كان من المتوقع من المجتمع الدولي أن يسارع في مواجهة فيروس "كورونا"، إلى إنشاء جبهة موحدة لمكافحة وباءٍ تسبب في مثل هذا الذعر، إلى درجة بات معها يُعتبر تهديداً وجودياً.
لكن بدلاً من ذلك، كشف اندلاع الوباء الجامح عن مشهد جيوسياسي منقسم وقاسٍ، غارق في الاتهامات والمهاترات والغموض، يكاد يخلو من أي مؤشرات إلى وجود استجابة عالمية عاجلة وفعالة.
لم يكتفِ المسؤولون الصينيون بالتغطية على حجم المشكلة في وقت مبكر فحسب، بل حاولوا أيضاً إسكات العاملين الطبيين الذين حذّروا ممّا سيحدث. من جهتها، قلّلت المؤسسة الإيرانية من انتشار المرض في مدينة قم ذات القدسية لدى الشيعة، حتى أصبح من المستحيل إخفاؤه. وتخلّفت كوريا الجنوبية واليابان عن الدول المجاورة في فرض حظر على السفر من الصين، وفشلت طوكيو في التعامل مع انتشار الفيروس على متن السفينة السياحية "دايموند برينسيس". ويواجه الاتحاد الأوروبي اتهامات بالفشل في مساعدة إيطاليا، البلد الأكثر تضرراً في أوروبا.
ثم هناك بالطبع دونالد ترمب، الذي ادّعى في البداية أنّ الفيروس عبارة عن "خدعة جديدة" من قبل الديمقراطيين، وأنه "تحت السيطرة" و"يمكن أن ينتهي نهاية جيدة للغاية بالنسبة إلينا"، وأن "يعزّز الوظائف". كما حظّر السفر إلى الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي، الذي يراه خصماً، وزُعم أنه عرض على شركة ألمانية "مبالغ كبيرة من المال" مقابل تسليم لقاح تعمل عليه للاستخدام الحصري في الولايات المتحدة، بيد أن مسؤولين أميركيين نفوا عموماً هذه التقارير.
يتناقض هذا بشكل ملحوظ مع ما أظهره باراك أوباما من قيادة خلال تفشي فيروس "إيبولا" عام 2014. في ذلك الوقت، دعت إدارته إلى قمة دولية لبحث كيفية التعامل مع الأوبئة في المستقبل، وإنشاء وحدة متخصصة في مجلس الأمن القومي للتركيز على المشكلة.
لكن إدارة ترمب حلّت تلك الوحدة قبل عامين، في حين تعرّضت هيئة أخرى، هي "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (CDC)، لتخفيضات حادة في أنشطتها للوقاية من الأوبئة.
كانت هناك دعوات إلى أن تملأ "منظمة الصحة العالمية" هذا الفراغ في القيادة. لكن ذلك يصطدم بالأثر السلبي لواقع أن المنظمة يُنظر إليها وكأنها تقع تحت تأثير غير مبرر من بكين، باعتبار أن رئيسها كان غير مستعد لانتقاد الحكومة الصينية بأي شكل من الأشكال بسبب سوء إدارتها للجائحة.
وخلال إعلان تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام للمنظمة، حالة الطوارئ العالمية للصحة العامة في نهاية الشهر الماضي، أسهب في مدح الحكومة الصينية "لانفتاحها على تبادل المعلومات" وأيضاً على "وضع معيار جديد لتفشي المرض".
وكان غيبريسوس، وهو من إثيوبيا، ينتقد بانتظام جهود الحكومات الأخرى للتصدي للفيروس ويدعوها إلى عدم تقييد السفر إلى الصين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعندما سُئل في مؤتمر ميونيخ الأمني الشهر الماضي عن تصاعد الغضب الداخلي في الصين بشأن قمع الحكومة للأخبار المتعلقة بوباء "كورونا"، أصرّ على أنّ الانتقادات غير عادلة وأنّ "الصين وفّرت الوقت للعالم". وعلى النقيض من ذلك، شدّد جون مكنزي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة الصحة العالمية، علناً على أن رد الفعل الدولي كان سيكون أسرع بكثير لولا افتقار الصين "المستهجن" للصراحة بشأن الانتشار الخبيث للفيروس.
كانت هناك أيضاً أسئلة حول تأخر منظمة الصحة العالمية في إعلان حالة "طوارئ صحة عامة مثيرة للقلق عالمياً". وقد انقسم أعضاء لجنة الطوارئ التابعة للمنظمة حول هذه المسألة، وتُرك القرار النهائي للمدير العام، فقرر غيبريسوس الانتظار على الرغم من أنه أجبر على الاعتراف بوجود "حالة طوارئ في الصين" في ذلك الوقت. في الأسبوع التالي، أُعلن عن "حالة طوارئ صحة عامة مثيرة للقلق عالمياً"، وذلك بعدما زادت وطأة وباء الوباء بـ 10 أضعاف وسُجلت 7781 حالة في 18 دولة.
ربما كان من الممكن، حتى في الوقت الراهن، تجنب أسوأ النتائج المتوقعة من حيث التكلفة المالية والصحية لفيروس كورونا، وذلك من خلال التعاون والقيادة الدوليين المناسبين. فأثناء الأزمة المالية لعامي 2008 و2009، تراجعت التجارة العالمية والنمو الاقتصادي في البداية بقدر أكبر ممّا تمخّض عنه الكساد الكبير. ومع ذلك، تعاونت الحكومات وكان هناك تنسيق. وبعد عام شاق، استقر الاقتصاد العالمي، وتمكنّا من تجنب كساد كبير آخر وتفادي كارثة أكبر.
وأشار محللون إلى أن الفارق بين اليوم وتلك الفترة، هو أن الدول قبلت حينذاك بوضع الخلافات جانباً، انطلاقاً من اقتناعها بأن الحاجة إلى دعم الصالح العام تستحق الأولوية على التظلمات الفردية، وهو نهج مختلف جذرياً عن ذلك المتبع في الثلاثينيات من القرن الماضي خلال موجة القومية السياسية العنيفة الموسومة بسياسات "إفقار الجار" الاقتصادية.
وجاء "كوفيد-19" تزامناً مع عودة الشعبوية من خلال ترمب و"بريكسيت"، والحرب الاقتصادية وتفكيك المؤسسات المتعددة الأطراف. وهو أتى أيضاً في الوقت الذي يجري فيه بثّ معلومات مضلِّلة وشعار يُروَّج له في هذه البلاد أكثر من معظم البلدان الأخرى، ومفاده بأنه "لا يمكنك الوثوق بالخبراء".
أدى الحجم الهائل للتحديات التي يواجهها العالم بالضرورة إلى إجراء قدر من التنسيق، على الرغم من محدوديته حتى الآن بين دول مجموعة السبع. ويشارك ترمب، الذي يتولى الرئاسة الدورية للمجموعة، على مضض في هذا التنسيق، إذ بذل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعض الجهد لإقناعه بالانضمام إلى اجتماع عبر الفيديو للزعماء الأوروبيين.
كان هناك تخوف من أن الرئيس الأميركي لن يوافق على مسودة بيان مشترك قبل المؤتمر، إذ لم يغِبْ عن البال بعد، سحبه توقيعه بأثر رجعي من بيان مجموعة السبع بعد قمة كيبيك الكارثية لعام 2018. لكن مع تزايد القلق بشكل حاد في أميركا بسبب الفيروس، إلى درجة أن شبكة "فوكس نيوز" غيّرت تغطيتها من اتهامات بالتآمر إلى تصوير ما يحدث في أزمة خطيرة، عدّل ترمب نبرته للتعبير عن القلق.
مع ذلك، ليس من الحكمة الاعتماد على الرئيس الأميركي للعب الدور القيادي اللازم دولياً. ومن المؤكد أن مجموعة العشرين، وليس مجموعة السبع فقط، ستحتاج إلى تنسيق الاستجابة.
هناك ضرورة لقيادة حملة هائلة للعثور على لقاح، ليس فقط لبلد واحد أو للقلة الغنية، ولكن لتوزيعه على أوسع نطاق ممكن. حينها يمكن تخفيف القيود المفروضة على السفر تدريجاً، والتي قد تلحق قدراً كبيراً من الضرر بالاقتصاد العالمي إذا بقيت موضع تطبيق لفترة طويلة.
ينبغي إدراك الحقيقة المهمة أنّ التصدي لأزمة بهذا الحجم ممكن فقط من خلال تكاتف المجتمع الدولي، لا عبر القومية الضيّقة قصيرة النظر.
© The Independent