لم يتبقَّ من المهلة الدستورية الخاصة باختيار رئيس وزراء جديد سوى يومين، ولا اتفاقات تلوح في الأفق بين القوى السياسية وتحديداً الشيعية منها، إذ يتحمل البيت الشيعي مسؤولية اختيار رئيس وزراء جديد ضمن العرف السياسي السائد في العراق.
ووفقاً للدستور العراقي، على القوى السياسية الاتفاق على مرشح قبل 15 مارس (آذار) الحالي، لكنّ تعقيد المشهد السياسي قد يؤدي إلى خرق هذه المهلة مرة أخرى.
ويشهد البيت الشيعي منذ أيام حراكاً واسعاً لتقريب وجهات النظر والرؤى المختلفة في ما يتعلق برئيس الوزراء المقبل. وقد اتّسعت السناريوهات الخاصة بآلية اختيار البديل بعد فشل محمد توفيق علاوي في الحصول على تأييد البرلمان، فضلاً عن اتساع قائمة المرشحين، إلاّ أنّه لا وجود لتوافق حول أي من الأسماء المطروحة حتى الآن.
تضاف إلى ذلك كل تعقيدات المشهد السياسي العراقي، ابتداء من مطالب المحتجين الداعية إلى اختيار رئيس وزراء مستقل غير خاضع للإرادات السياسية للكتل البرلمانية، وصولاً إلى الانشقاقات الكبيرة الحاصلة في الوسط السياسي. ولعل القصف الأميركي الذي استهدف مواقع تابعة لـ "الحشد الشعبي"، أمس الخميس 12 مارس، زاد المشهد السياسي العراقي تعقيداً.
القوى السنية والكردية تترقب
يبدو أن القوى السياسية الكردية والسنية تنتظر ما سينتج من اتفاقات الكتل الشيعية حول المرشح المرتقب، وفيما ترى القوى الكردية ضرورةً في أن يكون مقبولاً لدى المكونات العراقية الرئيسة، تشدّد على أن يلتزم حل المشاكل العالقة كافة بين أربيل وبغداد، والالتزام بالاتفاقات السابقة، خصوصاً ما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها، فضلاً عن موازنة الإقليم وضمان حقوق قوات "البيشمركة".
في حين أعلن تحالف "القوى العراقية" أكبر الكتل السنية في البرلمان العراقي، تنازله عن اختيار رئيس الحكومة المقبل لصالح القوى الشيعية، مشترطاً "النزاهة والمهنية" في المرشح المقبل.
اللجنة السباعية وقرب الحسم
وشكلت القوى الرئيسة داخل البيت الشيعي لجنة "سباعية" تضم ممثلين عن الكتل الأساسية، للتشاور والاتفاق على اختيار شخصية. وبحسب التسريبات، فإنّ اللجنة ضمت كلاً من نبيل الطرفي عن تحالف "سائرون"، وعدنان فيحان عن تحالف "الفتح"، وأحمد الفتلاوي عن "تيار الحكمة"، وباسم العوادي عن "ائتلاف النصر"، وحسن السنيد عن "ائتلاف دولة القانون"، وحيدر الفوادي عن "كتلة عطاء" وعبد الحسين الموسوي عن "حزب الفضيلة".
في غضون ذلك، قال النائب عن كتلة "الحكمة" حسن خلاطي في تصريحات صحافية إنّ "لدى اللجنة اجتماعات وحوارات مستمرة ومكثفة، وهي تتواصل مع الجميع وتعكف على وضع اللمسات الأخيرة لمواصفات رئيس الوزراء المقبل".
وأضاف "الفترة المتبقية لاختيار اسم المرشح قصيرة جدا،ً تنتهي مساء الأحد المقبل، لكن على الرغم من هذا، فإنّ الحراك يجري بشكل سريع والمفاوضات قائمة، وفي حال بقيت الأمور على ما هي عليه الآن، من وتيرة سريعة وانسجام، فإنّ اسم المرشح قد يُحسم قبل انتهاء المهلة الدستورية".
خيارات عدة ولا اتفاقات
واتّسعت قائمة المرشحين لهذا المنصب، وضمت أسماء بارزة، من بينها علي الشكري الوزير السابق، ومصطفى الكاظمي رئيس جهاز الاستخبارات وأسعد العيداني، محافظ البصرة، فضلاً عن أسماء أخرى، إلاّ أنّه لم يُتّفق على أي منها.
وتفيد تسريبات إعلامية بأنّ قوى سياسية داخل البيت الشيعي طرحت خيار تشكيل حكومة من المستقلين حصراً وبرئاسة أستاذ جامعي أو قاضٍ، في حين أشارت تسريبات أخرى إلى طرح مجموعة نواب، سيناريو ترشيح نائب في البرلمان العراقي لتلك المهمة، إلاّ أنّ هذه الخيارات لم يُتفق عليها حتى الآن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في غضون ذلك، قال النائب عن "تحالف سائرون" علاء الربيعي في تصريحات، إن "اللجنة السباعية قد تذهب باتجاه قضاة أو أساتذة الجامعات لاختيار أحدهم لتشكيل الحكومة وقيادة البلد للمرحلة المقبلة".
وعلى الرغم من الحديث السياسي عن توافق في وجهات النظر بين القوى السياسية الشيعية، إلاّ أنّ عدم التوصل إلى اتفاق حول مرشح معين ضمن المدة الدستورية، يبيّن أن الخلافات واسعة وقد لا تفضي إلى نتائج في الفترة القريبة.
أسماء جديدة
في السياق ذاته، قال النائب عن تحالف "سائرون"، إن "المباحثات لا تزال مستمرة بين القوى السياسية، ولم يتم حتى الآن الاتفاق على شخصية رئيس الوزراء"، معبراً عن أمله بأن "تتوصل تلك القوى إلى اتفاق نهاية الأسبوع المقبل".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "أخذنا في الاعتبار مطالب المحتجين في الحوارات وبعض المواصفات العامة بخصوص رئيس الوزراء المقبل والتي طرحتها ساحات التظاهر"، لافتاً إلى أنّ "اللجنة السباعية التي شُكلت من غالبية الأحزاب الشيعية، لا تزال تعقد لقاءاتها واجتماعاتها فضلاً عن مباحثاتتها مع بقية الكتل".
وتحدث عن "أسماء عدة طُرحت، غالبيتها لم تحصل على إجماع، لكن الرغبة العامة الآن تكمن في اختيار أسماء جديدة لم يجرِ طرحها سابقاً، لا في الإعلام ولا في الأروقة السياسية".
عجز القوى الشيعية
في المقابل ، قال الباحث في الشأن السياسي قحطان الخفاجي لـ"اندبندنت عربية" إنّ "الأحزاب الشيعية لن تتفق على بدائل نظراً إلى الاهتمام الكبير الذي توليه لمصالحها الشخصية، فضلاً عن تصاعد الخلافات بين أميركا وإيران، ما عقّد المشهد السياسي العراقي ولم يعد هناك مجال للاتفاق والتسوية".
وأضاف أنّ "الغاية من زيارة الأمين العام للأمن القومي الإيراني علي شمخاني إلى العراق، هي محاولة ترميم وضع البيت الشيعي والتوصل إلى اتفاقات حول مرشح جديد لرئاسة الوزراء"، موضحاً أن "هذه المحاولة فشلت في لململة وضع القوى الشيعية، ولا اتفاقات بينها حتى الآن حول شخصية رئيس الحكومة المقبل".
واعتبر أنّ "ضرب قاعدة التاجي من قبل أذرع إيران كان نتيجة عجز تلك القوى عن التوصل إلى اتفاقات وتراجع تأثير إيران في المشهد السياسي العراقي".
سيناريو ما بعد الضربات الأميركية
أما الباحث في الشأن السياسي خالد عبد الإله، فرجّح أن تؤدي "الضربات الأميركية الأخيرة إلى تماسك الجبهة الداخلية السياسية على مستوى القوى الشيعية، لاختيار شخصية قد تكون قريبة من توجهات هذه القوى لإخراج القوات الأجنبية من البلاد"، مبيناً أن "هذا الأمر قد يكون دافعاً لإمرار الحكومة المقبلة".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "هذا الاستهداف قد يؤدي إلى تنسيق أكبر داخل القوى الشيعية، لا سيما أن اللجنة السباعية شُكّلت قبل حصولها".
وأشار إلى أنه "قد يجري اختيار شخصية تقف على مسافة واحدة من جميع القوى الشيعية"، مبيناً أن "ثقلاً كبيراً سيكون على عاتق رئيس الوزراء المقبل في ما يخص إعادة النظر بعلاقة العراق مع أميركا والتحالف الدولي".
واعتبر أنّ "الأحداث الأخيرة قد تكون عاملاً سياسياً في توحيد الصف الشيعي للحديث عن غالبية سياسية تتحقق لمنح الثقة لرئيس الحكومة المقبل".
فشل اللجنة السباعية
في السياق ذاته، رأى أستاذ العلوم السياسية ياسين البكري أنّ "التطورات الأخيرة والتصعيد المتبادل بين القوات الأميركية والجماعات المسلحة ستلقي بظلالها على قضية اختيار رئيس الحكومة".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "لا بديل للتوافق بين القوى الشيعية على رئيس الوزراء المقبل، لأنّهم متّهمون من جانب قواعدهم والأطراف الأخرى داخل العملية السياسية، بمسؤوليتهم عن هذا التأخير"، مردفاً "المشكلة هي في عدم التوافق بين تلك القوى على الشخصيات المطروحة حتى الآن".
وأشار إلى أن "اللجنة السباعية فشلت في التوصل إلى حل لأنّ الأسماء الموجودة فيها غير قادرة على اتخاذ قرار"، معتبراً أن "القرار الحقيقي في يد القادة الشيعية وليس في يدهم".
ورجّح عدم الالتزام بالمهل الدستورية في ما يتعلق باختيار رئيس الوزراء، مشيراً إلى أن "هذه المهل هي آخر ما يهم أقطاب العملية السياسية، وإلاّ لما تجاوزت حكومة تصريف الأعمال مدتها الدستورية البالغة شهر واحد".
وعن التوافقات مع القوى السياسية الكردية والسنية، أوضح البكري أنه "لا بد من الأخذ في الاعتبار قناعة القوى السنية والكردية، وكانت قضية علاوي درساً بليغاً بعدم إمكانية إمرار شخصية من دون موافقة هذه المكونات"، لافتاً إلى أن "الاتفاق مع القوى الكردية قد يؤدي إلى إمكانية إمرار الحكومة بصرف النظر عن موقف القوى السنية".