في العام 1959، حُسِمَ الشك باليقين وثبت أن الجاذبيّة تبطئ نور الشمس. وحتى الآن، قد يبدو الأمر غريباً بالنسبة إلى البعض، وللقارئ أن يتخيّل كيف كانت صدمة العالم في عشرينيات القرن العشرين، حين وضع العالِم الشهير آلبرت آينشتاين نظريته عن النسبيّة التي تضمّنت القول بأن الجاذبيّة تؤثّر في سرعة الضوء. استطراداً، ولأن سرعة الضوء هي مقياس الزمن وفق النظريّة نفسها، تكون للجاذبيّة القدرة في التأثير على الزمن! كان أمراً نظرياً وموضع تجاذب إلى أن أثبت عالمان أميركيان صحة ذلك الأمر. واعتبر ذلك ضمن 6 تعرّجات أساسيّة في مسار نظرية آينشتاين سواء من حيث إثباتها أو نفيها، وهي التالية وفق تسلسلها زمنيّاً:
- الحرب العالميّة الأولى. ظهرت نظرية آينشتاين في زمن تلك الحرب. وعلى خطوط الجبهة الألمانيّة- الروسيّة، لم تَحُلْ المعارك دون انشغال عالِم الفيزياء الألماني كارل شوارتزشايلد بنظريّة النسبيّة. وتوصّل إلى رسم صورة كونيّة لمُركّب الزمان- المكان تجعله على هيئة كرة متناسقة ومستقرة، لكنها هائلة الأبعاد. وفي المقلب الآخر، عمل عالم الفلك البريطاني آرثر إيدنغتون مع زميله رويال دايسون على رصد مواقع النجوم أثناء كسوف شمسي كامل، وقارنها بمواقعها في الليل. وأثبتا وجود فرق، وهذا ما يعني أن الشمس وجاذبيتها تؤثر في الضوء الآتي من النجوم إلى الأرض، بمعنى أنها تحرف سيره بين الأمكنة، وهو جزء أساسي من نظرية آينشتاين.
- 1915: بعيد ظهور نظرية آينشتاين جاءها تأييد غير متوقع من كوكب عُطارد القريب من الشمس. وطوال عشرات السنوات، لم يتمكن العلماء من فهم مسار عُطارد بالاستناد إلى المعادلات الشهيرة التي وضعها العالِم إسحاق نيوتين عن الجاذبيّة. وفي العام 1859، لاحظ عالم الفلك أوربيان لو فيربيار أن مدار عطارد هو أكثر دقّة مما تفترضه معادلات نيوتن. وطبّق آينشتاين معادلات النسبيّة العامة على مدار عطارد، فأعطت تفسيراً للدقّة الصارمة التي يتميّز بها ذلك المسار!
- 1935: إندلاع معركة "الثقب الأسود" Black Hole . لم يملك الشاب الهندي سوبراهمانيان شاندراساخير مالاً ليحجز ولو مجرد سرير على السفينة التي حملته إلى بريطانيا. وصرف ذلك العالِم وقته جالساً على كرسي، ومُكباً على أوراق دوَّن عليها معادلات فيزياء من وحي نظرية آينشتاين، وبعضاً من معادلات الفيزياء الكموميّة Quantum Physics. وقبيل وصوله إلى بريطانيا، توصّل إلى أن بعض النجوم الضخمة تنطفئ، لتصير ثقباً أسود يملك قوة جاذبيّة هائلة. وتعارض ذلك مع النظريات التي كانت سائدة في "جامعة كامبردج" التي عرض فيها شاندرا نظريته في العام 1935، فلم يلق سوى السخرية والازدراء. ثم سافر شاندرا إلى أميركا. ودرّس في جامعاتها. واعتبره علماؤها أبرز شارح لنظرية آينشتاين. وتدريجاً، تقبّل العلماء نظرية "الثقب الأسود". وفي 1983، نال شاندرا جائزة "نوبل" عن تلك النظرية. وفي 1999، كرّمته وكالة "ناسا" بأن أطلقت اسم "شاندرا" على أول تلسكوب فضائي يرصد الكون باستخدام بـ"أشعة- إكس".
اعتُبِر العالِم الهندي سوبراهمانيان شاندراساخير أبرز شُرّاح نظرية النسبية، إذ استند إليها ليُطلِق فكرة "الثقب الأسود"
- 1936: آينشتاين يتعمّد تحاشي تدقيق العلماء! نالت الشهرة قليلاً من آينشتاين، إذ أعطته بعضاً من العناد، وهذا ما أوقعه في الخطأ. ففي تلك السنة، قدّم آينشتاين مقالاً إلى مجلة علمية موثوق بها عن موجات الجاذبيّة، ينفي وجودها. وقدّمت المجلة المقال إلى علماء فيزياء كي يراجعوه. وثارت حفيظة آينشتاين، فسحب المقال من المجلة. ولعب الحظّ إلى جانبه. إذ أرسل المقال إلى مجلة علميّة اخرى، بعد فترة وجيزة. وقبل وصوله إلى الطباعة، راجع آينشتاين مقاله، ووجد أنه أخطأ بشأن موجات الجاذبية. وأعاد صياغة المقال، مسلّماً بإمكان وجود تلك الموجات. وكرّرت المجلة الثانية ما فعلته نظيرتها الأولى، فس مقال آينشتاين إلى عالِم ليراجعه، تبيّن لاحقاً أنه العالِم هاورد روبرتسون. وعلى الرغم من نشر المقال، فإن روبرتسون لاحظ "اهتزازاً" علميّاً فيه. وبعد فترة، استطاع روبرتسون بكياسة أن يقنع صديقه آينشتاين بأنه ارتكب خطأً علميّاً.
- 1959: إثبات أنّ الجاذبيّة تبطئ الزمن. في تجربة لروبرت باوند وغلين ريبيكا، وهما عالِما فيزياء في "جامعة هارفرد"، ثبت أن ضوء الشمس الذي هو مقياس الوقت، يتباطأُ قليلاً عند دخوله حقل جاذبيّة الأرض. وفي العام 1977، عندما صُنِع نظام الـ"جي بي إس" GPS، أدخل العلماء ذلك التباطؤ في عداد معادلاتهم، وهذا ما ضمن دقة التزامن في حساب الموجات الكهرومغناطيسيّة (وهي تسير بسرعة الضوء)، بين الأقمار الاصطناعيّة في الفضاء الخارجي الضعيف الجاذبيّة، ومستخدمي نظام "جي بي أس" على الأرض.
- 1974: نجوم تبرهن على وجود موجات الجاذبيّة. في ذلك العام، راقب جوزيف تايلور وراسل هولز، وكلاهما اختصاصي في علم فيزياء الفلك، بعض النجوم المنهارة. واستخدما راداراً ضخماً قطره 305 أمتار، كي يلاحقا الطاقة التي تصدر من تلك النجوم. ولاحظ العالمان بعد متابعة امتدت سنوات طويلة أن تلك الطاقة تخرج في "نبضات" غير منتظمة، إضافة إلى حدوث تقلص تدريجي في مدار النجوم. وتوافقت تلك الملاحظات مع نظرية آينشتاين، كما أضافت تأكيداً عن وجود موجات للجاذبيّة وأنّها السبب في عدم انتظام "نبضات" الطاقة الصادرة عن النجوم المنهارة. وفي 1993، نال جوزيف تايلور وراسل هولز جائزة "نوبل" عن ذلك العمل.