Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غنام غنام يرسم الطريق مسرحيا إلى فلسطين في القاهرة

" ندوة نقدية عن القضية الفلسطينية والمسرح المصري والمأساة الراهنة

الممثل والمخرج غنام غنام في مسرحيته الحكواتية في القاهرة (اندبندنت عربية) 

ملخص

شهدت القاهرة على مدى يومين ندوة بعنوان "فلسطين في المسرح المصري" أقامتها لجنة المسرح في المجلس الأعلى للثقافة بمشاركة نقاد وباحثين تحدثوا عن حضور فلسطين في المسرح المصري وزيارات الفرق المسرحية المصرية لفلسطين، واختتمت الندوة بعرض "بأم عيني 1948" قدمه المسرحي الفلسطيني الأردني غنام غنام

حضور لافت للمسرح الفلسطيني شهدته القاهرة على مدى يومين من خلال ندوة موسعة أقامتها لجنة المسرح في المجلس الأعلى للثقافة برئاسة سامح مهران تحت عنوان "فلسطين في المسرح المصري"، ورعتها وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني، وأشرف عليها هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة. تضمنت الندوة جلستين بحثيتين، وعرضاً مسرحياً قدمه الفنان الفلسطيني - الأردني غنام غنام، وشهدت حضوراً جماهيرياً كبيراً معظمه من الشباب، مما يؤكد أن القضية الفلسطينية ما زالت حاضرة، وبقوة، في وعي الأجيال الجديدة، التي ظن البعض أنها صارت بعيدة من اهتماماتهم.

حملت الجلسة الأولى عنوان "المسرح بين مصر وفلسطين"، وأدارها الشاعر والناقد محمد بهجت وتحدث خلالها الناقد محمد الروبي مؤكداً أن كتاب المسرح المصريين لم يكتبوا عن فلسطين انطلاقاً من فكرة التعاطف، بل انطلاقاً من فكرة التعبير عن الذات، ألفريد فرج مثلاً لم يكتب رائعته "النار والزيتون" مدفوعاً بالتعاطف، بل بالتعبير عن الذات، وكذلك كان الشرقاوي في "وطني عكا" ومحمود دياب في "باب الفتوح" ونجيب سرور في "الذباب الأزرق" واستمر من بعدهم يسري الجندي ومحمد أبو العلا السلاموني ورأفت الدويري، وغيرهم، وصولاً إلى الأجيال المعاصرة من كتاب المسرح المصري، وكان كل هؤلاء ينطلقون في كتاباتهم من شعور حقيقي وإيمان راسخ بأن تلك قضيتنا، من دون أدنى تعاطف أو شفقة.

واستعرض أستاذ المسرح بجامعة حلوان سيد علي إسماعيل زيارات الفرق المسرحية المصرية المتتالية لفلسطين بدءاً من عام 1900 وحتى النكبة، مشيراً إلى عروض لنجيب الريحاني وجورج أبيض وسلامة حجازي وفاطمة رشدي، وسواهم، تم تقديمها في مسارح ومقاهي فلسطين، مؤكداً أن معظمنا يظن أن اسم فلسطين لا يذكر إلا بوصفها دولة محتلة منذ عام 1948، وكأنها خلقت فحسب منذ ذلك التاريخ، وما زالت تصارع المحتل، وهو الكيان الصهيوني، الذي نجح بنسبة كبيرة في فرض روايته الكاذبة، بأن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب، وهو الذي عمرها وجعلها دولة. وللأسف الشديد أيضاً أن الكيان الصهيوني نجح في تدمير وإخفاء وسرقة غالب الأدلة والوثائق التي تقف ضد روايته الكاذبة، والتي تؤكد أن فلسطين كانت دولة عربية مكتملة، مثلها مثل كافة الدول العربية، وبخاصة دول الشام.

سيد إسماعيل قال إنه نجح في إثبات الرواية الحقيقية الفلسطينية، والتي تكذب الرواية الصهيونية، إذ أثبت من خلال تاريخ المسرح، أن فلسطين كانت دولة كاملة مكتملة متطورة من عام 1900 إلى عام 1945 كونها كانت تستقبل الفرق المسرحية المصرية طوال هذه السنوات، مما يعني أننا تعاملنا مع فلسطين بوصفها دولة شامية مثلها مثل سوريا ولبنان، بل كانت فلسطين الأهم مسرحياً بالنسبة لمصر، كون الذهاب والإياب لجميع بلاد الشام كان من خلالها، فكانت تنال حظاً من العروض المسرحية مضاعفاً بالنسبة لبقية الدول.

الجلسة الثانية حملت عنوان "تناول القضية الفلسطينية في المسرح المصري"، وأدارتها سامية حبيب وكيل المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون، وشارك فيها الكاتب والناقد المسرحي أحمد عبدالرازق أبو العلا والناقد والمخرج عمرو دوارة، والكاتب والسيناريست محمد السيد عيد ومحمد سمير الخطيب مدرس الدراما والنقد المسرحي بكلية الآداب جامعة عين شمس.

المشاركون في الجلسة أشاروا إلى عديد من النصوص التي كتبها مبدعون مصريون وتناولوا فيها القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي عموماً، وكيف أن هذه القضية حاضرة بقوة في كتابات عديد من مبدعي المسرح المصري، سواء من الأجيال القديمة أو الأجيال المعاصرة.

عرض مسرحي

تضمن اليوم الثاني تقديم عرض" بأم عيني" في ساحة الهناجر بدار الأوبرا، وهو من تأليف الفنان الفلسطيني غنام غنام وتمثيله وإخراجه.

عنوان النص هو نفسه عنوان كتاب المحامية، التي كانت إسرائيلية، فليتسيا لانغر، ودافعت عن المعتقلين الفلسطينيين ووقفت ضد المحاكم الصورية التي كانت مهمتها تكريس الاحتلال وقمع مقاومته، وفضحت السياسات اللاأخلاقية لجيش الاحتلال، وقبل أن تتخذ قرارها بمغادرة فلسطين قالت "قررت أنه لا يمكن أن أكون ورقة التين التي تستر عورة النظام"، وغادرت عام 1990 إلى ألمانيا وظلت هناك تكتب وتدافع عن حقوق الفلسطينيين حتى توفيت عام 2018 عن عمر 88 سنة.

أراد غنام غنام، فيما يبدو، التذكير بهذه المحامية من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن العنوان ينسحب على النص نفسه، فما حدث هو مشاهدات بأم عينه داخل الأراضي المحتلة، جاء ليحكي عنها.

عاملان مهمان وسؤالان مركزيان في هذا العرض الذي يراوح بين الحكي والمونودراما، من دون أن يشغل نفسه، أو مشاهده، بتأكيد انتمائه إلى هذا النوع أو ذاك. أما العاملان المهمان، فالأول هو النص، الذي يتناول تجربة ذاتية مر بها غنام غنام، بكل ما تحمله من فرح وأسى وأمل، والعامل الآخر هو الممثل الذي يجسد تجربته الذاتية، والحدود التي يفصل فيها بين كونه ممثلاً، وكونه صاحب التجربة التي يجسدها، وهي مهمة عسيرة، إن لم يخضها صاحبها بمهارة ووعي، يمكن أن تذهب به إلى الميلودراما أو الابتزاز العاطفي.

السؤالان المركزيان أولهما استفهام بلاغي يقصد به توصيل انطباع إلى المخاطب يستتر وراء هذا الاستفهام كالتعجب والاستنكار، أما الآخر فهو استفهام حقيقي، الغرض منه الحصول على إجابة، ففي تسلله إلى الأراضي المحتلة ولقائه ابنتيه وأصدقاءه وتعرفه إلى الطرق التي يتحايل بها فلسطينيو الداخل على السلطات الإسرائيلية، كان السؤال الذي ردده كثيراً مع نفسه هو "أين الاحتلال؟" كأنه يتعجب من قدرات الفلسطينيين على العيش والإبداع والحفاظ على الهوية، وهم تحت وطأة الاحتلال، وكأنه أيضاً ينفي وجود هذا الاحتلال، أما السؤال الآخر، الاستفهام الحقيقي الذي يبحث عن إجابة، فهو "لماذا هزمنا هذا العدو، لماذا يهزمنا أكثر من مرة، وما الذي يحول دون أن نهزمه؟".

التسلل إلى الداخل

لا يقدم غنام غنام منشوراً سياسياً، هو يحكي عن رحلة إلى الأراضي المحتلة، قام بها متسللاً عام 2017، زار رام الله بتصريح من السلطة الفلسطينية، وقدم عرضاً مسرحياً، ورغب في زيارة ابنتيه اللتين تقيمان في الناصرة، بعد خمس سنوات من الانقطاع عن التواصل المباشر، ودبر له أصدقاؤه وأحد أبناء عمومته طريقة للدخول، وهناك التقى ابنتيه، وتجول في الناصرة، ومنها إلى حيفا، ثم عكا، مذكراً بواليها أحمد باشا الجزار، الذي قاوم غزو نابليون بونبارت للمدينة، وعيسى العوام، وغسان كنفاني، الذي ذهب إلى بيته والتقط له صوراً سريعة من دون علم سكانه من المحتلين الذين يعنفون كل من يقترب من البيت ويحاول تصويره، ولم يكتفِ بكل تلك الجولات، بل أقام ورشة للحكي في أحد المراكز الثقافية الفلسطينية، أتبعها بتقديم عرضه المسرحي "سأموت في المنفى" سراً، وسط مجموعة مختارة من الضيوف، كل هذا فعله، ومرت الزيارة على خير، ما جعله في النهاية يتساءل: لماذا هزمنا هذا العدو، لماذا يهزمنا أكثر من مرة، وما الذي يحول دون أن نهزمه؟

احتشد نص العرض بالتاريخ والجغرافيا بالشعر بالفولكلور الفلسطيني بأسماء مبدعين وشهداء ومقاومين بالحياة اليومية لفلسطيني الداخل بالعلاقات الإنسانية، وعلى رغم أنها تجربة ذاتية فقد خلط غنام غنام بين الخاص والعام من دون افتعال أو تعمد، فالحكاية تمضي في بناء درامي متصاعد ومحكم، فلا يستطيع المشاهد الفصل بين هذا وذاك، فكل يسهم في هذا البناء، وكل يثريه، ولا يدع فرصة للملل يتسرب إلى الجمهور الذي جلس أو وقف في صورة دائرية حول الممثل يتابع الحكاية في تدفقها وطزاجتها وتشويقها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما غنام غنام الممثل فقد بدا كمن يسير على الحبال، كما يقولون، أي هفوة يمكن أن تسقطه، كان واعياً تماماً بكونه ممثلاً، وبكونه صاحب التجربة التي يجسدها، متى يفصل بين هذا وذاك، كيف يرتب انفعالاته ويضبطها، فهناك كثير من المواقف التي دفعت المشاهدين إلى البكاء، لكن الممثل هنا كان واعياً إلى عدم الاندماج تماماً، بخاصة أنه لو فعلها ربما سقط في ما يمكن اعتباره ابتزازاً عاطفياً، هو أدرك أنه ليس في حاجة إليه، وأنه يضعف عرضه، وربما أخرجه عن المسرحة، القضية نفسها التي يطرحها كفيلة بتوصيل رسالته والاستحواذ على وعي الجمهور.

اختار غنام غنام الاتكاء على فكرة الصدق مدركاً أنها الطريق الأقصر لتحقيق غرضه، وتوصيل رسالته، ومدركاً، كذلك، أن الصدق لا يعني المبالغة في التجسيد، بل لا يحتاج إلى المبالغة أصلاً، فهي إن حضرت أخرجته عن دائرة الفن، كان الفيصل كيف يحكي، وكيف يستخدم أدواته كممثل، ليس في حدودها القصوى، بل في حدودها المطلوبة والمناسبة، فلا انفعالات زائدة، ولا خطابة منبرية، ولا مقولات ضخمة، هو يحكي ويهمس ويجسد بعض المواقف والأحداث فحسب، واعياً أنه بصدد تقديم عرض مسرحي.

لا يحكي غنام في هذا العرض عن كل ما قابله في الرحلة، هو فحسب ينتقي ما يدعم عرضه، لا خيال هنا بمعناه التقليدي، هو الواقع الذي عاشه وخبره وأمسك به، صياغة على الورق، ثم تجسيداً أمام مشاهدين، وكان عليه في بداية العرض، وبين كل حين وآخر، أن يشد انتباههم، وأن يشركهم في الحدث، وهي من تقاليد الحكي المعروفة، وربما لذلك اختار صورة الدائرة التي يقف داخلها والجهور حوله، وما يحدثه ذلك من تلاحم بين الممثل وجمهوره، ولأن الحكي وحده، أياً كانت قوته وحضوره، يمكن أن يصيب المشاهدين بالملل، بخاصة أنه لا موسيقى ولا غناء، فقد مزج غنام الحكي بالتشخيص، وطرح بعض الأسئلة على المشاهدين وطلب منهم مشاركته في أداء بعض الأغاني، وهكذا صار الجمهور مشاركاً ومتفاعلاً مع العرض أمامه.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة