لا تزال تداعيات فيروس كورونا الذي بدأ يجتاح القارة الأفريقية من مدخل شمالها وشمالها الشرقي في كل من مصر والجزائر والسودان، وإثر اعلان وزير الصحة السوداني ثبوت حالة وفاة واحدة، وتطبيق الحجر الصحي على أكثر من 375 شخصاً قابل للزيادة والنقصان من القادمين من مصر، ازدادت حالة التوجس والخوف وسط المواطنين.
ومع ضعف مقومات واستعدادات القطاع الصحي وشح الكمامات واحتياجات ومعدات الوقاية بالصيدليات، لجأ معظم السودانيين إلى عيادات وشركات ومحال التداوي بالأعشاب. وبدأ العشابون المنتشرون في الأسواق والطرقات الشعبية يروجون لبضائعهم بمكبرات الصوت واللافتات الورقية. وعزا العديد من المواطنين ممن التقتهم "اندبندنت عربية" التزايد الكبير في الإقبال على الاعشاب لسبب الذعر والخوف إلى جانب انتشار الفقر، وارتفاع تكلفة الأدوية والمعقمات بل انعدامها في الصيدليات. ويعتقد كثيرون في فعالية اللجوء إلى الأعشاب، استناداً إلى تجارب آخرين معها وانتفاعهم بها، إلى جانب نصائح العشابين والطبيعة التقليدية للمجتمع السوداني.
الصمغ والقرض
لا يكاد يخلو أي منزل سوداني هذه الأيام، من استخدام عشبة القرض والثوم والبصل الأبيض والصمغ العربي والكركدي والحلبة وعسل النحل والكمون. وبات معظم كبار السن مواظبين على تناول جرعات من فصوص الثوم وحبات الكمون واليانسون مرتين أو أكثر يومياً صباحاً ومساءً مع ملعقة من العسل. وتحرص ربات البيوت على تبخير المنازل بحرق عشبة القرض واستخدامها كمطهر ومعقم، وهي ثمرة لشجرة السنط تنبت في مناطق شبه صحراوية في أواسط السودان وجنوب غربه، ويعتقد أنها تكافح التهابات الجهاز التنفسي عبر مصها واستحلابها بالفم واستخدامها كبخور يستنشق مرات عدة في اليوم، وتنقع في الماء ويستخدم محلولها كمعقم طبيعي لليدين والجسم عموماً.
وإلى جانب القرض، ثمة العديد من الأعشاب والأطعمة التي يعتقد أنها تعمل على تعزيز الجهاز المناعي وتقويته كالثوم والبصل الطازج غير المطبوخ مخلوطاً بعسل النحل، وخلطة الثوم بالكمون، كذلك يجد اليانسون والصمغ العربي المنتج من شجرة الهشاب السودانية رواجاً كبيراً كمقويات للمناعة.
الهلع والأسعار
وحول انتشار هذه الظاهرة وتوسع الإقبال على الأعشاب بعد وصول كورونا إلى السودان، يقول خبير الأعشاب صديق هباني لـ "اندبندنت عربية"، "أن ما يحصل متوقع في ظل شح المقومات الصحية وانعدام الطلبات الصحية من مطهرات ومقويات، مع تفاقم التضخم وتآكل الدخول وارتفاع نسبة الفقر ما جعل الناس يتجهون إلى الأعشاب لفعاليتها بالتجربة وأسعارها المعقولة كخط دفاع لمواجهة خطر الكورونا".
في المقابل، يوضح أن زيادة الإقبال على القرض والصمغ العربي أدى إلى ارتفاع نسبي في أسعارها.
ويرى صديق أن الصمغ العربي المنتج من شجرة الهشاب والطلح إلى جانب صمغ لبان الكندر، يمثل وقاية وعلاج في الوقت ذاته، لكل أمراض الصدر والجهاز التنفسي وهي قليلة المخاطر، لخلوها من أي مواد كيماوية، فهي طبيعية تماماً وتحتوي على الألياف والزنك والبوتاسيوم والصوديوم، وأفضل من كل الحمضيات في تقوية المناعة وطرد السموم من الجسم وتطهّر الحلق والصدر وبذلك تمثل جانبي الوقاية والعلاج معاً.
ويضيف أن الصمغ العربي السوداني مصرح باستخدامه من منظمة الصحة العالمية بمقدار خمس معالق كبيرة يومياً، موضحاً أن عشبة القرض تعمل كمضاد للالتهابات لاحتوائها على مواد تكافح البكتيريا والفيروسات الضارة وتساعد على طرد البلغم وتحسين أداء الجهاز التنفسي وتعالج التهاب القصبة الهوائية، كما تستخدم كعلاج داء السل وتصلب الطحال والكبد.
الوصفة السرية
من جانبه، يزعم أحد أقدم العشابين في السودان علي ميرغني أحمد، وهو صاحب أكاديمية أم درمان للعطارة والأعشاب بسوق أم درمان العتيق، أنه اكتشف علاجاً فعالاً لمرض الكورونا، وقال لوسائل إعلام محلية أن العلاج يتكون من عدة أعشاب، والرئيسية فيه تأتي من دولة أفريقية ومن شجرة تسمى "شجرة مريم"، تخلط مع عدد من الأعشاب الأخرى وتستعمل كشراب صباح ومساء ويتم الشفاء خلال يوم واحد. إلا أنه رفض الإفصاح عن مكونات الوصفة حفاظاً على سر المهنة، موضحاً أن خير دليل للعلاج هو البرهان والتجربة. من جهة ثانية، يقول عبد القادر التوم إبراهيم لـ "اندبندنت عربية"، إنه يعمل في هذا المجال منذ 21 سنة، وإن الإقبال على الأعشاب ظل متواصلاً لكنه تزايد بصورة لافتة بعد ظهور فيروس كورونا وإعلان دخوله السودان، موضحاً أن الطب البديل والتداوي بالأعشاب يمتلك حلولاً جيدة في مواجهة كورونا، وزعم أن لديه وصفة جاهزة لمكافحته قوامها مخلوط عشبة القرض والليمون والكمون، مضافاً إليها عشبة الكينيا التي تستورد من جنوب أفريقيا، موضحاً أن هذه الوصفة تخفض حرارة الجسم وترفع مناعته بصورة سريعة مما يكسبه القدرة على مقاومة الفيروس.
أفريقيا والطبيعة
يرى الدكتور حسام الدرديري أن الناس قد أعادوا اكتشاف الأعشاب بسبب فيروس كرورنا، حيث بدأوا بالعودة إلى الطبيعة التي تمثل الأساس حتى للفيتامينات وكل مقويات مناعة جسم الإنسان التي تمثل خط الدفاع الرئيسي، بينما تمثل المطهرات والمعقمات إجراءات تحوطية واحترازية لا غير.
وأوضح أن التهافت على مواد طبيعية كالصمغ والقرض والثوم والكمون، لأنها تعتبر الأفضل في تقوية مناعة الإنسان وتعزيزها.
وساق مثالاً بعدم تضرر الدول الأفريقية من فيروس كورونا بشكل كبير على الرغم من فقرها ومشكلاتها البيئية لأن مواطنيها ما زالوا يعتمدون على الطبيعة وثمارها الطازجة في غذائهم مما جعل مناعتهم تقلل الأعراض وجعلتهم عموماً الأقل تضرراً من الفيروس. وأوضح أنه حتى فى السودان فإن الأرياف ما زالت هي الأقل ضرراً من المدن والحواضر للأسباب ذاتها.
ثروة عشبية
في المقابل، أوضح عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد العام للطب العشبي بالسودان عبد الحكيم عابدين عبد الفتاح أن التجربة العشبية في التداوي بمنتجات الغابات العشبية أثبتت فعاليتها وأهميتها.
وقال بحسب تجربته الطويلة في هذا المجال، إن الغابات السودانية تعتبر منجماً للدواء، مشيراً إلى عدد من الأعشاب تستخدم في كثير من حالات التدواي، منها الكركد وهي ثمرة تشبه الليمون ذات خصائص علاجية متعددة، وثمرة الصهب الذي يدخل في علاج الغدة الدرقية إلى جانب اللوز والجوغان، وهي شجرة تؤكل ثمرتها ويعالج بها أمراض الباطن و"نبق الفيل" التي تعالج الضغط ، مشيراً إلى اللالوب وحب القرع لعلاج الديدان والبروستات أيضاً والبقييل والتي تسمى عشبة بني علي، لعلاج حالات الإلتهاب عند النساء والترتوس والكرمدودا لعلاج الضغط والسكري.
تحذير المستهلك
في سياق متصل، حذرت الجمعية السودانية لحماية المستهلك من وجود أعشاب مغشوشة تباع بالأسواق من جانب بعض ضعاف النفوس الذين يستغلون الكوارث والأزمات، وفي مثل هذه الظروف التى يسيطر فيها الخوف والقلق على المواطنين ويتشبثون بأي بارقة أمل فى الحماية من فيروس كورونا.
من جانبها، طالبت الناشطة في تنظيم مهنة الطب البديل هدى محمد النعيم بضرورة إخضاع العاملين في مجال الأعشاب لدورات تدريبية وتثقيفية منتظمة حماية للمواطن البسيط، مشيرة إلى أن التداوي بالأعشاب ليس جديداً على السودانيين أو الدول العربية.
الف عشّاب
ووفق إحصاءات وزارة الصحة السودانية فإن أكثر من ألف عشاب يمارسون هذه "المهنة" يضمهم "اتحاد عشابي السودان"، الذي يسعى إلى وضع عدد من الضوابط المشددة لممارسة المهنة، كما أن أكثر من 39 في المئة من السودانيين باتوا يلجأون إلى العشابين والتداوي بالأعشاب.