وسط حالة الاضطراب غير المسبوقة في الولايات المتحدة وانهيار سوق الأوراق المالية وتوقف مظاهر الحياة في بعض المناطق الموبوءة بسبب انتشار فيروس كورونا، يعتقد آلاف الأميركيين أنّ الرئيس دونالد ترمب سيسعى إلى استغلال صلاحياته الواسعة التي زادت بإعلان حالة الطوارئ الوطنية، ويلغي الانتخابات العامة المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل أو على الأقل يؤجلها، ليمدد بذلك فترة رئاسته. فهل يستطيع ترمب أن يفعل ذلك، بخاصة إذا تعزّزت مخاوفه وتأكد أن حظوظه في الفوز بفترة رئاسية ثانية أصبحت في وضع خطير بسبب الركود الاقتصادي الذي قد يرافق أزمة كورونا لفترات أخرى مقبلة؟
قلق يتفاعل
حالة القلق من استغلال الرئيس الأميركي التوترات الناجمة عن فيروس كورونا لصالحه، لم تقتصر على المواطنين العاديين، بل امتدت لتشمل محلّلين وسياسيين كثر. فقبل أيام، تساءل خوان ويليامز، المحلل السياسي في شبكة "فوكس نيوز"، قائلاً "هل يعتقد أي شخص حقاً أن الرئيس ترمب سيتردد في استخدام فيروس كورونا لتأجيل الانتخابات؟". وفي اليوم ذاته، دعا الكاتب كيرت إيشنوالد من صحيفة "نيويورك تايمز"، السيناتور بيرني ساندرز إلى الخروج من السباق الانتخابي للحزب الديمقراطي حتى تتمكن الولايات المتبقية من إلغاء الانتخابات التمهيدية، مشيراً إلى أن ترمب سيستخدم إلغاء بعض الولايات انتخاباتها التمهيدية كي يلغي الانتخابات العامة في نوفمبر المقبل.
موقع "باز فييد" المحافظ المؤيد عادةً لترمب، اعتبر أن الحديث عن هذه الاحتمالية ليس نابعاً من جنون العظمة لدى الرئيس، ذلك أن الوباء تسبّب بالفعل في تأجيل الانتخابات التمهيدية في ولايات لويزيانا وجورجيا وكونيتيكت وكنتاكي وأوهايو، كما ألغى الحملات الانتخابية للرئيس ترمب والمرشحين الديمقراطيين وتصاعدت آراء تطالب بإلغاء مؤتمرات الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، المقررة الصيف المقبل لاختيار المرشحين لخوض الانتخابات.
ووجدت هذه التوقعات أصواتاً إضافية من سيناتور ولاية أوهايو شيرود براون، الذي عبّر عن قلقه من أن يستغلّ ترمب قرار ولاية أوهايو تأجيل الانتخابات التمهيدية كمبرر ليفعل الأمر ذاته في الانتخابات العامة بأن يطلب تأجيلها.
موقف الرئيس
حتى الآن، لم يقترح ترمب علناً أي تعديلات أو تأجيلات بشأن انتخابات نوفمبر بسبب أزمة فيروس كورونا، بل اقترح أن تواصل ولاية أوهايو عمليات الاقتراع، لكنه أيضاً ألمح إلى أنه يؤيد قرار حاكم الولاية تأجيل الانتخابات التمهيدية فيها، ما أثار مخاوف كثيرين من نوايا الرئيس الحقيقية خلال الفترة المقبلة، بخاصة مع مواقفه السابقة التي يقول معارضوه إنها تستخف بالمعايير الديمقراطية وتزدري الدستور، فضلاً عن غرائزه السياسية الراغبة في البقاء بالحكم لأطول فترة ممكنة، حسبما نوّهت إعلانات دعائية نشرها بنفسه على "تويتر" أكثر من مرة. وبينما كان ترمب يمزح عندما قال إن تأجيل الانتخابات لا يمثل مشكلة، إلاّ أنّه كان في السابق يمزح أيضاً بشأن إمكانية تجاوز حد الفترتين الرئاسيتين المنصوص عليها في التعديل 22 من الدستور.
أكثر من ذلك، أعاد ترمب تغريدة للمحامي الأميركي جيري فالويل المؤيد له، اقترح فيها منح الرئيس سنتين إضافيتين في الحكم تعويضاً له عمّا وصفه بالوقت الضائع في تحقيقات المحقق الخاص روبرت مولر حول التدخل الروسي فى الانتخابات الرئاسية عام 2016، ما يعكس رغبة الرئيس في التمسك بالسلطة.
ويخشى ناشطون في الحزب الديمقراطي من أن يؤدي انتشار الفيروس وتصاعد أعداد الوفيات إلى تأجيلات جديدة في ولايات نيويورك وديلاور وبنسلفانيا ورود آيلاند المقررة في 28 أبريل (نيسان) المقبل، ما قد يعزز المطالب الداعية إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر.
After the best week ever for @realDonaldTrump - no obstruction, no collusion, NYT admits @BarackObama did spy on his campaign, & the economy is soaring. I now support reparations-Trump should have 2 yrs added to his 1st term as pay back for time stolen by this corrupt failed coup
— Jerry Falwell (@JerryFalwellJr) May 5, 2019
تجربة لينكولن
وعلى الرغم من حالة القلق إزاء احتمال تأجيل الانتخابات، فإنّ التجارب التاريخية السابقة تقدم مؤشرات قوية إلى عدم وجود سابقة مماثلة في التاريخ الأميركي يمكن الاقتداء بها أو الاستناد إليها. ففي عام 1864 عندما ساد الظلام وانقسمت الولايات المتحدة إلى معسكرين متحاربين، ولايات الشمال الرافضة للعبودية وولايات الجنوب المتمسكة بها، ارتفع عدد قتلى الحرب الأهلية الأميركية حتى وصل إلى 750 ألف قتيل. وفي عز أتون الحرب، كان المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة جورج ماكليلان يشكّل تهديداً قوياً لفوز الرئيس الجمهوري أبراهام لينكولن بدورة رئاسية ثانية، إذ تعهد بعقد مفاوضات سريعة مع ولايات الجنوب لإنهاء الحرب، في حين كانت هزيمة الأخير لتعني انقسام الأمة الأميركية إلى شطرين واحتفاظ ولايات الجنوب بحق استمرارها في ممارسات العبودية.
ولأن مصير الحرب ومستقبل الجمهورية الأميركية كان معلقاً من دون حسم، أصرّ لينكولن على أن تمضي الانتخابات الرئاسية قدماً، على الرغم من أنه كان يعلم حجم الخطر الذي يواجهه، فكتب في مذكراته الخاصة أنه من المحتمل جداً ألاّ يُعاد انتخابه، لكنه سيقبل بما يحكم به الناخبون وأنه سيسلّم السلطة إلى منافسه إذا فاز في الانتخابات.
ويقول المؤرخون إن لينكولن كان يمارس سلطاته قائداً عاماً لأمة تواجه تمرداً مسلحاً طويل المدى، لكنه لم يكن راغباً في التضحية بالديمقراطية، واختار بقرار منفرد أن يُخضِع طموحاته وأولوياته جميعاً للإطار الدستوري الأميركي، الأمر الذي يراه بعض الكتاب والمفكرين في الولايات المتحدة نموذجاً يُحتذى في وقت يهدّد فيروس كورونا مستقبل الانتخابات الأميركية.
دروس التاريخ
وإضافةً إلى إصرار لينكولن على عقد الانتخابات وسط ظلام وبارود الحرب الأهلية الأميركية، يشير المؤرخون إلى نماذج أخرى عدّة لم يكسر فيها أي رئيس قاعدة إجراء الانتخابات في موعدها، إذ أُعيد انتخاب الرئيس جيمس ماديسون وسط غمار الحرب الأميركية – البريطانية عام 1812، كما نُظمت انتخابات التجديد النصفي للكونغرس عام 1814 بعد أشهر من غزو القوات البريطانية لمدينة واشنطن وحرق مبنى الكونغرس. وشهد عام 1918 استمرار عمليات الاقتراع في الانتخابات الرئاسية على الرغم من انتشار وباء الإنفلونزا الإسبانية الذي أودى بحياة مئات آلاف الأميركيين. ولم يعرقل الركود الاقتصادي الكبير إجراء الانتخابات الرئاسية عام 1932، كما أُعيد انتخاب الرئيس فرانكلين روزفلت خلال الحرب العالمية الثانية عام 1944، حتى إنّ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية لم تؤجل انتخابات عمدة نيويورك سوى لأسابيع معدودة.
نموذج كولورادو
لهذا، يقول معارضو تأجيل الانتخابات إنّ هناك متسعاً من الوقت والخبرات الانتخابية في الولايات المختلفة، بما يجعل انتخابات نوفمبر آمنة ومضمونة، بعيداً من أي تأثيرات محتملة من تداعيات فيروس كورونا. على سبيل المثال، تُعدُّ ولاية كولورادو مثالاً حياً على إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها بكفاءة وانتظام من دون خوف من العدوى، إذ اتّبعت الولاية نموذج "التصويت في المنزل" من خلال إرسال المسؤولين المحليين أوراق الاقتراع إلى منازل الناخبين المسجلين في الولاية قبل وقت كافٍ من موعد الانتخابات. وبهذه الطريقة، يتمكن الناخبون من إعادة أوراق الاقتراع عبر البريد أو من خلال تسليمها إلى مراكز انتخابية.
وإضافةً إلى كولورادو، هناك ولايات أخرى تجري فيها عملية الاقتراع بطرق مشابهة مثل ولايات أوريغون وواشنطن وهاواي.
انتخابات بالبريد
وبهدف تعميم تجربة كولورادو، يُنتظر أن تقدم السيناتور أيمي كلوبتشار والسناتور رون ويدن، مشروع قانون خلال أيام لجعل الاقتراع بالبريد متاحاً لكل ناخب أميركي، ممّا سيوفر أجواءً مناسبة لعقد الانتخابات العامة المقبلة، بعيداً من تداعيات فيروس كورونا ومن دون أن يؤثر الفيروس في حجم إقبال الناخبين.
سلطة تأجيل الانتخابات
يتفق أساتذة القانون من الجمهوريين والديمقراطيين على نطاق واسع على أن الرئيس الأميركي لا يملك سلطة تأجيل أي انتخابات فيدرالية بما فيها الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في 3 نوفمبر المقبل حتى مع إعلان حالة الطوارئ الوطنية على مستوى الولايات المتحدة أو في حالة إعلان الكوارث أو حتى إذا أعلن الأحكام العرفية في البلاد.
ويقول هانز فون سباكوفيسكي، الخبير في قوانين الانتخابات في مؤسسة هيريتاج المحافظة، إن "الرئيس لا يملك صلاحية تغيير موعد الانتخابات، إذ إنّ الكونغرس وحده هو الذي يستطيع تحديد توقيت ومكان وشكل الانتخابات وفقاً للدستور الذي أقرّه الآباء المؤسسون للولايات المتحدة".
ويشير جوش دوغلاس، أستاذ قانون الانتخابات في كلية الحقوق بجامعة كنتاكي، إلى أن "الكونغرس مرّر عام 1845 قانوناً يحدد تاريخ الانتخابات وهو يوم الثلاثاء التالي لأول يوم اثنين من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، ومنذ ذلك الحين لم يغير هذا الموعد أبداً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعقيدات كثيرة
وحتى إذا طلب الرئيس ترمب من الكونغرس تغيير موعد الانتخابات – وهو أمر يصعب أن يسمح به مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون – فسيتعين على الكونغرس تعديل القانون حتى يمكن تحديد سقف زمني لاختيار المندوبين الذين تختارهم الولايات للتصويت في المجمع الانتخابي (الكلية الانتخابية) الذي ينتخب الرئيس يوم 14 ديسمبر (كانون الأول) عقب إجراء الانتخابات العامة في نوفمبر، إذ إنّ الأميركيين لا ينتخبون الرئيس مباشرة وإنّما عبر هؤلاء المندوبين.
وإذا تمكن الكونغرس من إحداث كل هذه التعديلات القانونية، فإنّ المشرعين لا يستطيعون تأجيل موعد الانتخابات لأكثر من شهرين من دون تعديل الدستور الذي ينصّ على أن ولاية الرئيس تنتهي بعد أربع سنوات.
ويوضح جون كونكلين، مدير المعلومات في مجلس الانتخابات بولاية نيويورك، أن "الرئيس لا يستطيع الاحتفاظ بمنصبه إذا لم يختر المندوبون الممثلون للولايات الرئيس المنتخب في 14 ديسمبر. كما أشار تقرير صادر عن مركز خدمات الأبحاث التابع للكونغرس عام 2004 إلى أن التعديل العشرين من الدستور ينص على إنهاء فترة ولاية الرئيس ظهر يوم 20 يناير (كانون الثاني) التالي لانتخابات نوفمبر، كما يؤكد على أن الكونغرس لا يستطيع تأجيل الانتخابات بشكل غير محدد".
تعديل الدستور
أما تمديد ولاية الرئيس من خلال إجراء تعديل الدستور الأميركي، فيتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب مع ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، أو من خلال عقد مؤتمر دستوري يوافق خلاله ثلثَيْ المشرعين في الولايات الأميركية المختلفة على التعديلات المقترحة في الدستور وهو أمر عسير للغاية.
وتقول مجلة "بيزنيس إنسايدر"، إنه "حتى مع السيناريوهات بعيدة الاحتمال بأن الانتخابات الرئاسية لن تُعقد في موعدها بسبب انتشار فيروس كورونا، فإنّ ذلك لا يوفر تمديداً أوتوماتيكياً للرئيس ترمب ونائبه مايك بنس، وهذا يعني أنّ سلطة الرئيس تنتقل في هذه الحالة وحسب الدستور إلى رئيس مجلس النواب (إذا جرت انتخابات مجلس النواب)، وإذا لم تُجرَ، تنتقل سلطات الرئيس حسب الدستور إلى الرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ، الذي يرأس المجلس حال غياب نائب الرئيس، وفي الوقت الراهن، فإنّ السيناتور الجمهوري تشارلز غريزلي هو مَن يشغل هذا المنصب المهم.