كُّلف رئيس هيئة الأركان السابق بيني غانتس من قبل الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بمهمة تشكيل الحكومة المقبلة بعد الإطاحة ببنيامين نتنياهو. سطع نجم الرجل البالغ من العمر 60 عاماً، ويعرّف نفسه كبراغماتي في مواجهة الأيديولوجيات اليمينية المتشددة، بعد أن أعلن عن ترشحه للانتخابات العام الماضي للمرة الأولى. قدّم بيني غانتس نفسه وسطياً، وسعى إلى الظهور بصورة "الرجل النظيف" في الساحة السياسية، في مواجهة غريمه نتنياهو المتهم بقضايا فساد، لكنّه يشارك خصمه في الواقع برؤية أمنية متشددة. ونافس غانتس رئيس الوزراء المنتهية ولايته في انتخابات أبريل (نيسان) وسبتمبر (أيلول)، والأخيرة التي حصلت في الثاني من مارس (آذار) الحالي. وتقاربت نتائج التحالف الوسطي "أزرق أبيض" في انتخابات إبريل الفائت مع منافسه حزب الليكود، ثم تفوق عليه قليلاً في انتخابات سبتمبر. لكن أياً من الطرفين لم يتمكن من حصد الأغلبية البرلمانية اللازمة لتشكيل حكومة جديدة، إذا كان على أحدهما أن يحقق غالبية 61 مقعداً من أصل 120 مقعداً.
ويرتكز البرلمان الإسرائيلي على النظام النسبي.
حكومة في غضون أيام
تفوق نتنياهو وحزبه الليكود في انتخابات مارس، وحصل رئيس الوزراء على تأييد حلفائه المتدينين، لكنه فشل للمرة الثالثة في حصد دعم الأغلبية. أما غانتس، فحصل أخيراً على توصية القوى المناهضة لنتنياهو لتشكيل الحكومة الجديدة، على الرغم من الانقسامات العميقة بينها. ومن غير الواضح ما إذا كان غانتس سيتمكن من تشكيل حكومة مستقرة، لكنه شدد اليوم الإثنين على أن "إسرائيل يجب أن لا تذهب إلى انتخابات رابعة". وأضاف بعد تكليفه رسمياً "سأفعل كل ما بوسعي لتشكيل حكومة وطنية واسعة في غضون أيام قليلة". ويبقى أمر تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل ضرورة ملحة في ظل ازدياد أعداد الإصابات بفيروس كورونا المستجد والتي سجلت حتى الآن 250 إصابة.
وكانت رسالة غانتس واضحة، وهي إنهاء حكم نتنياهو المستمر منذ عشرة أعوام. وكان يفترض أن تبدأ أولى جلسات محاكمة نتنياهو الثلاثاء، قبل أن تقرر المحكمة المركزية في القدس تأجيلها إلى 24 من مايو (أيار) المقبل. ويقول "العالم يجب أن يعرف أننا براغماتيون ونضع مصلحة دولة إسرائيل فوق المصالح الشخصية".
سيرته
ولد غانتس عام 1959 في قرية كفار أحيم في جنوب البلاد، لوالدين مهاجرين نجيا من المحرقة النازية. التحق في شبابه بالجيش كمجنّد، عام 1977. هناك، صار مظلياً ورٌقي ليصير جنرالاً عام 2001، قبل أن يعيّن رئيساً للأركان عام 2011 وحتى 2015. في بلد تعتبر فيه المؤسسة العسكرية عنصر توحيد، يحظى الرجل الفارع القامة (1,95 متر) وصاحب العينين الزرقاوين، بهالة كبيرة مردها نشاطه ورتبته العسكرية.
لم يكن لهذا الأب لأربعة أطفال صاحب السلوك العفوي والمحبب بحسب أنصاره، أي خبرة سياسية قبل سنة، حين أسس حزب "أزرق أبيض" الوسطي الذي استوحى اسمه من ألوان العلم الإسرائيلي. ويرى الصحافي المختص في الشؤون العسكرية بجريدة هآرتس الإسرائيلية، عاموس هارل أن غانتس "لم يترك تأثيراً خالداً في الجيش، لكنه حافظ على صورة الاستقرار والنزاهة". ويتبنى غانتس رؤية مجتمعية أكثر انفتاحاً من نتنياهو، ويأمل في تشكيل حكومة علمانية تدعم الزواج المدني غير المسموح به في إسرائيل. في الوقت نفسه، يريد أن يرسم لنفسه صورة رئيس حكومة سيكون حازماً في تطبيق سياساته.
يؤكد غانتس أنه مع بقاء السيطرة العسكرية الإسرائيلية على غالبية أجزاء الضفة الغربية المحتلة، ومع ضمّ غور الأردن ووضع حد للهجمات المتواصلة من غزة.
في فيديو دعائي، تفاخر غانتس أنه كان مسؤولاً خلال الحرب الأخيرة على غزة العام2014 التي تمّ خلالها القضاء على عدد كبير من "الإرهابيين" الفلسطينيين كما أسماهم، من دون أن يذكر الضحايا المدنيين.
واتهم حكومة نتنياهو بـالقيام "بتنازلات كثيرة"، ووعد بـ "سياسة ردع" تجاه حركة "حماس الإسلامية" التي خاضت ضدها إسرائيل ثلاث حروب منذ 2008.
ويتحالف غانتس مع قائدين سابقين لأركان الجيش، هما موشيه يعالون، وغابي أشكنازي. يسعى غانتس لتسويق نفسه بصفته "رجلاً قوياً". وتوجه بكثافة الى ناخبي اليمين، ما جعل نتنياهو يصفه بأنه "نسخة باهتة" منه. وقال ساخراً "فجأة، صار الجميع يمينياً". ونشر الليكود شريط فيديو يحوي مقتطفات من مداخلات غانتس ارتكب خلالها أخطاء من قبيل الخلط بين الأسماء أو التلعثم أثناء إلقاء خطب في الحملة الانتخابية. وعندما سأله صحافي عن "الأخطاء المتكررة" التي يقع فيها، أجاب غانتس "أحياناً أفكر أسرع مما أتكلم". وأضاف "لست بصدد خوض مسيرة مهنيّة تلفزيونية، لست مقدم نشرة أخبار، أنا قائد في رصيده نحو 40 عاماً من المواقع القيادية في الجيش".
ويحمل غانتس إجازة جامعية في التاريخ من جامعة تل أبيب، وشهادة ماجستير في العلوم السياسية من جامعة حيفا، وشهادة ماجستير في إدارة الموارد الوطنية من جامعة الدفاع الوطني في الولايات المتحدة.
ولكن السؤال الذي طرح على الدوام هو: هل ينجح غانتس في مواجهة خطيب مفوه وسياسي بارع مثل نتنياهو؟