استنتج بحث أجري أخيراً أن خصخصة الخدمات العامة في المملكة المتحدة عمقت حال عدم المساواة بين المناطق، و"أهملت" أجزاءً من بريطانيا تحت عنوان تحقيق أرباح. الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "سيرفايشن" Survation سأل أفراداً من المواطنين البريطانيين عن أسباب دعمهم إعادة تأميم الخدمات العامة مثل النقل العام والخدمات والبريد الملكي.
وكان السبب الأكثر شيوعاً الذي قدمه مؤيدو العودة إلى الملكية العامة هو أن الأموال الإضافية يجب أن تعود إلى الخدمات بدلاً من المساهمين، وأشار نحو 41 في المئة إلى هذه الناحية تحديداً على أنها السبب في موقفهم هذا. وقال عددٌ متساو تقريباً (40 في المئة)، إنهم يعتقدون أن "الشركات المملوكة من القطاع الخاص تعطي الأولوية إلى المناطق المربحة على حساب المساواة بين الجميع في الخدمة الجيدة".
تأتي هذه النتائج بعد تراكم أعوام جدباء عدة على قطاع خدمات السكك الحديد في شمال إنجلترا، استعادت معها الحكومة امتياز السكك الحديد الشمالية مرة أخرى إلى الملكية العامة على أساس مؤقت. وقد اشتكى الركاب من تأخيرات طويلة في سحب قطارات "بايسر" المتقادمة التي كانت قد وُضعت في الخدمة في الثمانينيات من القرن الماضي كي تكون حلاً موقتاً من جانب الشركة العامة "بريتيش ريل" British Rail، لكن المشغلين الجدد للخدمة الذين ينتمون إلى القطاع الخاص أبقوا عليها.
وفي المقابل، أصبح توافر إمكانية وصول البريطانيين في المناطق الريفية إلى شبكة الإنترنت بشكل يُعتمد عليه، مشكلةً سياسية في انتخابات العام الماضي، بعدما تعهد حزب "العمال" بتحويل شركة "أوبنريتش" Openreach التي توفر البنية التحتية للإنترنت لمناطق واسعة في المملكة المتحدة، إلى ملكية عامة لتحقيق ذلك. واتهمت شركات الإنترنت البريطانية بتقديم خدمات أقل جودةً للمناطق الأقل ربحاً لها، واعترفت بأنها لن تكون قادرة على الوصول إلى تغطية شاملة من دون دعم حكومي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل، حذرت مؤسسة البريد Royal Mail أيضاً من تعرض عمليات تسليم الرسائل والطرود في المناطق الريفية للخطر، لأن المنافسين من القطاع الخاص "يختارون ما يناسبهم" بالتركيز على الأجزاء المربحة من البلاد، في وقتٍ تم تحميلهم واجب تقديم خدمة شاملة مفروضة بموجب عقد الخصخصة.
وتُعد هذه النتائج مثيرةً للاهتمام في سياق ما تُسمى "أجندة الحكومة للنهوض"، التي تعهد بموجبها الوزراء البريطانيون بمساعدة أجزاءٍ من البلاد كان أداؤها أقل في العقود الأخيرة. كما أنها تعطي فكرةً عن سبب ارتفاع التأييد للملكية العامة للخدمات بين أنصار جميع الأحزاب السياسية، وهي حقيقة من الرأي العام لم تلحظها رادارات الأحزاب لأعوام كثيرة بعد خصخصة مرافق عدة.
وتوصل البحث أيضاً إلى أن قرابة 73 في المئة من الناخبين البريطانيين يريدون أن يقوم القطاع العام بتشغيل وسائل النقل العام، مقارنة بنحو 19 في المئة فقط يفضلون تشغيلها من القطاع الخاص. وأيد نحو 63 في المئة من المواطنين المستطلعة آراؤهم أن تشغل المرافق العامة قطاع الخدمات، في مقابل 26 في المئة يؤيدون القطاع الخاص. ويريد قرابة 69 في المئة أن تكون مؤسسة "البريد الملكي" في أيدي القطاع العام، في مقابل 21 في المئة يرون وجوب أن يديرها القطاع الخاص. وجاء مستوى الدعم في الاستطلاع مشابهاً لاستطلاع سابق عن هذه المسألة.
وتأتي هذه النتائج في وقتٍ يُجرى التنافس على قيادة حزب "العمال" خلفاً لزعيمه الراهن جيريمي كوربين، مع تعهد جميع المرشحين الثلاثة المتبقين بإعادة عددٍ كبير من الخدمات العامة في البلاد إلى القطاع العام.
وتم في إطار الدراسة سؤال الناخبين عما إذا كانوا يدعمون الملكية العامة في بعض القطاعات، ثم طُلب منهم توضيح ما إذا كانوا يوافقون أم لا على وجود مبررات مختلفة. وكانت الأسباب الشائعة الأخرى هي أن الناخبين يعتقدون أن الخدمات تكون أكثر عرضةً للمساءلة في القطاع العام، وأنه عندما تفشل الخدمات المملوكة من القطاع الخاص، ينتهي الأمر بأن يتلقف القطاع العام الكلفة على أي حال. ذكر هذين السببين على التوالي نحو 33 في المئة ثم 32 في المئة من الناخبين.
ورأى نحو 29 في المئة من الناخبين البريطانيين أن الملكية العامة هي مسألة أخلاقية، وأنه ينبغي ببساطة عدم تشغيل الخدمات من أجل تحقيق أرباح، بينما أشار قرابة 22 في المئة إلى أن واقع عدم الوفاء بالوعود التي قُطعت في شأن الخصخصة هو جانب مهم. أما عن اعتبار أن الخدمات العامة ستوفر قيمةً أفضل أو معايير أعلى، فقد وافق عليهما على التوالي نحو 17 في المئة و14 في المئة فقط من الأشخاص الذين استُطلعت آراؤهم، وهو ما يُعد هامشياً نسبياً في تحديد موقفهم.
وقالت كات هوبز مديرة مجموعة حملة "وي أون ايت" We Own It (نحن نملكها) التي كُلفت إجراء البحث إن "هذا الاستطلاع يُظهر مرةً أخرى أن الغالبية العظمى من الناس تدعم الملكية العامة لخدماتنا العامة". وأضافت "إن هذا يوضح لنا أن جمهور المواطنين سئم من قيام شركاتٍ خاصة بسرقة أموال للمساهمين بدلاً من الاستثمار في خدماتنا".
واعتبرت هوبز أنه "بعد نحو أربعين عاماً من زواج أيديولوجي مع الخصخصة، يبدو واضحاً أن الناس لم تعد تؤمن بهذه الفكرة بعد الآن. فأغلبهم يدرك أن الأمر يتعلق بالعدالة ويرتبط بالأخلاق. إنه ليس نظاماً عادلاً لأن يمنحنا خدماتٍ غير كافية وغير خاضعة للمساءلة. إنه ليس نظاماً منصفاً لأنه يقدم لنا أسعاراً وفواتير مرتفعة جداً. وهو ليس نظاماً عادلاً لأنه يتيح لمجموعةٍ من المساهمين والمديرين التنفيذيين الاستفادة من الأرباح".
ورأت أخيراً أن "الناس يرغبون في التغيير. ويريد المواطنون خدماتٍ عامة مناسبة للقرن العشرين. ولتحقيق ذلك، علينا أن ننهي عملية الاحتيال التي تُجرى من خلال الخصخصة، مرةً واحدة وإلى الأبد".
© The Independent