في مطار ليناتي في ميلانو، احتضن دانييلي ميرلي ابنه البالغ من العمر سبع سنوات وزوجته قبل توجههما نحو ضابط شرطة يتفقد وثائق السفر. وقال لابنه: "سأراك قريباً، حسناً؟"
لكن ميرلي غير متأكد من أنه سيتمكن من الوفاء بوعده. ففي يوم متأخر من يوم الاثنين وقع رئيس الوزراء جوزيبي كونتي مرسوماً يأمر بفرض أكثر القيود شدة على السفر في أوروبا، في خطوة تتبع المخطط الصيني لاحتواء الفيروس.
يحد الإغلاق الوطني من الوصول والمغادرة والسفر داخل البلد، ومن المقرر رسمياً أن يستمر حتى 3 أبريل(نيسان). لكن تقديرات صادرة عن المعهد الوطني للصحة تتوقع حدوث ذروة في العدوى في منتصف أبريل من شأنها أن تمدد الحجر الصحي إلى ما بعد الموعد النهائي المقرر.
لا يُسمح حالياً بالتنقل إن عن طريق الجو أو البر في أي مكان داخل البلد أو خارجه إلا في حالات الطوارئ أو نحو المدينة التي يقيم فيها الشخص، مع احتمال فرض غرامات وعقوبات بالسجن على أولئك الذين يخالفون القاعدة. كما تم إلغاء جميع التجمعات العامة وإغلاق المدارس والجامعات كافة.
كان مطار ليناتي، وهو نقطة تجمع حيوية لشركات الطيران منخفض التكلفة، مهجوراً صباح يوم الثلاثاء حيث لم يكن هنا أكثر من عشرة ركاب مصطفين أمام البوابة المفتوحة الوحيدة. وقام ضباط الشرطة بجمع تعهدات ذاتية ملزمة قانوناً توضح السبب وراء الرحلة قبل السماح للمسافرين بتمرير بطاقات الصعود إلى الطائرة.
وقد أثارت قيود السفر غضب السكان في بلد تتعمق فيه الأسرة داخل النسيج الثقافي.
كانت زوجة ميرلي، وهي مواطنة نيجيرية، على متن رحلة جوية عائدة إلى بلدها الأصلي، حيث يرتاد ابنها المدرسة. قيود السفر هذه ستجعل من المستحيل بالنسبة إليهما تقسيم وقتهما بين البلدين وزيارة ميرلي الذي يعمل في إيطاليا.
وقال الأب البالغ من العمر 48 سنة متنهداً: "ليس لدي أدنى فكرة متى سيعودان".
إيطاليا هي الدولة الأولى التي تتبنى مثل هذه الإجراءات الصارمة التي تقيد السفر في الاتحاد الأوروبي - الذي يعتمد على حرية التنقل والإقامة بحرية داخل أراضي الدول الأعضاء.
وقد وضعت المخاوف من تفشي الوباء الذي يلوح في الأفق وحدة الاتحاد الأوروبي على المحك. وكانت النمسا، التي لديها حدود مشتركة مع إيطاليا وأبلغت عن وجود 158 حالة فيها حتى الآن، هي أول دولة أعلنت يوم الثلاثاء عن حظر الوصول بالكامل من إيطاليا عبر السيارة أو القطار أو الطائرة، باستثناء حالات الطوارئ الطبية.
وخفضت شركة أليتاليا الرائدة للطيران عدد الرحلات اليومية المغادرة من مطار ليناتي من 204 رحلات إلى 26 يوم الثلاثاء. كما قلصت خطوط رايانير، وهي أكبر شركة للطيران الاقتصادي في أوروبا، جدول رحلاتها إلى شمال إيطاليا.
كما عمّق الإغلاق الفجوة بين الشمال الصناعي الإيطالي والمناطق الجنوبية. كان ليوناردو أورو، وهو عامل يدوي في موقع بناء في ميلانو، يحاول ركوب طائرة متوجهة إلى مسقط رأسه في جزيرة سردينيا حيث كان يخشى أن يبقى عالقاً أو يصاب بالمرض في ميلانو المزدهرة، حيث تعد الإيجارات من بين الأعلى في أوروبا.
قال الشاب البالغ من العمر 24 سنة: "أحتاج أن أكون مع عائلتي"، مضيفاً أنه لا يمكن أي شخص مواجهة هذا الوضع وهو بعيد من شبكة الأمان الخاصة به.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان مرسوم مبدئي لتطويق منطقة لومباردي و14 مقاطعة شمالية قد دفع بالآلاف للتوجه إلى محطات السكك الحديدية يوم الأحد لركوب آخر القطارات المتوجهة إلى المناطق الجنوبية.
وقال أورو إن البعض ربما اتخذوا "قراراً متسرعاً" من المحتمل أن تكون له تداعيات وخيمة على انتشار الفيروس، لكن بالنسبة للعمال القادمين من الجنوب، فإن احتمال عدم قدرتهم على العودة إلى ديارهم كان مصدر قلق عميق.
وقد ساد الارتباك يوم الأحد في شمال إيطاليا في مَن يمكنه الذهاب وإلى أي وجهة وتحت أي ظروف. وقد أوضحت السلطات منذ ذلك الحين أن السكان سيكونون قادرين على العودة إلى مسقط رأسهم، شريطة أن يقوموا بممارسة الحجر الذاتي وأن يكتبوا تعهدات ذاتية يشهدون بها قانوناً على صدق ادعاءاتهم.
ومع ذلك، يتوجب على أولئك الذين يعملون بانتظام ولديهم أسر في مناطق أخرى من إيطاليا أن يتحملوا الانفصال أو أن يخاطروا بعدم قدرتهم على العودة إلى مكان عملهم.
قالت روزي كاماردا، وهي موظفة صقلية تعمل في شركة لخدمات الطاقة، لـ "اندبندنت": "إن قلبي مشطور إلى نصفين".
فبينما يعيش والداها المتقدمان في السن في سانت أغاتا ميليتيلو، وهي بلدة صغيرة تقع على بعد 80 ميلاً من باليرمو، فإنها تعمل في ميلانو وخطيبها موجود هناك.
وقالت: "كان علي الاختيار بين عائلتي وشريكي"، مضيفة أن الحملة الإعلامية العدوانية التي تدعو الجنوبيين إلى الامتناع عن السفر إلى ديارهم جعلتها تدرك خطورة الوضع.
وتابعت: "قررت البقاء في ميلانو حتى لا أعرض عائلتي للخطر ... لكن الانفصال عن عائلتك وعدم التواجد معهم في حال حدث شيء ما، هو أسوأ شعور على الإطلاق".
© The Independent