Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنجح "الحكمة الصينية" في الوساطة بين موسكو وكييف؟

يعتقد مراقبون أن هناك أسباباً عديدة لتكون بكين شريكاً مهماً في محادثات السلام الخاصة بأوكرانيا

منذ أسابيع عدة تتوالى الدعوات الغربية لبكين للضغط على الكرملين من أجل إنهاء تلك الحرب المدمرة (أ ف ب)

ملخص

الصين من بين أكثر من 100 دولة دعيت إلى سويسرا لحضور مؤتمر في شأن إنهاء الحرب، وبكين رأتها "لحظة مناسبة" للتأثير في كييف وبروكسل لتقديم تنازلات.

بينما تتواصل الحرب في أوكرانيا للعام الثالث من دون بوادر سلام تلوح في الأفق، وهو ما يضع طرفي الصراع في مأزق، بدأ الغرب يعول بشكل أكبر على الصين كوسيط يمكنه التأثير في موسكو باعتباره حليفاً مقرباً وفي الوقت نفسه يتمتع بعلاقات جيدة مع كييف.

منذ أسابيع عدة تتوالى الدعوات الغربية لبكين للضغط على الكرملين من أجل إنهاء تلك الحرب المدمرة، ففي زيارته إلى بكين طلب المستشار الألماني أولاف شولتز، من الزعيم الصيني شي جينبينغ، الضغط على روسيا لإنهاء "حملتها المجنونة" في أوكرانيا، وهي الدعوة الأحدث ضمن عدد واسع من الزعماء الأوروبيين وكبار المسؤولين الذين وجهوا نداءات مماثلة. واعتبر شولتز مشاركة الصين في مؤتمر رفيع المستوى للسلام في أوكرانيا، تستضيفه سويسرا منتصف يونيو (حزيران) المقبل، أمراً "مهماً" لأن "كلمة بكين لها أهمية في موسكو".

منذ أن غزت روسيا أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، كثيراً ما وصفت الصين نفسها بأنها محكم محايد، قادر على لعب دور أكبر في إنهاء الحرب. ونشرت وزارة الخارجية الصينية "خطة سلام" لتسوية الحرب في أوكرانيا في فبراير 2023، تتكون من 12 نقطة، بما في ذلك وقف إطلاق النار واستئناف محادثات السلام وإنهاء "العقوبات الأحادية الجانب" ضد الاتحاد الروسي وتشغيل ممر الحبوب في البحر الأسود وضمان إجراءات السلامة في محطات الطاقة النووية وعدم استخدام الأسلحة النووية.

ولتحقيق هذه الغاية، التقى الرئيس الصيني مرتين خلال العام الماضي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وفي أبريل (نيسان) الجاري أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وإضافة إلى اقتراح خطة سلام، أرسلت بكين مبعوثاً خاصاً إلى كل من موسكو وكييف، إذ قال وزير الخارجية السابق تشين غانج في وقت سابق إن بكين يمكن أن تقدم "الحكمة الصينية" لتخفيف الأزمة.

بينما يتحدث الصينيون عن سير بكين على خط رفيع من الحياد في مسألة الحرب الأوكرانية، فإن الصين لم تساير القوى الغربية في انتقاد الغزو الروسي لأوكرانيا، وبينما تقول بكين إنها لن ترسل مساعدات عسكرية إلى موسكو فإنها قدمت شريان حياة اقتصادياً من خلال التجارة وبخاصة على صعيد شراء النفط الروسي، مما ساعد روسيا في مواجهة العقوبات الغربية. ووفق وكالة "أسوشيتدبرس" الأميركية فإن تقريراً استخبارياً أميركياً كشف عن أن الصينيين زادوا مبيعاتهم لموسكو من معدات تعمل على تعزيز جهود الحرب بشكل غير مباشر. وقال شولتس إن محادثاته مع جينبينغ تناولت صادرات الصين مما يسمى السلع ذات الاستخدام المزدوج، التي يمكن أن تكون لها أغراض مدنية وعسكرية.

الصين وسيط مهم

ومع ذلك يعتقد مراقبون أن هناك أسباباً عديدة لتكون الصين شريكاً مهماً في محادثات السلام الخاصة بأوكرانيا. تتعدد هذه الأسباب بين ما تستحوذه بكين من نفوذ لدى كل من موسكو وكييف مما يجعلها تمتلك العصا والجزرة معاً، جنباً إلى جنب مع رغبة الصين للعب دور وسيط السلام. وفي ظل انعدام الثقة بين الغرب وروسيا، تبرز الصين كوسيط حيوي محتمل. فالعام الماضي، حظيت خطة السلام التي طرحتها الصين على قبول روسي، وأبدت أوكرانيا رد فعل إيجابياً على زيارة الرئيس الصيني لموسكو في هذا الإطار، مما يمكن أن يعزز موقف بكين.

 

 

ويقول الباحث في الجامعة الوطنية الأسترالية شياولي جو، إن "هناك أسباباً للاعتقاد بأن الصين مستعدة وراغبة في العمل كوسيط أو صانع سلام في الصراع الروسي - الأوكراني، إذ تتألف قواعد اللعبة الدبلوماسية الصينية من مبادرات دبلوماسية استراتيجية بين الدول الكبرى تهدف إلى تعزيز مجتمع عالمي ذي مستقبل مشترك، وهي ما تميز الصين عن التصورات الواقعية التقليدية للتحالفات".

ويضيف جو أن "الصين تهدف إلى ترسيخ نفسها كداعم للنظام العالمي الليبرالي، وتحافظ على موقف متوازن في شأن الحرب، إذ أكدت أنها ليست محرضاً ولا طرفاً في الأزمة". ويرى الباحث أن موقف عدم الانحياز هذا يؤكد سعي الصين إلى الحصول على صورة عالمية موجهة نحو السلام تختلف عن الأدوار التي تلعبها القوى العظمى التقليدية في الصراعات.

وبوسع الصين أن تستغل هذه الفرصة لتعزيز سمعتها كزعيمة وصانعة للسلام في مختلف أنحاء العالم، لا سيما أنه ليس بوسع الأميركيين أن يبرموا اتفاق سلام بين الجانبين المتصارعين بالنظر إلى العلاقة المتوترة للغاية حالياً بين واشنطن وموسكو. وسيحظى شي بالفرصة لتقديم نفسه باعتباره الرجل الذي أنهى الضغط الذي تخلقه الحرب على إمدادات وأسعار الغذاء والطاقة للدول الفقيرة، ووقف قتل الأبرياء. وأظهر الرئيس الصيني بالفعل أنه يريد أن يلعب دور صانع السلام، فقد توسط في اتفاق بين السعودية وإيران العام الماضي، وعرض بالفعل تصوراً لخطة السلام في أوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان وزير الخارجية الصيني وانغ يي قال في مؤتمر صحافي خلال الدورة الثانية للمجلس الوطني الـ14 لنواب الشعب الصيني مطلع مارس (آذار) الماضي، إن الصين تدعم عقد مؤتمر دولي للسلام تعترف به كل من روسيا وأوكرانيا، مشترطاً ضمان مشاركة جميع الأطراف وإجراء مناقشة صادقة حول جميع خطط السلام، لكن لا تذكر الصين عادة انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، وهو الشرط الذي يعتبره الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي غير قابل للتفاوض.

دوافع الصين

تعزز المخاوف الجيوسياسية الأوسع دوافع الصين للعب دور الوسيط في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، فالخلاف الدبلوماسي بين بكين وواشنطن والتوترات في مضيق تايوان وديناميكيات القوة الشاملة في شرق آسيا، تدفع بكين إلى إعادة تقييم استقرار محيطها الغربي، فحل الصراع الروسي - الأوكراني من شأنه أن يسمح للصين بالتركيز بشكل أكبر على جبهتها الشرقية وتعزيز مصالحها الأمنية. ليس ذلك فحسب، فالصين لديها مصالح في كلا البلدين تضررت جراء الصراع، وفي مقابلة سابقة مع إذاعة صوت أميركا، قال الرئيس السابق للبنك الدولي ونائب وزير الخارجية الأميركي روبرت زوليك، إن هناك أسباباً اقتصادية وجيوسياسية تجعل حرب روسيا على أوكرانيا ليست في مصلحة الصين.

وأوضح زوليك أن الحرب تقوض أسعار الغذاء والطاقة التي تعتبر مهمة للاقتصاد الصيني، كما أنها تعزز التحالفات الأميركية، بما في ذلك حلف شمال الأطلسي. وأخيراً ربما استهانت الصين بصدمة هذا الغزو في منطقة ترغب بكين في بناء علاقات معها.

ويقول نائب مدير مبادرة سكوكروفت لدى المجلس الأطلسي في واشنطن بيتر إنجيلكي، إن علاقات الصين مع الغرب تظل "رقصة حساسة". ويضيف أن بكين تواصل "الضغط من أجل تحقيق ميزة جيوسياسية في مواجهة الولايات المتحدة، سواء أكان الأمر يتعلق بتايوان أم الشرق الأوسط أم أوكرانيا، بينما تعلم في الوقت نفسه أنه يتعين عليها كسب ود الولايات المتحدة والأوروبيين لأن لديها مصالح على الجانب التعاوني لا تقتصر على حاجتها إلى التجارة، بل تشمل ذلك".

قمة سويسرا

الصين من بين أكثر من 100 دولة دعيت إلى سويسرا لحضور المؤتمر المقرر عقده في يونيو (حزيران) المقبل لمناقشة كيفية إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين. وفي حين لم تؤكد بكين مشاركة الرئيس جينبينغ، إلا أنها تضغط من أجل مشاركة روسيا، مع قيام المبعوث الخاص لي هوي بممارسة الضغط في العواصم الأوروبية خلال جولة الشهر الماضي. وفي حين يقول المراقبون إن رحلة لي لم تحقق سوى القليل، لكن الصين تراها فرصة للدفع نحو محادثات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا، على أن تكون القمة السويسرية الخطوة الأولى.

يعتقد المراقبون في آسيا أن التطورات في أرض المعركة، بما في ذلك الهجوم المضاد الفاشل الذي شنته أوكرانيا، يوفر فرصة لبكين لتلعب "دوراً قيادياً" للتوسط في السلام، وإن كان ذلك الدور محدوداً. وقال محاضر العلاقات الدولية لدى جامعة غيلين شمال شرقي الصين بيورن ألكسندر دوبن إن المبعوث الصيني أرسل إلى أوروبا لأن بكين رأت "لحظة مناسبة" للتأثير في كييف وبروكسل لتقديم تنازلات وسط الدعم الغربي "الهش" والنكسات الأخيرة لأوكرانيا في ساحات القتال.

 

 

ويعتقد دوبن أن جهود الصين في أوروبا يمكن أن ينظر إليها أيضاً على أنها "إشارة" إلى الجنوب العالمي بأنها قوة مسؤولة. وقال "قد يكون التفسير الأكثر تشاؤماً هو أن الصين تريد فقط أن ينظر إليها على أنها صانعة للسلام، في حين أن مزيداً من الناس في جميع أنحاء العالم ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها ليست جهة فاعلة مسؤولة في سياق ما يحدث في غزة".

دفع الصين لإجراء محادثات سلام فورية من دون دعوة القوات الروسية إلى الانسحاب يواجه رفضاً في أوروبا وأوكرانيا، إذ يقول خبير العلاقات الدولية في المعهد الأوكراني للمستقبل في كييف إيليا كوسا إنه "لا توجد هناك توقعات كبيرة من دور الصين، بل ميل إلى الاعتقاد بأن الصين لن تفعل أي شيء حقيقي للضغط على روسيا لمساعدة أوكرانيا". ووفق الصحافة الصينية فإن المراقبين في الصين يرون أن الغرب بالغ في تقدير نفوذ بكين على موسكو، التي لن تسحب قواتها عندما يبدو أن لها اليد العليا في الحرب.

وتحتل روسيا الآن ما يقرب من خمس أراضي أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم وأجزاء من المقاطعات الأربع في الشرق.

وفيما تصر الصين على أن أية قمة للسلام لا بد أن تتم بحضور روسيا وأوكرانيا وتسعى إلى مشاركة الطرفين في قمة سويسرا، يستبعد مراقبون نجاح ذلك المسعى. وقال الباحث في مركز آسيا للأبحاث في باريس بيير كابيستان: "لا يزال هناك كثير من العمل الذي يتعين القيام به لإقناع أوكرانيا وروسيا بالجلوس والتحدث".

وفي حين قوبل اقتراح المبعوث الصيني بدعوة روسيا إلى حضور قمة السلام في سويسرا ببرود في أوروبا، إذ وصف مسؤولون في الاتحاد الأوروبي الخطة بأنها "غير ناجحة"، فإنه على الجانب الآخر لا تبدي موسكو مرونة في شأن المحادثات في سويسرا، إذ اتهم وزير الخارجية سيرغي لافروف برن بعدم الحياد في شأن الصراع لأنها فرضت عقوبات على روسيا.

وقال مسؤول الشؤون الصينية لدى المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو فاسيلي كاشين، إن روسيا "تفضل بوضوح إجراء أية محادثات محتملة في دولة غير غربية"، مضيفاً أن "روسيا لن تشارك في أية مناقشات حول صيغة زيلينسكي للسلام ببساطة بينما تفوز بالحرب ببطء".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير