انهمك الخبراء بالتحليل والتكهنات، منذ رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الجمعية الفيدرالية الروسية، واستقالة الحكومة قبل أسابيع. وكان محور كل ذلك، لتحديد المعنى الحقيقي للتغييرات المنتظرة، والمنصب الذي يتطلع بوتين لتوليه بعد نهاية ولايته الرئاسية الحالية والأخيرة عام 2024، وفق الدستور الروسي "القديم".
اعتبر المراقبون، وقتها، خطاب بوتين أمام الجمعية الفيدرالية الروسية بداية فترة انتقالية في السياسة الروسية، وأن الرئيس سيكون عليه تقاسم بعض الصلاحيات مع البرلمان، لكن مسألة منصب بوتين المقبل في النظام السياسي تظلّ مفتوحة على العديد من السيناريوهات.
تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ بوتين قال إنَّ الفترات الرئاسية يجب أن تقتصر على فترتين، وفي حين أكّد بعض منتقديه أنه قد يحاول البقاء في منصب الرئاسة بغضّ النظر عن ذلك، رأى آخرون أنَّ إعلان التعديلات المقترحة يُمهِّد الطريق لانتقال السلطة بطريقةٍ أرقى.
إلا أنه تم وضع حدّ لكل التكهنات والمخاوف حول اختيار بوتين خليفة له، حيث اختار نفسه، و تجلى ذلك عندما أيّد مجلس الدوما الروسي تعديلات عدة في دستور الدولة، من بينها مبادرة تنصّ على تصفير عدد الولايات الرئاسية، ما سيسمح للرئيس الحالي، فلاديمير بوتين، بالترشح من جديد. وصادقت غالبية أعضاء مجلس الدوما، في القراءة الثانية، على مشروع تعديل تقدمت به النائبة من حزب "روسيا الموحدة"، فالينتينا تيريشكوفا، التي تعتبر أول رائدة فضاء في العالم.
وينصّ التعديل على أن تقييد عدد فترات الصلاحيات الرئاسية بولايتين، والذي يقضي به مشروع القانون بشأن التعديلات الدستورية "لا يمنع الشخصية التي تولت أو تتولى حالياً منصب رئيس الاتحاد الروسي حتى لحظة دخول هذا التعديل حيز التنفيذ من المشاركة بصفة المرشح في انتخابات الرئاسة الروسية بعد إدراج هذه الوثيقة في نص الدستور"، وتشير المبادرة إلى أن المرشح بإمكانه "تولي هذا المنصب وفقاً لعدد الولايات المنصوص عليه في التعديل"، أي مرتين، مهما كان عدد الولايات التي شغلها سابقاً.
كما صادق مجلس النواب في القراءة الثانية على تعديلات تشمل إدراج ذكر "الربّ" في الدستور، وتثبيت الأطفال بصفة أولوية سياسة الدولة، وإقرار صفة روسيا كوريثة للاتحاد السوفياتي في الاتفاقات والمنظمات الدولية.
وافق بوتين على التعديل الدستوري، والذي من شأنه أن يسمح له بتجنب الحد من عدد الفترات الرئاسية من خلال البدء بها من جديد، وهذا سيسمح له بالبقاء حتى عام 2036.
وإذا صوّت الروس على التعديل الدستوري المقترح، فسيتمكن بوتين من الترشح مرة أخرى في الانتخابات المقبلة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين حاول أيضاً تصفير عدد الولايات الرئاسية، لكنه لم ينجح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سيتم التصويت على التعديلات الدستورية في 22 أبريل (نيسان) المقبل، ولن يكون لدى الروس سوى خيارين محتملين - مع، أو ضد اعتماد مجموعة التعديلات بالكامل- ووافق مجلس الدوما بالفعل في قراءتين، قبل القراءة الثالثة، الموافِقة على المشروع من مجلس الاتحاد والبرلمانات الإقليمية والمحكمة الدستورية.
إذا كانت مسودة التعديلات في الإصدار الحالي ستمرّ بجميع المراحل، وصوّت الروس لـ"صالح" التعديلات، فسيكون بوتين قادراً على المشاركة في انتخابات 2024، ويصبح رئيساً للمرة الخامسة (لكن رسمياً، كما لو كان الأول). وسابقا، عند الإجابة على سؤال حول الحفاظ على منصبه، أجاب بوتين بأنه لن يتصرّف بطريقة غير دستورية وسيغادر بعد نهاية المدة الحالية.
ووفقاً لبوتين، فإن خيار تصفير الولاية الرئاسية ممكن إذا رأت المحكمة الدستورية أن هذا التعديل لا يتعارض مع الدستور. بعد ذلك، سيتمكن من إعادة انتخابه في انتخابات 2024 و2030، ورسمياً، سيتم اعتبار الفترتين الخامسة والسادسة لبوتين ولايته الأولى والثانية. في الواقع، سيقضي 32 عاماً كرئيس، منها 24 على التوالي.
وكان من بين التعديلات التي اقترح بوتين إدخالها على الدستور، تعزيز دور مجلس الدولة، الذي يتكون من رؤساء المناطق. ويعتقد بوتين أن مجلس الدولة يجب أن يحدد الاتجاهات الرئيسة للسياسة الداخلية والخارجية، وكذلك المجالات ذات الأولوية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للدولة، وسيقوم الرئيس بتشكيلها.
بعد ذلك، تم التكهن بأن بوتين بعد عام 2024، سيرأس مجلس الدولة للسيطرة على القرارات الرئيسة، حيث يلاحظ أن الأهداف المعلنة لمجلس الدولة تكرّر المهام الرئيسة للرئيس المنصوص عليها في الدستور: "ضمان تنسيق وتفاعل عمل سلطات الدولة، وتحديد الاتجاهات الرئيسة للسياسة الداخلية والخارجية".
ولكن في 6 مارس (آذار) الحالي، في اجتماع مع الجمهور في منطقة إيفانوفو الروسية، قال بوتين إن موافقته على قيادة مجلس الدولة ستكون "كارثية" بالنسبة إلى روسيا. ووفقاً له، فإن هذا يعني وجود حالة من القوة المزدوجة في البلاد، وفي حديثه في مجلس الدوما في 10 مارس، أضاف أن مجلس الدولة يجب ألا يُمنح صلاحيات رئاسيّة.
وفقاً للمادة 81 من الدستور الروسي، لا يمكن الآن للشخص نفسه أن يشغل منصب رئيس روسيا "لأكثر من فترتين متتاليتين"، تم تضمين هذه العبارة في النص من محامي بوريس يلتسين، عندما أعدّوا في عام 1991 تعديلات على دستور الاتحاد السوفياتي لعام 1977، ويختلف كثيرون حول كيفية وصول كلمة "فترتين متتاليتين" إلى النص، وقال رئيس لجنة العمل لوضع اللمسات الأخيرة على المشروع، سيرجي فيلاتوف، إنه على عجل لم يهتم أحد بهذا.
حظي بوتين بدعم شعبي واسع طوال الـ 15 عاماً الأولى من حكمه، بفضل نجاحاته، فقد سحق الانفصال الشيشاني، وأشرف على إصلاحات في الجيش، وطوّر البنية التحتية، ورفع مستوى حياة المواطن الروسي.
ويذكر أن بوتين تولى السلطة كرئيس أو رئيس للوزراء لعقدين من الزمن، وهو بذلك أول رئيس روسي أو سوفياتي يظلّ في السلطة لأطول فترة منذ جوزيف ستالين.