Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين برنامج "لافندر" والقنابل "الغبية"... كيف تستخدم إسرائيل الذكاء الاصطناعي في الحروب؟

شنت عام 2021 حرباً هجومية استمرت 11 يوماً على القطاع عرفت باسم "عملية حارس الأسوار"

مسيرة إسرائيلية تحلق فوق قطاع غزة (أ ف ب)

ملخص

جدل حول استخدام إسرائيل الذكاء الاصطناعي في تصفية أهداف بشرية مع التركيز على التحديات الأخلاقية والتشغيلية المرتبطة بتوظيف هذه التكنولوجيا في ساحة القتال

انطلقت تقنية الذكاء الاصطناعي سريعاً لتصبح واحدة من أهم التقنيات الرقمية التحويلية في العالم، وتمكنت إسرائيل من اللحاق بركب هذا التطور لتصبح رائدة في استخدامه في المجالات العسكرية، وطورت هذه التقنيات شركات إسرائيلية في قطاع التكنولوجيا، وأسهم هذا القطاع، عام 2022، بما نسبته 18 في المئة من الناتج المحلي، لكن ثمانية في المئة من قوته العاملة استدعيت إلى الجيش بعد اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

 

وتستخدم إسرائيل تقنيات ذكاء اصطناعي جديدة ومتطورة على نطاق واسع في هجومها على غزة، الأمر الذي أثار التساؤلات والمخاوف بين نشطاء وجماعات حقوق الإنسان في شأن احتمال استخدام تل أبيب العشوائي هذه التكنولوجيا في الحرب، خصوصاً مع ازدياد عدد القتلى المدنيين.

ووفق مصادر صحافية، فإن إسرائيل تستخدم تعاوناً بين برامج عدة من الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه وجمع صورها وأرشفتها، منذ سنوات، لتكون مجموعة واسعة "الأهداف" عملت على تنفيذ نسبة كبيرة منها في قطاع "غزة" وجنوب لبنان.

وشن الجيش الإسرائيلي في عام 2021، ما وصفه بحرب الذكاء الاصطناعي الأولى في العالم، وهي حرب هجومية استمرت 11 يوماً على غزة وعرفت إعلامياً باسم "عملية حارس الأسوار"، وأسفرت عن مقتل 261 شخصاً وإصابة 2200 آخرين. ووصف القادة العسكريون الإسرائيليون تقنية الذكاء الاصطناعي بأنها عامل "مضاعف للقوة" يسمح للجيش الإسرائيلي باستخدام أسراب الطائرات الآلية من دون طيار لجمع ورصد بيانات المراقبة، وتحديد الأهداف، وتبسيط الخدمات اللوجيستية في وقت الحرب.

برنامج "لافندر"

وألقى المتخصص في التحول الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم الضوء على برنامج الذكاء الاصطناعي الذي يستخدمه قسم التكنولوجيا في الجيش الإسرائيلي المعروف باسم "لافندر" Lavender الذي صمم لتحديد الأهداف الاستراتيجية من خلال خوارزميات الذكاء الاصطناعي، مشدداً على أن "استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب الإسرائيلية أصبح أمراً مهماً جداً وأساسياً في الحرب اليومية"، ومعتبراً أن أهمية الذكاء الاصطناعي ليست فحسب في تكتيكات الحرب التقليدية، ولكن أيضاً في عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وكشف أبي نجم عن أن برنامج "لافندر" كان تطوراً مهماً، وكانت وظيفته الرئيسة تحديد أكثر من 37 ألف هدف استراتيجي لإسرائيل.


وفي شرحه للمنهجية التي يعتمدها برنامج "لافندر"، أوضح أبي نجم أن "معالجة البيانات تتم بواسطة الذكاء الاصطناعي، وبناءً على ذلك، يتم وضع تقييم من 0 إلى 100"، مشيراً إلى أن هذا التقييم يحدد أولوية وقابلية استهداف الأفراد أو المواقع، ومعتبراً أن "الأخطاء المحتملة ناجمة عن إدخال البيانات غير الصحيحة". وحذر من عواقب التحليل الخاطئ للذكاء الاصطناعي، مشدداً على ضرورة التحقق الدقيق من البيانات لتقليل أخطار النتائج الخاطئة، وأشار إلى مخاوفه من الأضرار الجانبية الناجمة عن عمليات برنامج "لافندر" متحدثاً عن حالات تم تحديد الأهداف فيها بصورة غير دقيقة، ما أدى إلى وقوع ضحايا مدنيين.

 

وناقش أبي نجم استخدام الجيش الإسرائيلي لـ"قنابل غبية" كإجراء لتوفير الكلف بالمقارنة مع الذخائر الموجهة بدقة، واعتبر أن هذا النهج أدى إلى تدمير عشوائي وفقدان للأرواح، بخاصة في المناطق الكثيفة بالسكان، مشدداً على ضرورة تضمين الاعتبارات الأخلاقية والمساءلة في استخدام التكنولوجيا في الحروب.

 

مشروع "نيم باس"

وكشف أبي نجم أن لدى إسرائيل مشروعاً طموحاً لتطوير الذكاء الاصطناعي المعروف بـ"نيم باس"Nimbus  تبلغ قيمته أكثر من 1.2 مليار دولار، وهو تعاون بين عمالقة التكنولوجيا "غوغل" و"أمازون" مع إسرائيل، لافتاً إلى وجود اعتراض داخلي من الموظفين في "غوغل" في شأن الآثار الأخلاقية للمشروع، لا سيما في ما يتعلق باستخدامه المحتمل في سياق عمليات عسكرية بما في ذلك الأعمال في غزة.

وأوضح أن "هذا المشروع يحتاج إلى أجهزة وخوادم سحابية عملاقة في إسرائيل"، مشدداً على أن التركيز في اهتمام الجيش الإسرائيلي موجه نحو دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحرب، بما في ذلك المراقبة واكتساب الأهداف ونظم الاتصالات، ليستخدم في موضوع المراقبة والتتبع واستهداف الأهداف وتنشيط الاتصالات، أو المسح في موضوع نظام تحديد المواقع بواسطة الأقمار الاصطناعية وغيرها.

نظام "هابسورا"

من ناحيته، أشار المستشار والباحث في شؤون الذكاء الاصطناعي ومؤسس "AI Ritual" فرنسيس الحلو إلى أن الجيش الإسرائيلي يستخدم وحدات معقدة ومتعددة الطبقات من أنظمة الذكاء الاصطناعي، لافتاً إلى أن "هذه الأنظمة تتقدم من تجمعات أولية إلى التوحيد في إطارات شاملة"، وموضحاً أن "الطبقة الأولى من هذا النظام تسمى الكيماوي الذي يستخدمه الجنود على الأرض للحصول على معلومات عن المعركة"، أما وظيفة الطبقة الثانية المعروفة باسم "مصنع النار"، كونه نظاماً لوجيستياً، يساعد الجيش في حساب حركة الطائرات وحمولاتها. وكشف عن أنه عام 2021، تم جمع جميع تطبيقات الذكاء الاصطناعي ضمن منظومة واحدة تسمى "نظام هابسورا" Habsora Israel AI وترجمتها تعني "البشارة"، لافتاً إلى أن أهمية هذا النظام كونه قادراً على التعرف بسرعة على الأهداف على رغم وجود هامش للخطأ.

وتناول الحلو أيضاً المبدأ الأساس للذكاء الاصطناعي مؤكداً اعتماده على مجموعات بيانات ضخمة تتجاوز قدرة الإنسان على التحليل، وأبرز الجهود الواسعة لجمع البيانات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، من خلال مصادر إلكترونية واتصالات وأجهزة تصوير مراقبة وصور الأقمار الاصطناعية في قاعدة بيانات مركزية للتحليل، إذ بعد التحليل الدقيق للمعلومات المجمعة، تنشأ مجموعة واسعة من الأهداف المحتملة، وصلت إلى نحو 37 ألف هدف في بداية النزاع في غزة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

القرار البشري

وشدد الحلو على أنه على رغم قدرة التكنولوجيا على تحديد الأهداف العسكرية المحتملة بدرجة عالية من الاحتمال، فإن القرار النهائي بالمشاركة يقع في يد المشغلين البشريين والقيادة العسكرية، مؤكداً أن القرارات الأخلاقية والاستراتيجية يقودها في النهاية الحكم البشري. ولفت إلى تكييف تكتيكات الجيش الإسرائيلي مع تطوير نظام جديد، يعمل بالطريقة نفسها، يسمى "لافندر"، وأكد مرة أخرى أنه على رغم التطورات التكنولوجية، فإن المسؤولية عن القرارات المتعلقة بالضحايا المدنيين والمواجهات العسكرية تقع بصورة حاسمة في أيدي البشر.

الوحدة 8200

وكانت صحيفة "الغادريان" البريطانية قد أشارت في تحقيق سابق إلى أن استخدام إسرائيل تقنيات الذكاء الاصطناعي يثير مجموعة من الأسئلة القانونية والأخلاقية ويحدث تحولاً في العلاقة بين الأفراد العسكريين والآلات، موضحة أن "خبراء القانون الدولي الإنساني الذين تحدثوا للصحيفة عبروا عن قلقهم إزاء الحديث عن قبول الجيش الإسرائيلي بنسب أضرار جانبية تصل إلى 20 مدنياً، بالنسبة للمسلحين ذوي الرتب الأدنى، وقالوا إن الجيوش يجب أن تقيم التناسب في كل ضربة على حدة".

ومن المعروف أن تطوير "لافندر" تم من قبل قسم استخبارات النخبة في الجيش الإسرائيلي، "الوحدة 8200" التي تشبه وكالة الأمن القومي الأميركية أوGCHQ  في المملكة المتحدة.

وفي تصريح للصحيفة نفسها، رفض أحد ضباط الاستخبارات الإسرائيلية ما يتم تناوله من عشوائية في استخدام التكنولوجيا المتطورة، وقال "لا نريد أن تضيع قنابل باهظة الثمن على أشخاص غير مهمين، فهي مكلفة للغاية بالنسبة للبلاد، وهناك نقص في تلك القنابل".

حسابات الخوارزميات

وبعد التقارير المتزايدة عن استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنيات الذكاء الاصطناعي في حربه على قطاع غزة والخسائر البشرية الكبيرة التي نتجت من هذا أبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "قلقاً بالغاً" حيال تلك المعلومات، رافضاً ربط "قرارات الحياة أو الموت بحسابات تجريها الخوارزميات"، وقال "يساورني قلق بالغ إزاء التقارير التي تفيد بأن حملة القصف التي يشنها الجيش الإسرائيلي تستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة لتحديد الأهداف، ولا سيما في المناطق السكنية المكتظة بالسكان، ما أدى إلى ارتفاع مستوى الخسائر في صفوف المدنيين"، مضيفاً أنه لا ينبغي تفويض أي جزء من القرارات المصيرية المتعلقة بالحياة أو الموت، والتي تؤثر في عائلات بأكملها إلى حسابات تجريها الخوارزميات بدم بارد، محذراً من أخطار تحويل الذكاء الاصطناعي إلى سلاح والحد من الدور الأساس الذي تؤديه الإرادة الإنسانية.

المزيد من تقارير