أكّدت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، في تقرير نشرته، الجمعة الأول من مارس (آذار)، أنّ "مادة كيماوية سامة" تحتوي على غاز الكلور استُخدمت في هجوم على مدينة دوما السورية في أبريل (نيسان) 2018.
المعلومات التي جمعتها المنظمة، شكّلت "أسساً معقولة للقول إنّ مادةً كيماويةً سامةً استُخدمت سلاحاً في السابع من أبريل 2018"، خلال الهجوم على دوما في الغوطة الشرقية قرب دمشق، وفق ما جاء في تقريرها النهائي بشأن هذا الهجوم. أضاف التقرير "هذه المادّة الكيماوية كان تحوي غاز الكلور".
علماً أنّ استخدام الكلور سلاحاً هو محظورٌ بموجب معاهدة الأسلحة الكيماوية التي وافقت عليها سوريا عام 2013، كما أنّه محظور بموجب القانون الإنساني الدولي العرفي.
استخدام الكلور من دون غازات أعصاب أخرى
بعد توثيق منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، خلال الحرب السورية، استخداماً منهجياً لغاز الأعصاب، والسارين، والكلور، أعلنت في التقرير عدم عثورها على أدلة تؤكّد استخدام غازات أعصاب سبق أن استخدمها أطراف في النزاع السوري.
في التفاصيل، ذكر التقرير أنّه عُثر في مكان الحادث على "مستوعبين صناعيين مطليّين باللون الأصفر، يُستخدمان عادةً لتخزين الغاز المضغوط"، وأنّ أحدهما سقط على سقف منزل في مجمّع سكني واخترقه. ورجّحت المنظّمة أن يكون هذان المستوعبان "مصدر العناصر التي تحتوي على غاز الكلور".
وكان فريق مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية جمع أكثر من 100 عينة، من سبعة مواقع في دوما، عندما دخل المدينة بعد بضعة أسابيع من وقوع الهجوم. وقابل المفتشون عدداً من الشهود وأجروا سلسلة اختبارات كيماوية وبالستية، وفق ما أوضحت المنظمة.
ونقل شهود إلى المفتشين أنّ "43 شخصاً قتلوا نتيجة الهجوم الكيماوي"، وأنّه من المفترض أن يكون غالبية هؤلاء "ظهروا في شرائط فيديو وصور ممدّدين أرضاً في طبقات عدّة من بناء سكني وأمامه". وتؤكّد هذه الإفادات ما ورد في تقرير غير نهائي نُشر في يوليو (تموز) الماضي، عن أنّ الهجوم أوقع حوالي أربعين قتيلاً، وذلك استناداً إلى شهادات قدّمها أطباء.
المعارضة السورية "بريئة" من التهمة
في حكم براءة للمعارضة السورية، دحضت المنظمة رواية النظام السوري الذي نفى مسؤوليته عن الهجوم، وقال إنّ مصدر هذا الغاز السام هو منشأة للأسلحة الكيماوية ومخزن تابعان للفصائل المقاتلة في المعارضة السورية، في المنطقة التي سمح للمفتشين بزيارتها. وقالت في التقرير "بعد تحليل المعلومات التي جمعت خلال زيارة المخزن والأمكنة التي يشتبه بأن تكون مخصّصة لصنع أسلحة كيماوية، لم تظهر أي إشارات تسمح بالقول إنّ لها علاقة بصنع الغاز السام".
وكانت دوما، في الوقت الذي وقع فيه الهجوم، خاضعة لسيطرة جماعات من المعارضة السورية المسلّحة ومحاصرة من قوات موالية للحكومة السورية. وحمّلت الدول الغربية حينذاك، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، النظام السوري مسؤولية الهجوم الكيماوي في دوما، وشنّت ضربات جوية استهدفت منشآت عسكرية سورية رداً على ذلك.
روسيا: التقرير "مفبرك"
بخطوة غير مفاجئة، رفضت روسيا، التي تدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، واصفةً إيّاه بالـ "مفبرك" من قبل مسعفين سوريين متطوعين في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، يعرفون باسم "الخوذ البيضاء".
وقالت السفارة الروسية في لاهاي في تغريدة "على الرغم من الأدلة التي قدّمتها روسيا وسوريا وحتى صحافيون بريطانيون، تؤكّد أنّ حادثة دوما ليست سوى عملية استفزاز من إعداد "الخوذ البيضاء"، فإنّ السكريتارية التقنية لدول منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أعلنت في تقريرها اليوم أن غاز الكلور استخدم في دوما على أنّه سلاح الكيماوي".
الدول الغربية تدعو لمحاسبة مرتكبي الهجوم
بعدما قطعت الحكومة السورية وعداً في العام 2013 بتدمير كل سلاحها الكيماوي، والذي أدّى إلى مقتل 1400 شخص في منطقة الغوطة بالقرب من دمشق، في هجوم بغاز "سارين" وفق الأمم المتحدة، طالب وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت سوريا بالوفاء بوعدها. وغرّد على تويتر قائلاً "يجب على نظام الأسد أن يوقف برنامجه للأسلحة الكيماوية ويعلنه ويدمّره. نحن نبقى ملتزمين السعي إلى تحقيق العدالة للضحايا".
من جهته، طالب نظيره الفرنسي جان إيف لو دريان بوقف النظام السوري استخدام الأسلحة الكيماوية، وبمعاقبة مرتكبي هذه الأفعال. ودعا المجتمع الدولي إلى "التعاون الكامل" مع الآليات التي وضعتها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية "من أجل تحديد هوية مرتكبي هذه الهجمات".
في هذا السياق، لا يتّهم التقرير أي طرف بالمسؤولية عن الهجوم، إذ إنّ هذا الأمر لم يكن من صلاحيات منظمة حظر الأسلحة الكيماوية حين أجرى فريقها التحقيق في الهجوم على دوما. إلاّ أنّ المنظمة أعطيت لاحقاً في يونيو (حزيران) صلاحيات تتيح لها تحديد المسؤول عن الهجمات الكيماوية التي وقعت في سوريا منذ العام 2014.
من ناحية أخرى، تحقّق منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أيضاً في هجوم مزعوم بالغاز وقع في نوفمبر (تشرين الثاني) في حلب، كانت تقارير ذكرت أنّه تسبّب في إصابة نحو 100 شخص. واتهمت الحكومة السورية وحليفتها روسيا المعارضة المسلحة بشنّ الهجوم.