كل ثلاث زيجات في موريتانيا، تؤول إحداها إلى الفشل، ونسبة الطلاق في موريتانيا تبلغ 31 في المئة، ويحصل الانفصال في 60 في المئة منها في السنوات الخمس الأولى من الزواج، هذا ما يكشفه آخر تقرير رسمي صادر عن الحكومة الموريتانية، ما ينذر باختلالات بنيوية مجتمعية خطيرة. في هذا الصدد تأتي إحصاءات "المركز الديمغرافي والصحي بموريتانيا"، التي تؤكد أن نسبة الطلاق في البلاد وصلت في العام 2012 إلى حوالي 50 في المئة، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بما كان عليه الحال في العام 1997، إذ لم تكن تتعدى 16 في المئة.
وتشير إحصاءات حديثة أعلنتها "رابطة النساء معيلات الأسر"، وهي منظمة موريتانية غير حكومية، إلى تفاصيل أكثر بشأن واقع الطلاق في موريتانيا. وتقول رئيسة الرابطة آمنة بنت المختار إن "المعلومات الموثّقة لديها تؤكد أن نسبة الطلاق تفوق الـ 50 في المئة في الأرياف والمدن الداخلية، بينما تناهز في العاصمة نواكشوط الـ 53 في المئة".
ما الأسباب؟
وفق الباحثين والخبراء الاجتماعيين، فإن أسباباً عديدة وراء تفاقم هذه الظاهرة على نحو مخيف، يختلط فيها الاقتصادي بالاجتماعي. وترى مريم بنت أحمد عيشة، الوزيرة السابقة لشؤون المرأة، أن من أبرز أسباب انتشار ظاهرة الطلاق، فضلاً عن الجهل والعوز، تباين العادات والتقاليد بين مناطق البلاد المترامية الأطراف، إضافة إلى الدور الذي يلعبه تعدّد الفوارق المادية والاجتماعية والطبقية بين الزوجين، ناهيك، عن التباين في العمر والمستوى الدراسي في أحيان كثيرة.
من جهة أخرى، تقول زينب محمد، تاجرة في سوق العاصمة نواكشوط، إن المرأة وحدها المسؤولة عن انتشار ظاهرة الطلاق، فهي التي تحمّل الزوج أعباءً تفوق طاقته، نتيجة مطالبها المادية المجحفة، في معظم الأحيان، التي تعدّ الأعياد والمناسبات الاجتماعية من أهم مواسمها. بينما تلقي الناشطة الحقوقية خديجة لحريطاني باللائمة على الرجل الموريتاني، خصوصاً أنه يملك حلّ العصمة. وتعزو لحريطاني تفاقم الظاهرة إلى تهرّب الرجل من مسؤولياته المادية والأخلاقية تجاه أولاده، بطلاق زوجته والبحث عن زوجة ثانية وثالثة.
تضيف خديجة "جاءت إلينا في رابطة النساء معيلات الأسر سيدة لديها 10 أولاد، طلّقها زوجها الذي لا يملك ما يمكنه من الإنفاق على أولاده، وعلى الرغم من ذلك، تزوّج بعدها بسيدة أخرى، فأنجبت له طفلاً، ثم طلقها، وتزوج ثالثة (تنتظر مولوداً هذه الأيام). إنه الواقع المخيف الذي يشي بتفشي الظاهرة في المجتمع للأسف".
ويرى أحمد عبد الله، الناشط الاجتماعي، أن المسؤول الأول عن هذه الظاهرة هو دلال الفتاة الموريتانية داخل بيت أهلها، وشعورها بالحماية وتوافر البديل، ما يجعلها تلجأ إلى الطلاق لأتفه الأسباب. أما فاطمة أحمد، وهي مطلقة، وعاشت أربع تجارب أسرية فاشلة، فتعزو سبب التفكك الأسري إلى "التدخل السافر من طرف الأهل في أمور الزوجين، وهو طرح تعضده المعطيات الإحصائية التي تقول إن حوالي 27 في المئة من حالات الطلاق تعود إلى مشاكل لها علاقة بأهل الزوج أو الزوجة".
سلطان العادات
استشراء ظاهرة الزواج المبكر، تحت راية سلطان العادات وهيمنة الأهل والعشيرة، يعدّ من الأسباب الجوهرية في ارتفاع معدلات الطلاق. وفي معرض تشخيصه ظاهرة الطلاق، يرى الباحث الاجتماعي سيدي ولد بيادة أن "موريتانيا تختلف عن محيطها العربي والأفريقي، في التعاطي الفوضويّ مع الظاهرة، ما يجعلها عصية على الضبط من الناحية القانونية، ناهيك عن تقبل المجتمع لها إلى حد ما، وهذا ما تجسده حظوظ المطلقات في تكرار الزيجات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذه الخصوصية، يضيف ولد بيادة، مردّها تفرد المجتمع الموريتاني (على الأقل في مكونه العربي) اجتماعياً وثقافياً، وهو تفرد يرجعه إلى "تميز المجتمع الصحراوي في عاداته وتقاليده، التي تُعلي من شأن المرأة، فالحضانة للأم، والنفقة على الخال كما يقول الموروث الشعبي".
وخلافاً لما عليه الحال في دول الجوار المغربي والأفريقي، فالطلاق في موريتانيا لا يشكل ضرراً كبيراً على مستقبل المرأة، ففرصها في الزواج قد تكون أوفر، بل إن هناك من يعتبر المطلقة مرغوبة أكثر من غيرها نظراً لما تتمتع به من خبرة وتجربة. وتشير الإحصاءات إلى أن 74 في المئة من النساء اللواتي طلقن بعد الزواج الأول، تزوجنَ من جديد. كما أن نسبة 25 في المئة من النساء، تزوجن مرتين على الأقل، وسبعة في المئة تزوجن ثلاث مرات وأكثر.
من يدفع الثمن؟
الأطفال وحدهم من يدفع ثمن التفكك الأسري، بتأثيره سلباً في حاضرهم ومستقبلهم. ويرى الباحثون في الشأن الاجتماعي أن التفكك الأسري يؤثر في التوازن النفسي للأطفال، وينعكس سلباً على مستوى التربية والتعليم، ومعظم المتعثرين دراسياً ينحدرون من أسر مفكّكة. وتقول الإحصاءات إن "حوالي 96 في المئة من الأطفال دون سن الـ 15 يعيشون مع أمهاتهم بعد الطلاق، وتتقلص النسبة إلى أقل من 85 في المئة بعد تجاوز سن الـ15".
ماذا عن العلاج؟
لمعالجة ظاهرة الطلاق، والحد من تداعياتها المختلفة، تقول بنت أحمد عيشة، التي تشرف على إعداد أول إستراتيجية موريتانية لترقية المرأة، إن "حل الظاهرة لن يكون إلا بالتوعية والتثقيف وتغيير العقليات". أما لحريطاني فترى أن علاج أبغض الحلال يمرّ عبر سَنِّ ترسانة قانونية رادعة تضمن للمرأة حقوقها كاملة، بما في ذلك، فرض دفع المؤخر على أي رجل يتجاسر على الطلاق.
وراهن الكثيرون في السابق على الإسهام الفاعل لـ "مدونة الأحوال الشخصية" في الحد من ظاهرة الطلاق، فالنصوص القانونية المنظمة للشأن الأسري، سُنت قبل 15 سنة، وتطبق لدى المحاكم، وفق ما أكد سيدي ولد بيادة، الناطق باسم وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة الموريتانية.
لكن هذه القوانين لا تزال تعاني من صعوبات التطبيق، وفق ولد بيادة، فضلاً عن عدم وجود قضاء متخصص في قضايا الأسرة، كما في بعض الدول. وترى بنت أحمد عيشة أن "مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية" تحتاج إلى "غربلة ومراجعة وتمحيص، فهي لا تفي بالمطلوب، وإن شكلت بوصلة ومرجعية تضبط إلى حد ما بعض النصوص القانونية في حال اللجوء إلى المحاكم".
النساء معيلات الأسر
تنشط جمعيات حقوقية وخيرية عدة في موريتانيا من أجل الحد من ظاهرة الطلاق والتخفيف من وطأتها القاسية على الفرد والمجتمع. ومن أبرز هذه الجمعيات "رابطة النساء معيلات الأسر" التي تعد رئيستها آمنة بنت المختار من أبرز الناشطات الحقوقيات في البلد، وتهتم الجمعية بمؤازرة المطلقات من أجل مساعدتهنّ على نيل حقوقهنّ كاملة، وفي صدارتها نفقة الأولاد في أكثر الحالات.
فالطلاق في موريتانيا لا يكون أمام هيئة قانونية، وبالتالي يبدو الزوج كأنه غير ملزم بالنفقة، مع أن القانون ينصّ عليها في شكل واضح. وتشمل هذه النفقة، وفق المشرّع، السكن والمعاش والكسوة والدواء والتعليم. وتقدم الرابطة الدعم القانوني وتوعية المطلقات حول حقوقهنّ، وتساعدهنّ في اكتساب بعض المهارات من طريق التكوين المهني، وتقدم لبعضهنّ قروضاً صغيرة، إلى جانب الإسهام في توفير التعليم لضحايا التفكك الأسري.