وصل وباء فيروس كورونا المستجد إلى منعطف حرج ليصبح جائحة دولية تهدد حياة الملايين من البشر، ليبلغ عدد المصابين به حول العالم أكثر من 381 ألف شخص ووفاة أكثر من 16 ألفاً، بحسب آخر إحصاء لمنظمة الصحة العالمية.
وقد ظهر الفيروس القاتل للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية، في ديسمبر (كانون الأول) 2019، ومنها بدأ الانتشار عالمياً في غضون أسابيع قليلة، حيث ظهرت أول حالة خارج حدود الصين في منتصف يناير (كانون الثاني) 2020 في بانكوك لسيدة تبلغ من العمر 61 عاماً سافرت من ووهان، ثم بدأت حالات أخرى في الظهور في طوكيو وسيول وهونغ كونغ وسنغافورة.
السلطات الصينية وتجاهل تحذيرات الأطباء
ويُعتقد أنّ الفيروس الجديد ظهر للمرة الأولى في 10 ديسمبر الماضي لسيدة تعمل في سوق بمدينة ووهان تباع فيه حيوانات برية، فبحسب وسائل إعلام صينية فإن وي جوايشيان، البالغة 57 عاماً، كانت بين الحالات الأولى التي يشتبه في إصابتها بفيروس كورونا، حيث ظل الأطباء الصينيون يكافحون على مدار ثلاثة أسابيع للربط بين تلك الحالات التي تعاني من التهاب رئوي حاد وأعراض مشابهة ولا تستجيب للعلاجات المعتادة، ثم أخيراً حذر الأطباء المسؤولين بشأن انتشار فيروس جديد، لكن سرعان ما قامت السلطات بقمعهم ومحاولة إخفاء الأمر، وهنا ينبغي أن نتساءل بشأن مسؤولية الحكومة الصينية عن تحول الفيروس إلى وباء عالمي، وهل كان يمكن منع الكارثة الصحية إذا استجابت السلطات في بكين لتحذير الأطباء؟
تهمة نشر الإشاعات
وفي 30 ديسمبر 2019 اضطر لي وينليانغ، الطبيب الصيني الذي كان يعمل في مستشفى ووهان، للجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتحذير من تفشي فيروس خطير في المستشفى لكن سرعان ما تم تهديده من قبل مسؤولي الأمن وأجبروه على التوقيع على خطاب نص على اتهامه بالإدلاء بمعلومات مضللة تخل بالنظام العام. لم يكن ذلك الطبيب، الذي لقي حتفه في فبراير (شباط) الماضي بعد إصابته بالفيروس، وحده الذي تعرض لتهديد الأمن، إذ تم تهديد سبعة أشخاص آخرين خضعوا للتحقيق من قبل الشرطة بتهمة نشر إشاعات.
ولم تبلغ السلطات الصينية منظمة الصحة العالمية بالفيروس المستجد حتى 31 ديسمبر، بينما ظلت بكين تزعم أن الفيروس لا ينتقل بين البشر، حتى النصف الأخير من يناير، حيث كانت عطلة رأس السنة الصينية اقتربت وبدأ الملايين يسافرون داخل وخارج البلاد، ما ساعد على انتشار المرض عالمياً، وحتى بعد أن أمر الرئيس الصيني شي جين بينغ، المسؤولين بالسيطرة على تفشي المرض في 7 يناير، استمرت السلطات في إنكار أنه يمكن أن ينتشر بين البشر، وهو أمر كان الأطباء يعرفونه منذ أواخر ديسمبر.
وبحسب بيانات حصلت عليها صحيفة "نيويورك تايمز" فإن ما لا يقل عن 7 ملايين شخص غادوا ووهان في الأسابيع الثلاثة الأولى من يناير قبل تقييد حركة السفر. ويقول الخبراء إن كل مريض تسبب في عدوى لنحو ثلاثة آخرين.
تستر الصين... وتفشي الفيروس
وفي مقابلة أجريت معه أخيراً، قال مستشار الأمن القومي الأميركي، روبرت أوبراين، إن التستر الصيني على تفشي الفيروس المستجد تسبب في تأخير الاستجابة العالمية لمدة شهرين.
ويقول لوري غاريت، الزميل الرفيع السابق لدى مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، إن أزمة فيروس كورونا المستجد ووفاة الطبيب الشاب صاحب الـ34 عاماً الذي حذّر من انتشاره، تكشف عن الجانب الأبشع في الحزب الشيوعي الصيني ومحاولته الرهيبة إخفاء وباء خارج عن السيطرة.
روايات الحزب الشيوعي
ويلقي ذلك بظلاله على موثوقية البيانات الوبائية التي أصدرتها الحكومة الصينية، فبحسب غاريت، فإنه منذ الإعلان الأول عن مرض جديد في ووهان في 31 ديسمبر، نسج الحزب الشيوعي الصيني روايات هي في المقام الأول لأغراض سياسية محلية، فبينما وفرت حكومة شي للعالم رزمة من البيانات، لكن مصداقيتها المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأساليب الحزب الشيوعي في الرقابة والتخويف تركت العالم للتنبؤ والاستعداد من دون معرفة حقيقية بحجم الخراب الذي يمكن أن يسببه الفيروس.
بكين ترفض الانتقادات
وفي 12 مارس (آذار) الحالي، دعا السيناتور الأميركي، توم كوتون، إلى محاسبة الصين عن ما سببته من كارثة للعالم، ورد على تغريدة عما إذا كانت الصين ستدفع الثمن قائلاً "صحيح". وفي تعليقات الشهر الماضي، أشار كوتون، وهو أحد الصقور الجمهوريين الذين يتخذون موقفاً متشدداً من الصين، إلى أن بكين لم تكن صريحة بشأن عدد الإصابات وأنها "تكذب بشأنها منذ البداية" للتقليل من خطورة الوباء.
وترفض الصين أي انتقادات بشأن تعاملها مع الوباء، قائلة إنها اشترت الوقت لبقية العالم، وفي مؤتمر عبر الهاتف في 23 فبراير (شباط) الماضي، أبلغ الرئيس الصيني 170 ألف مسؤول أن قيادة البلاد تصرفت بسرعة وتماسك منذ البداية.
كما دافع تيدروس أدنهوم، رئيس منظمة الصحة العالمية، خلال مؤتمر صحافي في 6 فبراير الماضي، عن الصين أمام الاتهامات الدولية، قائلاً "لا يمكنني القول إنهم أخفوا الأمر أو لم يفعلوا"، وأضاف "حتى لو أخفت الصين الأمر، لا أعتقد أنه كان سيتم منع الحالات من عبور الحدود إلى دول أخرى".
أسواق الحيوانات البرية
لكن مسؤولية الصين لا تتعلق فقط بإدارتها لأزمة انتشار "كورونا"، فعندما انتشر فيروس "سارس" القاتل الذي أصاب أكثر من 8 آلاف شخص وقتل نحو 800 آخرين بين عامي 2002 و2003، أرجع العلماء المنشأ إلى أسواق ذبح وبيع الحيوانات البرية في الصين، وبعدها فرضت الدولة الآسيوية حظراً على هذه الأسواق لكن سرعان ما عادت للعمل والازدهار مجدداً.
ولم يتحدد منشأ فيروس "كوفيد-19" حتى الآن، لكن بالنظر إلى العامل المشترك بين الحالات الأولى التي ظهرت في ووهان، وهو أن أغلب المصابين يعملون في سوق من هذا النوع، يظل هناك اشتباه كبير بأن ذبح وبيع هذه الحيوانات في هذه الأماكن يقف وراء ظهور الفيروس الجديد، وبالفعل أغلقت السلطات الصينية أسواق ووهان بعد انتشار الفيروس في المقاطعة.
وأعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أن فيروس كورونا ينبع من أسواق "الدم الرطب" الصينية، وطالما وصف الخبراء تلك الأسواق غير الصحية بأنها "أواني صهر فيروسية مثالية" للأمراض التي تنتقل من الحيوانات إلى الإنسان.