تفانيه في تحقيق هذا الهدف، فإن إيران كانت تأمل أن تثبت من خلال هجومها الأخير حدود قوة الولايات المتحدة ومدى جدارتها بالثقة، وفي الوقت نفسه تهديد إسرائيل بصورة مباشرة من دون إثارة رد عسكري أميركي.

لكن من الناحية العملياتية أرسلت إيران إشارة لا لبس فيها إلى أنها تريد تجنب مزيد من التصعيد الذي قد يؤدي إلى إشعال حرب إقليمية حقيقية، فاختارت هجمات بعيدة المدى يمكن إحباطها بسهولة من خلال الدفاعات الإسرائيلية، ولم تستهدف بوضوح أي منشآت أميركية، وأصدرت بعثتها في الأمم المتحدة بيانات استثنائية مفادها بأن "الهجوم انتهى" وأن الولايات المتحدة يجب أن تظل خارج الصراع.

تغيير قواعد اللعبة

وعلى رغم أن طهران كانت تهدف بوضوح من هجومها هذا إلى ردع إسرائيل عن استهداف منشآتها الدبلوماسية مرة أخرى، والتي اعتقدت في السابق أنها آمنة بدرجة كافية لاستخدامها لأغراض عسكرية، فإنها الآن تقيم الرد المحتمل من جانب الخصوم، وإذا اعتبرت أن رد إسرائيل أو الولايات المتحدة ضئيل أو موقت، فإن ترسيخ التصرفات الإيرانية باعتبارها أمراً طبيعياً جديداً، سيصبح بعد ذلك مقبولاً ضمنياً، وهو ما يعد تغييراً في قواعد اللعبة الذي ينذر بخطر أكبر في المستقبل من وجهة نظر البعض في واشنطن.

وما يزيد من المخاوف الأميركية أن إيران نجحت بالفعل خلال الأشهر الأخيرة في إرساء عديد من الأعراف الجديدة التي تعمل لصالحها على المدى الطويل، فمن خلال الحوثيين، أظهرت قدرة جديدة على إغلاق مضيق باب المندب وقتما تشاء ولمن تريد، ومن خلال "حزب الله" اللبناني أثبتت قدرتها على تهديد الإسرائيليين في الداخل، وتفرض الآن عمليات نزوح داخلية واسعة النطاق، ومن خلال أفعالها، أثبتت، مرة أخرى، قدرتها على ارتكاب أعمال القرصنة قرب مضيق هرمز، ولم تجتذب سوى قليل من الإدانة الدولية للقيام بذلك.

وإذا نجحت طهران بالمثل في إرساء سابقة مفادها بأنها تستطيع استهداف الإسرائيليين بصورة مباشرة من إيران، فإن الوضع الطبيعي الجديد الناتج سيصبح ذا قيمة مضاعفة إذا أصبحت طهران قوة معلنة تمتلك أسلحة نووية، بخاصة بعدما تراجع الاهتمام ببرنامج إيران النووي، ويستمر في التقدم من دون عوائق، متجاوزاً بالفعل معالم بارزة كانت تعتبر ذات يوم غير مقبولة، فضلاً عن أن إيران تجنبت حتى الآن أي خطر حقيقي على "حزب الله"، لأن قدرته على توجيه الضربة الثانية تساعد في ردع أي هجوم إسرائيلي على البنية التحتية النووية الإيرانية.

هل ترد إسرائيل؟

على رغم المطالب الأميركية بعدم رد إسرائيل على الهجوم الإيراني على اعتبار أنه فشل في تحقيق أهدافه، فإنه ليس من الواضح على المدى القصير ما إذا كانت إسرائيل ستختار الرد على هذا الهجوم، لكن من المرجح أن المتشددين في إسرائيل سيعتبرونه تصعيداً كبيراً وسوف يقرؤونه على أنهم ضربوا قنصلية إيرانية في دولة ثالثة (سوريا)، وردت إيران بهجوم على إسرائيل، ولهذا سيشعرون بالحاجة إلى قيام إسرائيل بضرب إيران عاجلاً أو آجلاً بهدف إظهار التكافؤ في القدرة والاستعداد لمواجهة الإيرانيين، مما يجعل إدارة بايدن متخوفة من أن يطلق مثل هذا الانتقام الإسرائيلي العنان لموجة كبيرة أخرى من التصعيد.

ومن الناحية السياسية يمنح الهجوم الإيراني شريان الحياة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المحاصر والمعزول داخلياً وخارجياً، فهو سيزيد من التفاف الإسرائيليين خلف قيادتهم تحت الخطر، وسيوسع الهجوم الإيراني فرصة بقاء نتنياهو في الحكم لفترة زمنية أطول حيث يكون من الصعب إقالة رئيس وزراء في زمن الحرب ووسط قتال أطول ضد إيران.

وفي حين أن بايدن وعديداً من الحكومات العربية والغربية اختلفوا بشدة مع نتنياهو حول الحرب في غزة، فإن معظم هؤلاء اللاعبين أنفسهم متفقون بصورة أكبر حول التهديد الذي تمثله إيران، وقد يمنح تصعيد التهديد الإيراني نتنياهو مساحة سياسية للمضي قدماً في العملية العسكرية في رفح، ومحاولة إنهاء الحرب في غزة بشروطه، ثم التركيز على التهديد الذي تمثله إيران، وسيحاول نتنياهو صرف الانتباه السياسي عن الترتيبات السياسية والأمنية حين ينتهي القتال في غزة، وسيستخدمه بالتأكيد لرفض أي حديث عن الطريق نحو حل الدولتين في هذا الوقت بحسب ما يرى رئيس معهد "الشرق الأوسط" في واشنطن بول سالم.

واشنطن وتجنب التصعيد

ونتيجة لهذه التوقعات، سيركز مسؤولو إدارة بايدن على المدى القصير على تجنب مزيد من التصعيد وحث الحكومة الإسرائيلية على عدم الرد، لكن على المدى الطويل ستضطر الولايات المتحدة إلى مواجهة التحدي المباشر المتنامي من جانب إيران، فعلى مدى سنوات عديدة تحدثت الإدارات الأميركية عن التهديد الذي تشكله الميليشيات الوكيلة لإيران.

ولكن مع إقحام إيران نفسها بصورة مباشرة في العمل العسكري الإقليمي فإن هذا سيؤثر في الطريقة التي تفكر بها الولايات المتحدة، بخاصة أن إظهار إيران استعدادها لإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة من أراضيها ضد خصومها الإقليميين من شأنه أن يجلب مستوى جديداً من تصور أميركا للتهديدات حول البرنامج النووي الإيراني المستمر.

الخطوات التالية

وتتصاعد المطالب في الولايات المتحدة كي لا تسمح إدارة بايدن بتحقيق أهداف إيران، لكن الدعوات إلى شن حملة عسكرية فورية على الأراضي الإيرانية، ما زالت محدودة وضعيفة، ويراها معظم الباحثين وعلماء السياسة في العاصمة واشنطن بأنها دعوة متهورة بقدر ما هي غير حكيمة، وبدلاً من ذلك، ينصب التركيز على مجموعة من الأهداف أبرزها أن تسارع أميركا وإسرائيل إلى تحقيق هدف التخلص من قيادات "حماس" في غزة، مع توفير حماية أفضل بكثير للمدنيين في القطاع، وترسيخ الأمن الداخلي هناك، وحرمان "حماس" من إعادة تشكيل نفسها، وتحسين الظروف الإنسانية للفلسطينيين الأبرياء، لأنه لا شيء يلحق ضرراً مباشراً بالرواية الإيرانية أكثر من أن يعاني شريك إيران في غزة هزيمة مؤكدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإضافة إلى ذلك ستعاني طهران انتكاسة استراتيجية أكثر تدميراً إذا تمكنت إسرائيل، بعد تحقيق أهدافها ضد "حماس"، من استجماع الشجاعة السياسية والحكمة الاستراتيجية لقبول المبدأ الذي تقترحه الولايات المتحدة والمتمثل في مسار محدد زمنياً نحو حل الدولتين، لأن ذلك سيكون على حساب استراتيجية طهران وشبكتها من الرافضين.

وفي الوقت نفسه يجب على الولايات المتحدة توسيع حملتها ضد الحوثيين من خلال استهداف قيادة الحوثيين من الجو، إذ تتمتع الولايات المتحدة بخبرة عميقة في مثل هذه العمليات في اليمن، بعد أن قامت بها لسنوات ضد قادة تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية حتى يوقف الحوثيون بصورة دائمة هجماتهم على الشحن الدولي.

عقيدة جديدة

كما ينبغي على الولايات المتحدة أيضاً أن تعلن عن عقيدة جديدة مفادها بأن أي هجوم ضد أي شخص أميركي من قبل وكيل إيراني سيعتبر من الآن فصاعداً هجوماً من قبل إيران نفسها بما يستدعي رداً من القوات الأميركية.

ومن خلال إرساء هذا الوضع الجديد ستكون الولايات المتحدة قد نجحت في تغيير قواعد اللعبة لصالحها على رغم أنها يجب أن تتقبل فكرة أن السلوك الإيراني الخبيث لن يتوقف حتى ينتهي النظام نفسه الذي أصبح هشاً على نحو متزايد على المستوى الداخلي، وينظر إليه على أنه غير شرعي بالأساس من قبل نسبة متزايدة من الإيرانيين الذين ينتفضون مراراً للاحتجاج.

لكن الحرب مع إيران بهدف تغيير النظام من شأنها أن تحمل أخطاراً كثيرة للغاية بالنسبة إلى المنطقة، ليس أقلها وفاة عدد لا يحصى من الأبرياء، ومن المرجح أن تؤدي إلى تعزيز قبضة النظام على شعبه وإضفاء الشرعية على برنامجه النووي في عيون كثير في الخارج.

لذلك فإن أفضل استراتيجية أميركية طويلة المدى ضد طهران هي تلك التي تستهدف الضعف المتأصل في النظام من خلال زيادة إنفاذ العقوبات، والإجراءات السرية ضد البرنامج النووي الإيراني، والجهود القانونية لمحاسبة النظام على انتهاكاته حقوق الإنسان والفظائع في الداخل والخارج، وحملة الدعم العلني والسري لأولئك داخل إيران الذين يعارضون النظام.

ونظراً إلى التناقضات التي تميزت بها سياسات الولايات المتحدة عبر الإدارات المختلفة في العقود الأخيرة، فإن مثل هذا النهج يتطلب بناء دعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لاستراتيجية متسقة مع إيران يمكن أن تنجح.

المزيد من تحلیل