في ظل الظروف الصعبة التي أفرزتها الحرب، تنزوي المرأة اليمنية، كالغصن الكسير، تكابد همومها بكاهل متضائل أثقلته سنوات الصراع وتداعياتها التي أكلت أخضر عمرها، ويابس سنين عطائها، فهل تربي الأيتام، أم تداري دمعاتهم المحروقة على الخدود الغائرة، أم تطعمهم من العدم، أم تبحث عن قيمة علاج الأوبئة التي تنهشهم هي الأخرى، كأنها براكين الحرب؟!
هي المرأة اليمنية، التي وجدت نفسها في مواجهة مباشرة منفردة كالسيف، مع كل ما يحيط بها، سواء في مخيمات النزوح أو في القرى البعيدة والمنسية من أبسط معايير الحياة الكريمة، أو حتى تلك التي تقطن المدن المكتظة بالفقر والغلاء والأوبئة القاتلة.
وعلاوة على هذا الواقع الصعب الذي تعيشه في الظروف الطبيعية، فإن الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من خمس سنوات، وما خلفته من أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم، عمقت معاناة "حواء اليمن" التي لا تنتهي في كل ربوع الوطن الذي مزقته الصراعات والحروب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انتهاكات لا تنتهي
وفي ترجمة للمستوى غير المسبوق لحجم الانتهاكات الواقعة بحقهن، رصد تقرير حديث صادر عن منظمة "رايتس رادار لحقوق الإنسان في العالم العربي"، آلاف الانتهاكات ضد المرأة في 19 محافظة يمنية، منذ بدء الحرب التي لا تزال مستمرة.
وبحسب التقرير الذي صدر أمس الأول، تزامناً مع اليوم العالمي للمرأة، 8 مارس (آذار) بعنوان "اليمن، النساء في مهب الحرب"، وثقت المنظمة نحو 16667 انتهاكاً ارتكبتها أطراف الصراع المسلح في البلاد بحق النساء، خلال الفترة من سبتمبر (أيلول) 2014 وحتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2019، موزعة على 19 محافظة، وتنوعت الانتهاكات بين 919 حالة قتل، و1952حالة إصابة، بالإضافة إلى 384 حالة اختطاف واختفاء قسري وتعذيب.
وتصدرت جماعة الحوثي المركز الأول في ارتكاب جرائم القتل بعدد 668 حالة، كما تصدرت المرتبة ذاتها في ارتكاب حالات الإصابات للنساء، بنحو 1733 حالة، وجاءت مدينة تعز في المركز الأول في كمية الإصابات بعدد 115 حالة، تلتها مدينة الحديدة بـ166 حالة، ثم العاصمة صنعاء بـ133 حالة، بينما حلت عدن في المركز الرابع بـ102 حالة إصابة للنساء.
وتؤكد الناشطة اليمنية، هدى الصراري، أن المرأة عانت خلال فترة الحرب من انتهاكات مختلفة، وقتلت وأُصيبت وعُوّقت جراء زراعة الألغام في القرى والمنازل وهُجّرت قسراً من مناطق عيشها وافتقدت أبسط معايير الحماية والوقاية التي تجنبها ويلات الحرب، مضيفة لـ"اندبندنت عربية"، "رغم ذلك نستطيع القول إن اليمنيات أسهمن بقوة وشجاعة في مواجهة ظروف الحرب القاهرة وعملن بجهد يفوق ما عاناه الرجل".
تحدي الظروف
وتضيف "على الرغم من كل هذه الظروف، فإن المرأة في اليمن قدمت دوراً كبيراً في جوانب الإغاثة والرصد والتوثيق ومساعدة النازحين والحماية القانونية للمُعنفات والأطفال، لكنها أثناء التمثيل السياسي تُستبعد من كل الأطراف بشكل متعمد، بالإضافة إلى عدم الالتزام بالنسبة التي أُقِرت في مؤتمر الحوار الوطني الشامل بتمثيلها بما لا يقل عن 30 في المئة".
وتدعو الصراري كل الأطراف السياسية في الحكومة الشرعية إلى عدم تجاهل النساء، فمن حقهن أن يكون لهن دور في صنع القرار، خصوصاً بعد أن أثبت الرجل فشله في قيادة اليمن في هذه المرحلة الحساسة لإخراج البلاد من هذا المأزق الذي كان سببه ضيق أفق الأحزاب والأطراف المتحاربة في قيادة اليمن إلى بر الأمان.
تحمل الصعاب
من جانبها، تقول الإعلامية اليمنية، آسيا ثابت، إن المرأة اليمنية تحملت عناء الحرب وويلاتها، زوجة مقعد أو أم فقيد أو أسير أو مختطف أو مسؤولة منزل لا رجال فيه.
وتضيف "أمهات المختطفين يأتين في طليعة أولئك النساء اللواتي حملن عناء هذه الحرب، بنضالهن وصبرهن على ظروف اختطاف أزواجهن وأبنائهن، ناهيك عن الظروف الاقتصادية الصعبة للغاية".
ومضات في زمن العتمة
وعلى الرغم من وقوعها في واقع مضطرب، ومحيط يستعيب مجرد خروجها من منزلها، فإن المرأة اليمنية سجلت حضوراً بارزاً في سلم النجاحات المحلي والدولي بعد أن شقّت طريق العوائق وقهرت الصعاب وتغلبت على العنف مستلهمةً عطاءها من جداتها، بلقيس وأروى، والعشرات من العظيمات في سفر الخلود.
تضيف آسيا "على الرغم من ظروف الحرب المظلمة، فإن الكثير من اليمنيات فرضن بصماتهن الإيجابية والمشرفة ورفعن اسم وطنهن عالياً، كما هو الحال بفوز ناشطات يمنيات بجوائز دولية رفيعة، ومنهن ياسمين القاضي، الفائزة بجائزة المرأة الدولية للشجاعة (IWOC) التي نظمتها الخارجية الأميركية في واشنطن، والحقوقية هدى الصراري التي فازت هي الأخرى بجائزة مؤسسة (مارتن إينالز لحقوق الإنسان)، وجائزة علمية لفاطمة زخم وغيرهن الكثير".
وتتابع "هذا النجاح يجعلنا نشعر بالأمل لمستقبل يمني مشرق تصنعه هؤلاء النسوة بكفاحهن وصمودهن وعطائهن الذي لا ينضب معينه".
قوانين اجتماعية... وحرب
في بلدٍ كاليمن، تخوض المرأة حروباً إضافية تفوق ظروف الحرب الدامية ذاتها، سعياً منها إلى فك أغلال قيود مجتمع ذي تركيبة قبلية منغلقة أو محافظة في أفضل الحالات.
وترى الباحثة الاجتماعية، عبير بدر، أن وضع المرأة الاجتماعي يمر من سيِّئ إلى أسوأ، متسائلة "إذا كانت المرأة في الظروف الطبيعية وزمن السلم تعيش ظروفاً تعيسة ومؤلمة، فكيف سيكون حالها اليوم وهي المنفضة التي ينفض الجميع عليها غضبهم؟".
وتضيف "في واقع الأمر، معاناة المرأة في اليمن لم تكن بالأساس بسبب الحرب، بقدر معاناتها من القوانين الاجتماعية الظالمة التي كبلتها وجعلتها مستضعفة لا تستطيع الحصول على أبسط حقوقها، فالمرأة اليوم تُقتل على مرأى ومسمع الجميع داخل الحرم القضائي (في إشارة لمقتل امرأة على يد شقيقها في إحدى محاكم صنعاء عندما طلبت الزواج بعد رفض والدها)، ولا يحرك المجتمع ساكناً وقاتلها يُبَرأ".
وعلى الرغم من واقعهن الصعب، فإن اليمنيات، كما هي عادتهن، لا يزلن ينظرن إلى المستقبل بعيون مكتحلة بتفاؤل لا ينقطع أملاً في واقع أفضل يريح الخواطر المفزوعة والقلوب المنهكة.