تكثّف المسنة فاطمة بنت محمد مع رفيقاتها عملهن لإنهاء صناعة خيمة جديدة، ضمن مشروع أطلقوه قبل سنوات لصناعة الخيم وبيعها في السوق المحلية لتوفير لقمة العيش والحفاظ على مهنة تقليدية تلاقي رواجاً كبيراً في موريتانيا، نتيجة التمسك بثقافة الاستظلال بالخيم وتركيبها حتى ولو كان ذلك على أسطح المنازل والعمارات في العاصمة وكبرى المدن.
تقليد ومهنة لكسب العيش
تحتضن نواكشوط وبعض عواصم الولايات الداخلية، أسواقا لحياكة الخيم وبيعها، تشرف عليها نساء فقيرات يعملن لتوفير لقمة العيش لأبنائهن، وإنهاء مأساتهن مع ظاهرة البطالة المنتشرة في البلاد من خلال مهن تقليدية تلجأ إليها كثيرات معيلات لأسرهن.
وتقول بنت محمد فال، إنها تعمل في هذه المهنة منذ أكثر من عشر سنوات برفقة بعض النساء، وذلك بعد أن توفي زوجها وأصبحت تعيل أبناءها الأربعة، محاولة بذلك التغلب على حالة الفقر المدقع التي كانت تعاني منها، وكي يشعر أبناؤها بالاطمئنان بعد وفاة والدهم.
وتضيف أن سوق صناعة الخيم في نواكشوط تحتضن عشرات النساء غالبيتهن من الأرامل أو المطلقات اللواتي يسعين لمواجهة البطالة وارتفاع الأسعار، وبيعها للراغبين في ذلك من المواطنين وحتى السياح الأجانب الذين تجذبهم ثقافة البلد ويشترون بعض الخيم لنصبها في الأماكن السياحية في الشمال بولايتي آدرار وأينشيري.
وتعتبر بنت محمد فال أن سوق الخيم وفرت لهن إمكانية الاستمرار على الرغم من غياب الدعم الرسمي، لكن الإصرار الذي يحملنه حقق مكاسب كبيرة من أبرزها، تنظيم السوق وضبط العمل داخله وصناعة الخيام بشكل جيد على الطريقة التقليدية المتعارف عليها في موريتانيا.
طرق تقليدية لصناعة الخيام
في المقابل، تقول أمباركة بنت محمد (56 سنة)، وهي منشغلة في تطريز إحدى الخيم، إن الطريقة التي يتبعنها لا تزال تقليدية، معتبرة أن الخيمة تصنع من أقمشة مختلفة، كما تصنع كذلك من وبر الغنم والإبل.
وتضيف بنت محمد أن الخيمة تصنع من قماش يسمى محلياً بــ "ملكان" وآخر يسمى "أجيف". وتشرف النسوة على تطريز وحبك الخيم على الطريقة التقليدية، إذ كل خيمة تختلف عن الأخرى في الطول والعرض، وحتى في التسمية، حيث توجد خيام تسمى محلياً بـ "البنيه"، وأخرى "خيمه الكبيرة" ولكل واحدة سعر خاص وتطريز مختلف، ويعود ذلك إلى صعوبة العمل على الخيام ذات الحجم الكبير طولاً وعرضاً، عن الخيام المتوسطة والصغيرة.
وتؤكد بنت محمد أن حياكة الخيمة تستغرق أياماً عدة من العمل المشترك للنساء والمسمى محلياً بـ "تويزه"، حيث تجتمع النسوة على حبك الخيم.
مواسم الرواج
تُجمع العاملات في سوق صناعة الخيم في العاصمة على أن ثمة مواسم رواج لتجارتهن، كما أن هناك مواسم شبه كساد لهذه التجارة التي تعمل فيها العشرات من معيلات الأسر الفقيرة سواء في العاصمة نواكشوط أو في المدن الداخلية الأخرى، نتيجة تمسك الشعب بتراثه ما جعل الخيمة تراثاً معمارياً يوجد بقوة في البوادي والأرياف والقرى والمدن وكبيرات المدن.
وترى عائشة بنت سيدي عالي أن فترات الحملات الانتخابية تعتبر من أبرز المواسم رواجاً بالنسبة إلى بيع الخيام، كما أن موسم الخريف أو تساقط الأمطار في موريتانيا يعد هو الآخر موسماً لرواج البيع في مختلف مناطق البلد.
وتضيف بنت سيدي أن موسم الحملات الانتخابية تزدهر فيه مهنة بيع الخيام لاعتماد المرشحين وداعميهم على نصب الخيام لجذب الناخبين وترويج برامج المرشحين، من خلال تنظيم سهرات فنية وندوات لشرح مضامين برامج المرشحين ودعوة الناخبين للتصويت لصالحهم.
وتؤكد أن موسم الخريف أو فترة تساقط الأمطار تعتبر هي الأخرى فترة ازدهار، حيث تقبل مئات الأسر على شراء الخيام ونصبها في البوادي، وتتزايد عودة الموريتانيين إلى البوادي في فترة الخريف بحثاً عن الراحة والاستجمام.