تداعيات وباء كورونا الاقتصادية لا تزال تُلقي بظلالها على الأسواق، تجاوزت حالات الإصابة 218,000 حالة، وتعدت الوفيات 9,000. بنك جي بي مورغان يتوقّع أن ينكمش الاقتصاد الأميركي بـ4.00- في المئة خلال الفصل الأول من 2020، وأن ينكمش اقتصاد منطقة اليورو بـ15- في المئة خلال الفصل الأول من 2020، بينما توقعات جي بي مورغان لنمو الاقتصاد الصيني كانت الأكثر تشاؤماً بأن ينكمش بـ40.8- في المئة.
هذه التوقعات المتشائمة من بنك جي بي مورغان تصاحبها تراجعات حادة في مؤشرات أسواق الأسهم. أمس الخميس الـ19 من مارس (آذار) 2020 خلت صالة التداول في بورصة نيويورك للمرة الأولى في تاريخها من المتداولين، ومن جرس بداية الجلسة، وهو التقليد الراسخ في أكبر بورصات العالم للأسهم. يبدو أن الاقتصاد العالمي وأسواقه المالية سيواجه فترة عصيبة حتى ينجلي هذا الوباء.
"الفيدرالي" فعل كل شيء... ولم يستطع تهدئة الأسواق
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في المؤتمر الصحافي الثلاثاء الـ16 من مارس (آذار) 2020، "البعض يقول إن انتشار الوباء ربما يستمر حتى يوليو (تموز) أو أغسطس (آب) 2020 إذا ما نجحت جهود المكافحة التي تقوم بها بلاده"، وأردف "هذا ممكن".
وهذا يعني مزيداً من الإجراءات الاحترازية، وتعليق السفر، ومنع التجمّعات والفعاليات الاجتماعية، ومزيداً من الوقت للبقاء في المنازل، حتى النصف الثاني من 2020، ستستمر معاناة قطاع النقل العام وتحديداً الطيران رغم تعهّد الرئيس ترمب بدعم هذا القطاع، وكانت شركات الطيران الأميركية طلبت دعماً يبلغ 58 مليار دولار.
على صعيد متصل، تبحث شركة بوينغ عن مساعدات مالية تبلغ 60 مليار دولار، بشكل عام الإجراءات الاحترازية ستكون لها تأثيرات كبيرة في النشاط الاقتصادي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل الفيدرالي الأميركي يسابق الزمن في استخدام كل أدوات السياسة النقدية، ليساعد الاقتصاد، ويحدّ من الآثار الاقتصادية السلبية لتداعيات "كورونا"، يوم الأحد الـ15 من مارس (آذار) 2020 خفّض الفيدرالي سعر الفائدة إلى مستوى الصفر (0.0 في المئة - 0.25 في المئة) من مستوى 1.00 في المئة - 1.25 في المئة.
وأطلق "الفيدرالي" برنامجاً جديداً للتيسير النقدي Quantitative easing حجمه 700 مليار دولار بواقع 500 مليار لشراء سندات الخزانة الأميركية و200 مليار لشراء أوراق مالية مدعومة برهون عقارية.
كل هذه الإجراءات لم تمنع سقوط مؤشرات الأسهم الأميركية، إذ خسر مؤشر داو جونز كل مكاسب السنوات الثلاث بنهاية جلسة تداول يوم الأربعاء الـ18 من مارس (آذار) 2020، الذي هبط فيه المؤشر من دون مستوى الـ20,000 للمرة الأولى منذ فبراير (شباط) 2017.
المركزي الأوروبي يبدأ برنامجاً لتحفيز الاقتصاد
أعلن البنك المركزي الأوروبي، الأربعاء الماضي، برنامجاً لشراء السندات حتى 75 مليار يورو (820 دولاراً)، يشمل سندات حكومية وسندات شركات القطاع الخاص، وأوراقاً مالية تجارية.
البرنامج يضاف إلى التدابير التي أعلنها البنك في اجتماع الخميس الـ12 من مارس (آذار) 2020، عندنا أقرّ في اجتماعه الشهري "حزمة من المحفزات"، لمساعدة الاقتصاد في منطقة اليورو، لمواجهة التداعيات الاقتصادية لانتشار "كورونا"، ومعلوم أنّ الوباء يتمدد في أوروبا بوتيرة سريعة.
المركزي الأوروبي يخطط لشراء سندات هذا العام بـ1.10 تريليون يورو (1.19 تريليون دولار) حتى نهاية العام، العملة الأوروبية الموحدة مستمرة في التراجع. خلال آخر 8 أيام تداول تراجع اليورو من فوق مستوى 1.15 إلى 1.0730، وارتفع اليورو في جلسة تداول واحدة فقط خلال هذه الفترة.
الدولار الأسترالي إلى أدنى مستوى له في 17 عاماً
وتراجع الدولار الأسترالي مقابل العملة الأميركية إلى أدنى مستوى له خلال 17 عاماً، وتراجع إلى مستوى قريب من 0.5500 (الآن يتداول عند مستوى 0.5690)، في خطوة مهمة قام بها بنك الاحتياطي الأسترالي أمس الخميس، وخفّض سعر الفائدة بـ25 نقطة أساس لتنخفض الفائدة في أستراليا من 0.50 في المئة إلى 0.25 في المئة، وذلك في مسعى من البنك لدعم الاقتصاد في مواجهة تداعيات انتشار كورونا على الاقتصاد، إضافة إلى حزمة تسهيلات أخرى تشمل قروضاً ميسرة وتخفيف شروط الائتمان.
بنك إنجلترا المركزي يخفض سعر الفائدة
وأعلن بنك إنجلترا المركزي تخفيضاً طارئاً لسعر الفائدة أمس الخميس، ليخفّض الفائدة إلى 0.1 في المئة، وهي أدنى مستوى تاريخي لسعر الفائدة البريطانية، وهذا التحرّك الثاني من قِبل بنك إنجلترا المركزي خلال أسبوع.
في وقت سابق من هذا الأسبوع تراجع الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى له منذ 1987، وارتفع بعد خفض سعر الفائدة الأخير إلى مستوى 1.1777 مقابل الدولار الأميركي، مرتفعاً من مستوى 1.1500، بينما كان الارتفاع الأكبر مقابل اليورو الذي هبط مقابل الجنيه الإسترليني من 0.9450 إلى 0.9160 خلال جلسة أمس الخميس.
وإضافة إلى خفض الفائدة رفع البنك حجم برنامجه لشراء الأصول والسندات بـ200 مليار باوند (235.5 مليار دولار)، ليبلغ إجمالي حجم البرنامج 645 مليار باوند (759.6 مليار دولار).
إنقاذ المستهلكين والأفراد ضرورة
تسابق البنوك المركزية والحكومات الزمن في مواجهة أزمة وباء كورونا، وعادة تستعمل الأدوات القديمة نفسها، بضخ مزيدٍ من السيولة في النظام المالي، وطرح برنامج لتحفيز الاقتصاد وشراء السندات، وهي الأدوات نفسها التي استخدمتها سابقاً في مواجهة أزمة الرهن العقاري بأميركا عام 2008، وأيضاً إبان أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو عام 2012.
في تقديري، هذه الأدوات ليست كافية الآن لحماية الاقتصاد العالمي والأسواق المالية من التداعيات الاقتصادية الحادة لانتشار كورونا. ففي السابق الأزمة كانت مرتبطة بمستويات السيولة في النظام المالي، وفقاعة في الأصول المدعومة برهون عقارية، لذلك ضخ السيولة في شرايين النظام المالي كان له أثرٌ كبيرٌ.
هذه المرة صنّاع القرار السياسي والاقتصادي في حاجة إلى ابتداع أدوات جديدة تعزز ثقة المستهلكين، وبرامج تستهدف الأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة عبر حزم متكاملة مالية ونقدية، وتخفيف في السياسات لعودة عجلة الإنتاج والاستهلاك إلى الدوران مرة أخرى.