في قلب القاهرة القديمة، وتحديداً بشارع أحمد بن طولون، يقع متحف جاير أندرسون، الذي يعد إلى جانب القطع الأثرية والفنية المميزة التي يضمها، شاهداً على روعة المعمار الإسلامي.
يتميز المنزل الذي عُرِف باسم (بيت الكريتلية) بطراز معماري فريد، حيث المشربيات وأجواء العصور القديمة في مصر، ما جعله مزاراً مميزاً للمصريين والأجانب على السواء، وأهّله لأن يكون موقعاً مميزاً لتصوير كثيرٍ من الأفلام السينمائية التي حملت روح مصر، مثل الأفلام المقتبسة من روايات نجيب محفوظ، وأهمها (الحرافيش) و(قصر الشوق)، وكثير من الأفلام على مدار السنوات.
ولم يقتصر الأمر فقط على السينما المصرية، إنما امتدّ إلى السينما العالمية، إذ صوِّر به بعض لقطات فيلم (The spy who loved me)، وهو أحد أفلام جيمس بوند التي كانت في أواخر السبعينيات.
منزلان على الطرازَين المملوكي والعثماني
تقول ميرفت عزت، مدير عام متحف جاير أندرسون، "المتحف يتكوّن من منزلين على الطرازَين المملوكي والعثماني. البيت الأقدم بُنِي عام 1540، وأُطلق عليه (بيت آمنة بنت سالم)، لأنها آخر من قطنه، وبناه محمد بن سالم الجزار، أمَّا البيت الثاني فيعود إلى القرن السابع عشر، وتحديداً عام 1631، وبناه عبد القادر الحداد، وآخر من سكنه سيدة من جزيرة كريت، حمل البيت اسمها بعد ذلك، وأطلق عليه (بيت الكريتلية)".
وتضيف عزت، في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "ظلّ المنزلان قائمين بالوضع نفسه، وتعاقب عليهما السكّان، وفي بدايات القرن العشرين، وتحديداً عام 1920 حدثت توسعة لجامع أحمد بن طولون، وهُدِمت معظم المنازل المحيطة، لكن دار حفظ الآثار العربية في ذاك الوقت وجدت أن المنزلين حالتهما جيدة، ويحملان طراز العمارتَين العثمانية والمملوكية، فرأت الحفاظ عليهما، ورممتهما".
جاير أندرسون... عاشق الآثار
يعرف المكان حتى الآن بـ(بيت الكريتلية) أو بمتحف جاير أندرسون، فمن يكون جاير أندرسون؟ وماذا جاء به إلى مصر؟ تقول مديرة المتحف "جاير أندرسون ضابط بالجيش الإنجليزي قَدِم إلى مصر أوائل القرن العشرين، وكان يعمل طبيباً، وعندما أُحيل إلى التقاعد في عام 1934 لم يغادر مصر لحبه الشديد لها، وفي أثناء تجواله بمنطقة السيدة زينب شاهد المنزلين، وأعجب بهما، وتفاوض مع الحكومة المصرية لتسمح له بتأجيرهما، مقابل أن يعيد ترميمهما ويضع فيهما مقتنياته الأثرية على أن يتحوّلا بعد وفاته أو مغادرته مصر إلى متحف يحمل اسمه، وبالفعل نُفّذ الاتفاق عام 1942".
وتضيف، "كان جاير أندرسون هاوياً جمع الآثار، وعاشقاً الآثار الإسلامية والفرعونية، وحريصاً على اقتناء كثيرٍ من القطع الأثرية، التي تعود إلى حضارات مختلفة، التي لا تزال موجودة ومعروضة في المتحف".
قاعات وحضارات
وتابعت "القاعات الموجودة ذات الطراز القديم أهم ما يميز المنزل، مثل قاعة السلاملك وهي مجلس الرجال، وقاعة الحرملك الخاصة بالسيدات، وقاعة الاحتفالات المخصصة لعقد مجالس الطرب، إضافة إلى ذلك توجد قاعات تنتمي إلى حضارات معينة، مثل القاعات الصينية والهندية والفارسية، وقاعة الملكة آن ذات الطراز الأوروبي، والقاعة الفرعونية التي تحوي آثاراً من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصر اليوناني".
وواصلت، "إضافة إلى ذلك نجد القاعة الدمشقية، وجدرانها وسقفها مكسوة بخشب جيء به من منزل العظم باشا في سوريا، وهو أحد كبار الباشوات السوريين الذي تعرّض منزله للحريق، وبِيعت الأخشاب التي تزينها زخارف نباتية وهندسية مزينة بقصيدة البردة الأصلية للبصيري في مدح الرسول، وتوجد القاعة التركية وبها صالون كانت بعض قطعه مستخدمة في بداية عصر الأسرة العلوية، ومن ضمنها كرسي العرش الذي نصّب عليه الخديو إسماعيل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت عزت، "المتحف مكوّن من 29 قاعة، واُستحدث نحو 6 قاعات جديدة في السنوات الأخيرة كانت مغلقة، وفُتِحت وزُودت بالقطع الأثرية، منها قاعة أبواب الكريتلية، وهي تضم مجموعة أبواب، أُزيلت من المنزل في آخر تطوير له، وهي تعود إلى العصر العثماني، وقاعة مائدة أندرسون، عرضنا بها جميع أدوات الطعام الخاصة بجاير أندرسون، وهي مجموعة كبيرة ومميزة جداً".
وذكرت أنه "توجد قاعة روائع الكريتلية، التي تضم قطعاً من أجمل التحف التي كانت موجودة في المنزل، مثل المباخر والنارجيلات والصناديق الخشبية أو الشكمجيات، وقاعة الأرشيف العلمي عرضنا فيها صوراً للمنزل في مراحل مختلفة تتنوّع ما بين البدايات ومراحل الترميم وبعد الترميم".
دور مجتمعي
وعن طرق التواصل بين المتاحف والمجتمع، تقول مديرة المتحف "يقدم القسم التعليمي نشاطات فنية وثقافية متنوعة على مدار العام، منها ما هو تعليمي خاص بطلبة المدارس ويتناسب مع الفعاليات والاحتفالات المختلفة، إضافة إلى نشاطات تتوافق مع المناهج الدراسية، فضلا عن زيارات الأطفال الأماكن الأثرية المحيطة بالمنطقة".
واختتمت، "كما يوجد قسم التربية المتحفية لذوي الاحتياجات الخاصة، لخلق تفاعل بينهم والمتحف، وكانت البداية مع مكفوفي البصر من خلال معرض لوحات لذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى وجود مسار زيارة للمكفوفين، وكل قاعات المتحف مزودة بلوحات شارحة لها بطريقة برايل".