حقنت الحكومة المصرية جسد الاقتصاد المُنهك خلال الـ48 ساعة الماضية بجرعة مكثفة من القرارات، في محاولات مستميتة لتنشيط القطاعات الكبرى، على رأسها الصناعة وأسواق المال المصرية، وهي المحاولات التي تسعى للتعامل مع التداعيات الاقتصادية لفيروس "كورونا" المستجد، سواء قرارات من البنك المركزي المصري، أو المجموعة الوزارية الاقتصادية.
10 قرارات تحفيزية
رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، أعلن حزمة قرارات مهمة لدعم قطاعي الصناعة والبورصة، تلخّصت في "خفض سعر الغاز الطبيعي للصناعة عند 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، وكذلك خفض أسعار الكهرباء للصناعة الجهد الفائق والعالي والمتوسط بقيمة 10 قروش، إلى جانب تثبيت وعدم زيادة أسعار الكهرباء لباقي الاستخدامات الصناعية مدة من 3 : 5 سنوات مقبلة".
القرارات تضمّنت أيضاً "توفير أموال للمصدرين خلال شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) 2020، لسداد جزء من مستحقاتهم"، وفقاً للآليات المُتفق عليها "مع سداد دفعة إضافية بقيمة 10 في المئة نقداً للمصدرين في يونيو (حزيران) المقبل، مع تأجيل سداد الضريبة العقارية المُستحقة على المصانع والمنشآت السياحية مدة 3 أشهر، علاوة على رفع الحجوزات الإدارية على كل الممولين الذين لديهم ضريبة واجبة السداد مقابل سداد 10 في المئة من الضريبة المستحقة عليهم، وإعادة تسوية ملفات هؤلاء الممولين من خلال لجان فض المنازعات".
أمّا في ما يخص أسواق المال فوافقت المجموعة الوزارية الاقتصادية على "إعفاء الأجانب وغير المقيمين من ضرائب الأرباح الرأسمالية تماماً وبشكل نهائي، وتطبيق نسبة مقطوعة ضريبة دمغة ثابتة بمقدار 1.25 في الألف بدلاً من 1.5 في الألف عن عمليات الشراء والبيع".
دعم البورصة
وقال وزير المالية المصري محمد معيط، لـ"اندبندنت عربية"، إنّ المجموعة الاقتصادية الوزارية "قررت تأجيل تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية على المصريين، والمقيمين حتى بداية 2022، والخفض الفوري لضريبة الدمغة عليهم إلى نصف في الألف بدلاً من 1.5 في الألف، لحين تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية".
وأضاف معيط، "قررنا أيضاً الإعفاء الكامل للعمليات الفورية بالشراء والبيع، لتنشيط حجم المعاملات اليومية، وتخفيض الضريبة على توزيعات الأرباح بنسبة 50 في المئة، لتصبح 5 في المئة لأي مساهم بأي شركة مقيّدة بالبورصة، بغض النظر عن نسبة مساهمته، و10 في المئة على التوزيعات النقدية لأي مساهم بأي شركة غير مقيّدة، بغض النظر عن نسبة مساهمته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار وزير المالية، إلى "تخفيض مقابل الخدمات عن عمليات التداول بالبورصة بنسبة 20 في المئة لتصبح 5 في المئة بدلاً من 6.25 في المئة ألف، التي تتقاضاها الهيئة العامة للرقابة المالية، وتعديل قرار وزير الاستثمار رقم 231 لسنة 2008، بشأن تحديد عمولات السمسرة ورسوم قيد الأوراق المالية، ومقابل الخدمات عن عمليات البورصة، بحيث يُجرى تخفيض مقابل الخدمات المنصوص عليها بنسبة 17 في المئة، وتضمّن مشروع القرار الجديد مقابل الخدمات الذي تتقاضاه البورصة عن عمليات تداول الأوراق المالية للشركات الصغيرة والمتوسطة على أساس 1/ 10 في الألف من قيمة كل عملية تُجرى على الأوراق المالية المقيّدة بالبورصة بحد أقصى 100 جنيه (6.4 دولار أميركي)".
ولفت وزير المالية إلى "تعديل قرار وزير الاستثمار رقم 27 لسنة 2016 بشأن تحديد مقابل الخدمات، التي تقدّمها شركة مصر للمقاصة والإيداع والقيد المركزي للأوراق المالية، بحيث يُجرى تخفيض مقابل خدمات المقاصة والتسوية للأسهم والسندات وصكوك الدين وأدوات الدين الأخرى المنصوص عليه بنسبة 20 في المئة، لتكون 10 في المئة ألف بحد أقصى 5 آلاف جنيه (320 دولاراً أميركياً)، وتخفيض خدمات المقاصة والتسوية، لآلية التعامل على الأسهم في الجلسة ذاتها، لتكون 10 في المئة ألف بحد أقصى 5 آلاف جنيه (320 دولاراً أميركياً)، وتخفيض خدمات المقاصة والتسوية لآلية التعامل على الأسهم في اليوم التالي لتكون 10 في المئة ألف بحد أقصى 5 آلاف جنيه (320 دولاراً أميركياً)".
ولتشجيع ممولي الضرائب كشف معيط عن "إلغاء رسوم المنظومة الإلكترونية بالنسبة إلى الممولين من الأشخاص الطبيعيين فقط هذا العام، تشجيعاً لهم على تقديم إقراراتهم الضريبية إلكترونياً، خصوصاً أنها اختيارية لهم خلال هذا العام، في ضوء التزام كل من وزارة المالية ومصلحة الضرائب الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها الدولة للحد من الازدحام وتقليل التجمّعات بأماكن العمل المغلقة، وحفاظاً على صحة الممولين والمحاسبين والعاملين بالمصلحة، وللحد من انتشار فيروس كورونا المستجد".
قرارات جيدة... لكن متأخرة
واعتبر متخصصون بسوق المال القرارات الأخيرة "إيجابية" لصالح السوق، لكنها جاءت "في وقت متأخر".
تقول رضوى السويفي، متخصصة أسواق المال، "القرارات جاءت متأخرة"، لأن الأسعار "تشهد تراجعات منذ وقت كبير، لا من اليوم"، مضيفة "لكن، بشكل عام خفض الضريبة إيجابي، وكان الأفضل إلغاؤها".
بينما قال وائل عنبة، وفقا لـ"رويترز"، "القرارات جاءت بعد وقوع الأزمة، وينقصها إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية بالكامل على المقيم وغير المقيم. سيكون لها تأثير في المَديين المتوسط والطويل، بعد انتهاء أزمة كورونا".
وأوضح عمرو الألفي، رئيس قسم البحوث في "شعاع" لتداول الأوراق المالية، أنّ الحكومة "أجّلت فقط ملف الضريبة عامين مقبلين، بدلاً من الآن"، مضيفاً "الأفضل كان إلغاء ضريبة الدمغة بشكل نهائي، وأيضاً ضريبة الأرباح الرأسمالية"، متسائلاً: "لماذا تختلف المعاملة بين المستثمرَين المصري والأجنبي؟". حسب وكالة "رويترز".
وبالتوازي، أصدرت هيئة الرقابة المالية، قراراً يُلزم شركات التمويل العقاري والتأجير التمويلي والتخصيم، "تأجيل الاستحقاقات الائتمانية والأقساط على العملاء من الأفراد والمؤسسات مدة 6 أشهر، مع إعفائهم من غرامات التأخير التي تترتب على ذلك".
وذكرت الهيئة، في بيان، أنّ القرار يأتي في إطار خطة الدولة لمواجهة التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا المُستجد، وما تتطلبه الفترة الراهنة من تكاتف مؤسسات الدولة، وصولاً إلى الحد من تلك التداعيات.
وكشف محمد عمران، رئيس هيئة الرقابة المالية، عن قرار الهيئة بجواز تلقي شركات السمسرة في الأوراق المالية بالبورصة أوامر العملاء بالشراء والبيع للأسهم من خلال البريد الإلكتروني، أو الرسائل النصية باستخدام تطبيقات الهاتف المحمول.
وقال عمران، في بيان، إنّ ذلك يأتي تماشياً مع الإجراءات الاحترازية التي تطبقها الدولة للحد من الآثار الاقتصادية المترتبة على مواجهة فيروس كورونا، ونظراً للظروف التي تمر بها الأسواق والحاجة نحو التيسير على المتعاملين في الأنشطة المالية غير المصرفية.
في جانب موازٍ توقّع البنك المركزي المصري استفادة نحو 940 ألف عميل من مبادرة المتعثرين الأخيرة، منهم نحو 200 ألف عميل مُتخذ ضدهم إجراءات قضائية.
إسقاط 640 مليون دولار أميركي ديوناً
وأكد المركزي المصري، في بيان، إسقاط استحقاقات وديون يقدر إجماليها بنحو 10 مليارات جنيه (640 مليون دولار أميركي)، منها 4.3 مليار جنيه (256 مليون دولار أميركي) عوائد مهمشة.
وكان البنك المركزي المصري أصدر مبادرة جديدة بشأن عملاء الأفراد غير المنتظمين حتى 30 سبتمبر (أيلول) 2019، البالغ إجمالي مديونياتهم غير المنتظمة لدى كل البنوك أقل من مليون جنيه (64 ألف دولار أميركي) "من دون البطاقات الائتمانية".
نحتاج إلى المزيد
أمّا المستثمرون ورجال الصناعة فعبّروا عن تفاؤلهم بالخطوات الإيجابية من جانب الحكومة المصرية في مواجهة التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا.
يقول محمد عادل حسني، رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية المغربية لرجال الأعمال، "القرارات الاقتصادية الأخيرة خطوة غير مسبوقة لدعم القطاع الخاص لتجاوز الأزمات"، مشيراً إلى أنّ "خفض أسعار الفائدة والغاز والكهرباء للمصانع أحد أهم العوامل المحفّزة الاستثمار الأجنبي، وكذلك تشجيع إنتاج المصانع القائمة".
وأضاف حسني، "القطاع الخاص عليه الدور الأكبر في التكاتف مع الحكومة والمجتمع المدني من أجل تجاوز التحديات العالمية الراهنة جراء انتشار فيروس كورونا"، مؤكداً أن "تخفيف الأعباء المالية عن القطاع الخاص من الإجراءات الإيجابية في مواجهة التحديات الاقتصادية".
بينما قال رئيس لجنة الصناعة بالجمعية المصرية اللبنانية لرجال الأعمال محمد الحوت، إن القرارات الاقتصادية الأخيرة "تعكس وعي الدولة بمتطلبات الصناعة الوطنية، والتعامل السريع في إدارة الأزمات، التي ظهرت واضحة في مواجهة التغيرات المناخية الصعبة، وكذلك الإجراءات الاحترازية التي سارعت الدولة بتطبيقها في الوقت المناسب للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد".
وطالب الحوت، "الحكومة المصرية بإصدار حوافز وتيسيرات ضريبية لأصحاب الشركات الصناعية والتجارية القائمة من أجل رفع تنافسية المنتج المصري محلياً، وفي أسواق التصدير التي تضررت بشكل كبير من الأزمة الراهنة، نتيجة تعطّل سلاسل الإمداد وتباطؤ حركة التجارة ونقل البضائع".
وقال كمال الدسوقي، نائب رئيس غرفة مواد البناء باتحاد الصناعات المصرية، إن حزمة القرارات الاقتصادية للحكومة "جيدة" للحد من التداعيات الاقتصادية العالمية، وتأثيرها في الاقتصاد المصري.
وأضاف، "رغم قرار الحكومة بخفض أسعار الغاز للمصانع لـ4.5 دولار للمليون وحدة حرارية، فإنها ما زالت أعلى من الأسعار العالمية".
وتابع، "على الرغم من أهمية القرارات الاقتصادية للحكومة، فإنها غير كافية لتلافي المخاطر المالية التي تنتظر القطاع الخاص على مستوى توفير أجور العاملين، ومصاريف التشغيل وتكاليف الإنتاج، إذ إن القطاع الخاص يعمل به أكثر من 23.5 مليون، ومن ثمّ فمن المتوقع أن يواجه القطاع الخاص أكبر مشكلة مالية ضخمة في أثناء وبعد تجاوز الأزمة الحالية".
وأشار الدسوقي، إلى أن "تقليل تكاليف الإنتاج والتشغيل والعمل على أساس التكاليف الثابتة للأجور لبعض القطاعات الصناعية سيسهم في سرعة عجلة الإنتاج، وزيادة المنتجات بالأسواق منعاً لخلق أزمات نقص مواد غذائية، أو منتجات في تلك الفترة"، مؤكداً أن "القطاعات الأساسية، مثل المواد الغذائية والطبية والصحية، في حاجة إلى مزيدٍ من الدعم للعمل بكامل طاقتها، حيث سيكون لها الدور الأكبر في خدمة خطط الدولة لمواجهة وباء كورونا خلال المرحلة المقبلة".