اعتقلت الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية التابعة للحكومة الموازية في قطاع غزّة، كوادر وناشطين في حركة "فتح"، وذلك على خلفية تنظيم تحرّكٍ داعمٍ لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عبّاس، ومناهضٍ للحراك الذي دعت إليه حركة "حماس" المطالِبة برحيل عباس.
لم تكن تلك الاعتقالات الأولى التي تنفّذها الأجهزة الأمنية في غزّة بحقّ كوادر "فتح"، بل سبقتها اعتقالات عدة لناشطين، بينما يرى مراقبون أنّ حملة الاعتقالات تنشط عند وجود فعالية أو مناسبة وطنية لحركة "فتح" تريد تنفيذها في غزّة.
حركة ممنهجة
وقال المتحدّث باسم حركة "فتح" في قطاع غزّة عاطف أبو سيف لـ "اندبندنت عربية" إن أجهزة "حماس" الأمنية تشنّ حملة اعتقالات بحق كوادر حركته عند كلّ فعالية ينوون القيام بها، "وبطريقة وحشية من دون إذن قانوني" (مذكّرة استدعاء من النيابة العامة).
يُشار إلى أن الأجهزة الأمنية تتبعُ لوزارة الداخلية والأمن الوطنيّ في الحكومة الموازية التابعة لـ "حماس"، والتي تشكّلت بعد فوزِ كتلة "التغيير والإصلاح" (اسم قائمة حركة حماس) في الانتخابات التشريعية في العام 2006. وشنّت هذه الأجهزةُ حملةَ اعتقالاتٍ في صفوف كوادر "فتح" عند إيقادِ شعلة انطلاقة الحركة في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبعتها حملةُ اعتقالاتٍ أخرى ومنع "فتح" من تنظيم مهرجان انطلاقتها الـ 54 في يناير (كانون الثاني) الماضي، وسلسلةُ اعتقالاتٍ أخرى على خلفية تنظيم حراكٍ مناصرٍ للرئيس عباس في فبراير (شباط) الحالي.
اعتقالات بالجملة
وأفاد أبو سيف بأن أجهزة "حماس" الأمنية اعتقلت نحو 2000 كادر في ذكرى انطلاق "فتح" الـ 54، وشنّت حملة اعتقالاتٍ الأسبوعَ الماضي، طاولت نحو 150 كادراً فعّالاً في الحركة، على خلفية الهبّة الجماهيريّة الداعِمة لرئيس السلطة والقيادة. وأضاف أبو سيف أن "حملةَ الاعتقالات طاولتْ أفراداً من مستويات تنظيميّة مختلفة، من كل محافظات القطاع. وتعرّض المعتقلون لتعذيبٍ وحشيٍ غير إنسانيّ، وفق ما أدلوا به من اعترافاتٍ بعد خروج عددٍ منهم من زنازين الأجهزة الأمنية" في غزة.
وكشفَ أن معظم المعتقلين المفرَجِ عنهم من سجون أجهزة "حماس" الأمنية، نُقلوا إلى المستشفيات، وخضعوا لجلسات علاج متفاوتة، منهم مَن كان به كسرٌ في أطرافه، وآخرون مصابون بجروحٍ وكدماتٍ في الوجه، ما يؤشر إلى تعرّضهم للتعذيب.
وبيّن أبو سيف أن "حماس" تمنع حركتَه من تنظيم نشاطاتٍ وطنيةٍ في غزّة، أو تحركاتٍ مساندةٍ للقيادة الفلسطينية في موقفها الرافضِ سياساتِ دولة الاحتلال، ومعارضةِ صفقة القرن التي ينوي الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب تنفيذها لإنهاء القضية الفلسطينية، موضحاً أن "ذلك يُعدّ تماهياً مع الاحتلال، ومنافياً للقانون".
واعتبرَ أن "الفصائلَ الوطنية والمراكزَ الحقوقية مقصِّرةٌ ولا تقوم بواجبها الوطني في وجه حماس، بالنظرِ إلى ما تتعرّضُ له كوادرُ حركةِ فتح"، لافتاً إلى أن "حماسَ تريد الاحتفاظ بغزة إلى الأبد ولا ترغبُ في المشاركة السياسية، وممارساتها إقصائيةٌ للطرف الآخر".
"حماس" تنفي
في المقابل، نفى المتحدّثُ باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزّة إياد البزم لـ "اندبندنت عربية" وجودَ "موقوفين على خلفية سياسيّة"، وقال إن "بعض الأفراد أُوقِفوا أخيراً بعد قيامهم بأعمال تخريبٍ واعتداءٍ على الممتلكات العامة، ثم أُخلي سبيلهم في وقت لاحق". وأضاف أن "هناك خلطاً بين مَن يُوقفوا على خلفية قيامهم بأعمال فوضى على أنهم موقوفون على خلفية سياسية، وهذا غير صحيح مطلقاً". وأوضحَ أن "الفصائلَ تمارس نشاطها ولديها الحقّ الكامل في حرية الرأي والتعبيرِ وفق القانون الأساسيّ الفلسطيني"، مؤكداً أن "الفصائلَ بما فيها حركةُ فتح تملك كامل الحرية في القيام بنشاطاتها وفعالياتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"الجبهة الشعبية" تتوسّط
في المقابل، قالت "الجبهة الشعبية" على لسانِ عضو اللجنة المركزية فيها محمد الغول لـ "اندبندنت عربية" إنّها تدخّلت من أجل الإفراج عن معتقلي "فتح"، وتوجّهت إلى قيادة "حماس" باعتبارها مَن تقود الأجهزة الأمنية. وأوضحَ الغول أن "هذه ليست المرة الأولى التي تتدخّل فيها الجبهة للإفراج عن معتقلين سياسيين".
وكشف الغول أن" قيادة حماس استجابت من منطلق سياسي، لتدخلّ الجبهة الشعبية، وأفرجت عن عددٍ كبير من المعتقلين السياسيين من كوادرِ فتح، على الرغم من تعنّت بعض قيادات الأجهزة الأمنية".
وأوضحَ أن اعتقال كوادرِ "فتح" كان فعلياً على خلفية سياسية، في ظلّ المناكفاتِ على الساحة الفلسطينية، "لذلك تدخّلت الجبهة الشعبية لمحاولةِ وقفِ الاعتقال السياسي المرفوض فصائلياً وقانونياً".
وبيّن الغول أن "الاعتقالاتِ السياسيةَ سواء في الضفة الغربية أو قطاعِ غزّة، تعرقلُ طريق المصالحة الفلسطينية، وتزيدُ الفجوة بين طرفَي الانقسام، وتقطع الطريقَ على الجهود المصريّة في تقريبِ وجهات النظر بين حركتَي حماس وفتح".
"اتجاهات عدة"
من جهة أخرى، قال نائب مديرِ المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان حمدي شقورة إن حملة الاعتقالات التي تمّت في غزّة كانت في اتجاهاتٍ عدّة، الأوّل على خلفية سياسيةٍ وطاول عدداً من كوادر "فتح"، والثاني يتعلق بإبداء الرأي على وسائل التواصل، بينما أتى الثالث على خلفية العمل النقابيّ، الذي خرجَ رفضاً لقطع عباس رواتبَ المعلمين.
وكشف شقورة لـ "اندبندنت عربية" أن المركز الحقوقيّ لم يتمكّن من زيارة المعتقلين في سجونِ الأجهزة الأمنية، لتقصّي حقيقةَ ما إذا تعرّضَ السجناء للتعذيب من عدمه، موضحاً أن "المركزَ يعتمد في ذلك على التحقيقات القانونية وإفاداتِ الأشخاص المفرج عنهم"، مبيّناً أنّ "بعض المعتقلين تعرّضوا لضربٍ وتعذيبٍ وتهديداتٍ، ولمعاملة جارحة للكرامة الإنسانية". وأوضحَ شقورة أن "حريّةَ التعبيرِ والتجمعِ السلميّ، والحراكَ النقابي، مكفولةٌ بموجب الدستور والقانون. وما تقوم به الأجهزة الأمنية مخلٌّ بالقانون الأساسيّ الفلسطينيّ، بموجب المادتين 16-19"، مظهِراً أن "الأجهزة الأمنية لا تحترم العهدَ الخاصَ بالحقوق المدنية والسياسية".
ولفتَ إلى أنّ "الاعتقالَ غيرُ قانوني، حتى أنّ الاستدعاءات أتت عبر الهاتف، واعتقالات جرت من أماكن عامة ومن المنازل، وهذه الإشكالية قائمة منذ سنوات، وقانونيًا ليس هناك ما يبرر ذلك"، مؤكداً أن "منعَ زيارة المؤسسات الحقوقية للمعتقلين يثير الشبهةَ بوجود مخالفات قانونية".