Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جسور الشيطان... قصة إسرائيل وإيران الخميني

مزيج مثير من كبار الموظفين والأجهزة السرية وتجار السلاح والمرتزقة تلك دراما العوالم الخفية لـ"طهران الثورة"

كم قليلة هي الأفكار التي تقود إلى سدة الحكم لكن للواقع أحياناً مقاربة أخرى لا تخطر على البال (أ ف ب)

ملخص

أكثر من "فاوست" يوهان غوته، الذي حقق نجاحات لم تكن كافية لإشباع طموحه اللامحدود، كانت إيران مستعدة للتعاقد مع أي مفيستوفيليس ممكن في سبيل طموحها الإقليمي. يقول صموئيل بار من معهد السياسة والاستراتيجية الإسرائيلي بهرتزيليا، "من خلال النظرة الكونية الإيرانية يمكنك التعامل مع الشيطان نفسه، لكن الشيطان يبقى دائماً شيطاناً".

تبدأ الوقائع مع هبوط طائرة الخميني التابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية في مطار طهران الدولي في الأول من فبراير (شباط) عام 1979. كان محرك الطائرة لا يزال يهدر بينما يبدو أن شيئاً ما في إيران، بل وفي الشرق الأوسط بكامله، قد تغير إلى الأبد.

جاء الخميني من رحلة النفي الباريسية التي دامت 15 عاماً، لكنه كان حاضراً على الدوام بشرائط الكاسيت التي أدت في النهاية إلى الانتصار على الشاه. جاء منتصراً ليرسي نظرية "ولاية الفقيه"، وقائداً لثورة من صناعة الفكر. وكم قليلة هي الأفكار التي تقود إلى سدة الحكم والنفوذ.

بعد 10 أيام من الفوضى ينهار ما تبقى من النظام الإمبراطوري، ويكلف الخميني حكومة موقتة لإدارة البلاد، ويبدأ النزوح الجماعي للأميركيين من البلاد، وتنفذ إعدامات فورية لمسؤولين ينتمون إلى النظام القديم، وفي الـ14 من فبراير يجري احتلال السفارة الأميركية لوقت قصير من جانب عناصر مسلحة قبل أن يحررها رجال حكومة الخميني الموقتة.

على أن طلاب طهران السائرون "على طريق الإمام" سيحتلون السفارة نفسها في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) بتشجيع من الخميني. وهم يطالبون الولايات المتحدة بتسليم الشاه الذي يعالج في نيويورك مقابل إطلاق سراح الدبلوماسيين الأميركيين. تلك أزمة خطرة ستستمر على مدار 444 يوماً ليغرق فيها الرئيس كارتر حتى نهاية ولايته.

ما وراء الإدانات

وحدث أن كان ياسر عرفات هو أول شخصية أجنبية يتم استقبالها في إيران الثورة في الـ18 من فبراير من ذلك العام، وهم يسلمونه مبتهجين سفارة إسرائيل لكي يجعل منها مكتباً لمنظمة التحرير الفلسطينية. يقول المؤرخ الفرنسي هنري لورانس (مسألة فلسطين – الكتاب الثامن)، "لكن عرفات، الذي يستقبله الخميني، يتعرض للتوبيخ بسبب افتقار رجاله إلى المسلك الإسلامي. إن عليه أن يتبنى توجهاً دينياً وأن ينفصل عن العناصر الماركسية والقومية، ويجد الثوار الإيرانيون أن كثيرين جداً من المناضلين الفلسطينيين يشربون الخمر ويشاهدون الأفلام السينمائية، وترفض السلطة الإيرانية إرسال أسلحة إلى سوريا أو الفلسطينيين، فإيران الثورية لا تنوي المضي إلى ما هو أبعد من الإدانات اللفظية لإسرائيل".

كان عرفات هو أول وآخر زعيم عربي سيلقاه الإمام وجهاً لوجه، لكن إيران الثورة لم تقدم شيئاً للقضية الفلسطينية، فقد كان على الأخيرة أولاً أن تتخلى عن كونها قضية العرب لتصبح قضية إسلامية ذات فاعليين إسلاميين، وسريعاً ما أدرك الفلسطينيون أن رهانهم على النظام الإيراني الجديد لم يكن في محله. يقول فهمي هويدي (إيران من الداخل)، "يبدو أن عدم استيعاب الطرف الفلسطيني لحجم وطبيعة التوجه الإسلامي للثورة قد بات نقطة ضعف أساسية في الموقف الفلسطيني منذ لاحت بوادر الثورة وحتى بعد انتصارها، إذ إن البعد الإسلامي في تعامل الإيرانيين مع القضية الفلسطينية ظل يدفعهم إلى الإلحاح على الفلسطينيين لكي يعلنوها ثورة إسلامية، ويتحركوا من منطلق جهادي عقائدي".

 

 

كانت إيران الخميني تريد تجنيد أول وكلائها في المنطقة سعياً لتصدير ثورتها بعد أن استتبت لها الأمور في طهران، وعندما فوجئت بتلك الهوة المبكرة التي ستزداد مع مرور السنوات بعد ذلك، بين طموحها الإقليمي ومصالحها القومية، كان من الوارد تماماً أن تتحالف مع إسرائيل عندما بلغ التوتر بينها وبلدن الخليج العربي حده الأقصى.

يقول لورنس، "في الـ22 من سبتمبر (أيلول) 1980 يغزو الجيش العراقي إيران لتبدأ حرب الخليج الأولى، وينهار الدفاع الإيراني غير المنظم، ويرى الاستراتيجيون الإسرائيليون أن إيران بحكم بعدها لا تشكل تهديداً، خلافاً للعراق الذي يعزز جهازه العسكري بشكل متواصل، ومنذ الأيام الأولى للحرب تعرض الحكومة الإسرائيلية مساعدتها على إيران، والحال أن السلطة الثورية تقبل العرض، فالضرورة تجبرها على ذلك. وقد جرت اتصالات سرية في سويسرا بين مبعوثين للبلدين. وعلى الفور ترسل إسرائيل سراً أسلحة وقطع غيار وتكنولوجيا عسكرية أميركية المنشأ إلى إيران الخميني (كانت أميركا حظرت صادرات السلاح إلى طهران رداً على أزمة الرهائن)، وتحصل تل أبيب على مقابل سخي فوراً. والحال أن إدارة كارتر الغارقة لا تزال في مسألة الرهائن، إنما تحتج، ويضطر مناحم بيجن إلى أن يعد، من دون ارتياح، بوقف هذه الشحنات، لكنه لا يفعل سوى الحد من كمياتها".

كانت تلك بداية تعاون عسكري واستخباراتي على أعلى المستويات بين إيران الثورة وإسرائيل. لكن الدعم الإسرائيلي للنظام الثوري الإيراني إنما يعبر عن نفسه أيضاً، وفق لورنس، من خلال تحذيرات موجهة إلى الأردن، الذي يُدعى إلى عدم الانخراط أكثر من اللازم في صف العراق، إذ يعلن بيغن في مستهل أكتوبر (تشرين الأول) أن "ملك الأردن بإسراعه إلى اللحاق بالقطار العراقي قد ارتكب مجدداً خطأ سياسياً سيكون وخيم العواقب بالنسبة إلى نظامه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فضلاً عن ذلك، يقول الأستاذ بجامعة كاليفورنيا الأميركي من أصل إيراني سبهر ذبيح (قصة الثورة الإيرانية)، "لعب السلاح الجوي الإسرائيلي دوراً خطراً منذ خريف 1981 في الأقل في سير الأحداث بإرباكه الفعلي للسلاح الجوي العراقي منذ أن بدأت الحرب مع إيران، فالطائرات الإسرائيلية تقوم بالتحليق فوق القواعد الجوية العراقية بشمال وغرب البلاد، بل بالقرب من العاصمة أيضاً بهدف إرباك السلاح الجوي العراقي وشغله".  

من أجل تزويد إيران بالسلاح، يوضح المتخصص في السياسة الخارجية الأميركية تريتا بارزي (حِلف المصالح المشتركة) "تنقلت إسرائيل برشاقة على جبهات عدة، ففي زيوريخ تم عقد لقاء بين مسؤولين إيرانيين وإسرائيليين لإبرام صفقة أسلحة، وهناك ناقشوا اقتراحات كثيرة منها اتفاق يسمح لتقنيين إسرائيليين بتدريب الجيش الإيراني على تعديل العتاد الحربي الأميركي الصنع بحيث يتلاءم مع قطع الغيار الإسرائيلية الصنع. وفي واشنطن حث السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة إفرايم إيفرون وزير الخارجية الأميركي إدموند موسكي على تليين موقف إدارة كارتر من مبيعات الأسلحة إلى طهران، مع نقل هواجس تل أبيب من الانتصار العراقي. وعلى العكس من رغبات واشنطن تراجع بيغن عن الوعد الذي قطعه لكارتر واستأنف مبيعات الأسلحة وقطع الغيار لإيران، وأثناء اللقاء الأخير بين كارتر وبيغن الذي انعقد في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1980، أعاد بيغن التأكيد على مصلحة إسرائيل في استئناف العلاقات مع طهران. وفسر طلب إيران المساعدة وميل تل أبيب إلى تقديمها. رفض كارتر الفكرة على الفور، وذكّر بيغن بأن مبيعات الأسلحة إلى إيران ستنتهك الحظر الأميركي. وما إن تولى ريغان سدة الرئاسة في يناير (كانون الثاني) 1981 حتى استؤنفت مبيعات الأسلحة السرية. من جانبها أبقت إدارة ريغان على الحظر الأميركي، ولكنها غضت الطرف عن مبيعات الأسلحة الإسرائيلية. وأعطى وزير الخارجية ألكسندر هيج، المعروف بتعاطفه مع إسرائيل، ضوءاً أخضر غير رسمي للمضي في هذه المبيعات حتى مستهل العام 1981".

معاً لتدمير "أوزيراك"

بوجه عام اشترت إيران أسلحة فاقت قيمتها 500 مليون دولار في الفترة الواقعة بين عامي 1980 و1983، وذلك استناداً إلى معهد "يافي" للدراسات بجامعة تل أبيب. وتم سداد معظم هذا المبلغ عبر تسليم شحنات من النفط الإيراني لإسرائيل.

على أن وجهاً آخر من وجوه التعاون يظهر أيضاً من خلال عملية قصف المفاعل النووي العراقي "أوزيراك". يقول لورنس، "في السابع من يونيو (حزيران) 1981 تخترق ثماني طائرات إسرائلية من طراز إف 15 المجال الجوي الأردني ثم السعودي قبل أن تتغلغل في العراق لقصف المفاعل، وتتهم بغداد إيران الخميني بالتواطؤ مع إسرائيل، وهذا بحسب الحكومة الإسرائيلية (اتهام معادٍ للسامية)، إلا أنه بعد 40 يوماً من ذلك في 10 يوليو (تموز) تتحطم فوق القوقاز طائرة أرجنتينية تحمل أسلحة، وعلى رغم التكذيبات الإيرانية والإسرائيلية فإن التعاون العسكري الإسرائيلي – الإيراني هو الآن تعاون سافر، وحيال حشد الإدانات العربية يشدد الخميني من نبرته داعياً إلى القضاء على إسرائيل، لكنه لا يوقف تلقي شحنات السلاح منها".

 

 

استناداً إلى صحيفة "صنداي تليغراف" اللندنية، فقد استعانت إسرائيل بصور فوتوغرافية وخرائط إيرانية للمنشآت النووية العراقية. وكان هجوم "أوزيراك"، وفق المتخصص في السياسة الخارجية الأميركية تريتا بارزي، قد نوقش من قبل ضباط إسرائيليين كبار ومندوب عن نظام الخميني في فرنسا قبل شهر من تنفيذه. في ذلك الاجتماع شرح الإيرانيون تفاصيل هجومهم غير الموفق على الموقع في 30 سبتمبر (أيلول) 1980، ووافقوا على السماح للطائرات الإسرائيلية بالهبوط في مطار إيراني بتبريز في حال الطوارئ.

في مايو (أيار) 1982، يضيف بارزي، "قال وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون لمحطة (أن بي سي) أن تل أبيب زودت إيران بالأسلحة والذخائر لأنها اعتبرت أن العراق خطر على العملية السلمية في الشرق الأوسط. وأضاف أن بلاده شعرت بأن من المهم ترك نافذة صغيرة مفتوحة أمام احتمال إقامة علاقات جيدة مع إيران في المستقبل. وفي حين سعت إيران إلى إبقاء علاقاتها التجارية مع إسرائيل سراً قدر الإمكان، جنت إسرائيل بعض الفوائد من إذاعة خبرها على الملأ، بخاصة بعد أن قررت إدارة ريغان غض الطرف عن تعاملات إسرائيل مع إيران. فكلما حظي التعاون الإسرائيلي – الإيراني بمزيد من التغطية الإعلانية كلما كانت إيران أكثر انعزالاً عن العالم العربي، وهذا بدوره سيزيد من اعتماد إيران على إسرائيل".

يقول الباحث بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس تييري كوفيل (إيران.. الثورة الخفية)، "بما أن إيران كانت طليعة الثورة الإسلامية العالمية فقد حاولت سلطات الجمهورية الإسلامية مراراً أن تقول بعدم وجود تناقض بين أهدافها القومية وأهداف الأمة، لكن ذلك لم يكن كافياً. وقاد التباس السياسة الإيرانية كثيرين من السنيين إلى الانفصال عن طهران، فالمناقشات الإيرانية مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل للحصول على الأسلحة كانت كشّافة أيضاً وبشكل استثنائي لمثل هذا الهاجس في الدفاع عن المصلحة القومية".

في المقابل كانت إسرائيل، بحسب تريتا بارزي، "تتعامل مع انفصالها عن أفكارها الأيديولوجية الخاصة. ما من شك في أن تعاملاتها مع إيران تجاوزت الحسابات قصيرة المدى القائمة على موازنة الخطر العراقي. فعلى رغم أن إيران قبلت المساعدة العسكرية الإسرائيلية، فإن عدم استعدادها للاعتراف بالكيان الإسرائيلي أو توسيع مجال التعاون ليشمل نواحي أخرى جعل إسرائيل من دون روابط استراتيجية قابلة للاستمرار مع دولة محيطية غير عربية. لقد أساءت إسرائيل بالخلط بين البراغماتية في التعاملات التجارية مع إيران والفوارق الدقيقة في وجهات نظر الإيرانيين حيال إسرائيل".

 

 

أكثر من "فاوست" يوهان غوته، الذي حقق نجاحات لم تكن كافية لإشباع طموحه اللامحدود، كانت إيران مستعدة للتعاقد مع أي مفيستوفيليس ممكن في سبيل طموحها الإقليمي. يقول صموئيل بار من معهد السياسة والاستراتيجية الإسرائيلي بهرتزيليا، "من خلال النظرة الكونية الإيرانية يمكنك التعامل مع الشيطان نفسه، لكن الشيطان يبقى دائماً شيطاناً".

لكن بالنسبة إلى إسرائيل تفوقت الغريزة في مواجهة أية خيارات شريفة. ومن رحم رغبتها اليائسة في إحياء المبدأ المحيطي الذي أسسه بن غوريون (يتألف من جعل البلدان المجاورة للعالم العربي [إثيوبيا وتركيا وإيران] حلفاء استراتيجيين لإسرائيل)، وإعادة بناء المحور الأميركي الإسرائيلي الإيراني، وُلدت فضيحة "إيران غيت".

في سبيل السلاح

تنبع الفضيحة التي كادت تودي بإدارة الرئيس الأميركي ريغان، بحسب هنري لورنس، من اجتماع مسألتين متمايزتين: المساعدة المقدمة إلى الكونترا في صراعهم مع نظام الساندينستا في نيكاراغوا، والموقف الأميركي في حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران. وقد تراكبت مسألة الرهائن الأميركيين الذين تم اختطافهم في لبنان معهما، كما تراكب دور إسرائيل في الدائرة العالمية لبيع الأسلحة. وهنا نجد مزيجاً مثيراً من كبار الموظفين والأجهزة السرية وتجار السلاح والوسطاء المشبوهين الذين ربطوا شؤون الشرق الأوسط بشؤون أميركا اللاتينية في سياق نهاية الحرب الباردة وصعود الإسلام السياسي.

بدأت الفضيحة في الثالث من نوفمبر عام 1986 حين ذكرت مجلة "الشراع" اللبنانية، أن صفقة سرية قد جرت بين الولايات المتحدة وإيران على أساس مبدأ تزويد إيران بالسلاح مقابل الإفراج عن الرهائن الأميركيين، وأن مبعوثاً أميركياً ذهب إلى طهران من أجل ذلك الهدف.

 

 

تراهن الدبلوماسية الإسرائيلية كثيراً، يقول لورنس، على سمعة الدولة العبرية المستحقة في ميدان الأسلحة، ثم إن بالإمكان الحصول، عن طريق إسرائيل، على عتاد عسكري أميركي من المحتمل إدخال تعديلات عليه، وقد رأينا أن جمهورية إيران الإسلامية لم تتردد في الحصول على السلاح من العدو الإسرائيلي في المراحل الأولى من غزو العراق.

ويضيف صاحب "مسألة فلسطين"، أنه بالنظر إلى أن الإسرائيليين يعتبرون العراق عدوهم الأول في المنطقة، ويرجون أن يسمح انتصار إيراني بتقارب مع إسرائيل، فإنهم يحاولون تجديد الاتصال بطهران. وفي أواخر عام 1984 ينظم ديفيد كميحي، مسؤول "الموساد" والدبلوماسي الإسرائيلي، في هامبورج اجتماعاً سرياً مع عال شويمير، وهو تاجر سلاح إسرائيلي، وياكوف نيمرودي، وهو ملحق عسكري إسرائيلي سابق في إيران، ومانوشير غوربانيفار، تاجر سلاح إيراني، والرسالة التي ينقلها الأخير هي أن الإيرانيين مستعدون للحصول على السلاح بجميع الوسائل

ويتابع، "قدم ريغان موافقته على العملية، وسعياً إلى الالتفاف عليها سوف يستخدم الإسرائيليون مخزونهم الخاص من صواريخ TOW، على أن يقوم الأميركيون بتعويضهم عن الأسلحة المرسلة إلى إيران بأسلحة جديدة. وقد حدث التسليم الأول لـ 96 صاروخاً في أواخر أغسطس (آب) 1985، وفي 15 سبتمبر (أيلول) جرى توريد 408 صواريخ إضافية، وفي هذا الملف فإن المسؤوليين الإسرائليين، بالإضافة إلى مصلحة تجارهم العاملين في تجارة السلاح، كانوا مدفوعين إلى التصرف بالرغبة في استعادة استراتيجية بن غوريون المحيطية، وقد ظنوا أنه قد يكون بوسعهم إعادة الجمهورية الإسلامية إلى معسكرهم ضمن تحالف من الخلف وراء ظهر العراق. وكان الشيء الوحيد المهم بالنسبة إلى طهران في هذه الاتصالات مع الدولة العبرية هو الحصول سراً على أسلحة، وبخاصة العثور على طريق تواصل مع الأميركيين".

بعد الكشف عن الفضيحة، أجرى كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ تحقيقات في القضية، واستدعيا عدداً من المسؤولين الأميركيين للمثول أمامهما والإدلاء بشهاداتهم، وعلى الفور بدأت لعبة اللوم مما أوجد صدعاً كبيراً بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بحسب تريتا بارزي، ففي الثامن من ديسمبر (كانون الأول) تلقى إسحق شامير، الذي أصبح حينها رئيس الوزراء في حكومة الاتحاد الوطني، إشعاراً من ريغان بأنه تم تعليق شحنات الأسلحة إلى إيران ولكنه رفض التعهد بوقفها نهائياً. وبعد ذلك بيومين قال شيمون بيريز، "كانت مبيعات الأسلحة لإيران فكرة أميركية، ولم تشارك فيها إسرائيل إلا بناء على طلب من واشنطن". وفي يناير 1987 دافع بيريز عن أعمال إسرائيل بالقول إنها كانت تستكشف الفرص لتلطيف حدة خطاب إيران. وقال للمراسلين، "لماذا لا نملك الحق في إلقاء نظرة فاحصة لمعرفة إن كانت توجد نافذة فرص وإمكانية لمستقبل آخر في إيران". وخلص أبا إيبان، الذي ترأس لجنة إسرائيلية للتحقق في تورط البلاد في قضية إيران، إلى أنه "من حقنا أن نبيع الأسلحة إليها". حتى إن شامير حث ريغان في مقابلة أجراها مع الـ"واشنطن بوست" على استئناف الاتصالات مع إيران ورفض "عقدة الذنب التي يحاول بعض البلدان العربية فرضها على واشنطن".

 

 

من جانبهم، يتابع بارزي، أنكر الإيرانيون بشدة إجراء أية مفاوضات مع الإسرائليين، فأعلن رفسنجاني في أواخر نوفمبر أننا "لم نفاوض إسرائيل أبداً من أجل شراء أسلحة، وفي حال تبين لنا أن الأسلحة التي وصلتنا جاءت عبر إسرائيل فلن نستخدمها في جبهات القتال". لكن رفسنجاني أوضح أن إيران لا تزال على استعداد لتحرير الرهائن الأميركيين في لبنان في حال قامت واشنطن بتسليم الأسلحة التي اشتراها الشاه الراحل. وطالبت العناصر اليسارية في إيران بفتح تحقيق، لكن بعد استشعار آية الله الخميني الضرر الذي سيلحقه الكشف عن الاتصالات الإيرانية – الإسرائيلية بصورة إيران في العالم الإسلامي، تدخل شخصياً ووضع حداً للمطالبة بفتح تحقيق.

ويعلق المتخصص في العلاقات الخارجية الأميركية، "مع فتح تحقيق أو من دونه كان ضرر كبير قد وقع أصلاً، فقد نفّست الدول العربية عن غضبها من واشنطن لدعمها إيران من خلال إسرائيل ضد صدام حسين. بالنسبة إلى بعض الدول كانت الأيديولوجية الأصولية لإيران أشد خطراً من إسرائيل. والنتيحة هي أن هذه القضية وضعت العلاقات العربية – الإيرانية على مسار لولبي هابط، فقد أصبحت العلاقات مع بعض الدول العربية غير قابلة للإصلاح. وجاء رد إيران متوقعاً: مزيد من الشجب لإسرائيل ولكافة الحكومات العربية التي تفكر في التفاوض مع الدولة اليهودية. حتى إن آية الله الخميني هاجم منظمة التحرير الفلسطينية في العام التالي عندما اعترفت بإسرائيل، مجادلاً بأن (تقسيم فلسطين أمر غير مقبول، وأنه يمكن إقامة دولة فلسطينية فقط عندما يتم سحق الصهاينة واستعادة الأراضي التي سلبوها). لكن مع ظهور المدى الكامل لتعاملات إيران مع إسرائيل على العلن، باتت التصريحات الإيرانية الشاجبة في غير محلها".

بقي أن نقول إنه في حين فشلت منظمة التحرير الفلسطينية، كما رأينا في البداية، في مساعدة إيران الخميني على تصدير ثورتها، وفرت إسرائيل لها الفرصة باجتياحها للبنان يوم السادس من يونيو عام 1982 ليبدأ فصل جديد في المعادلة الإقليمية. تلك المعادلة "الصفرية" التي أفضت بعد أكثر من أربعين عاماً إلى "مسرح" المواجهة المباشرة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات