لم تقتصر ضحايا كورونا في الأردن على الوفيات والإصابات فقط، فثمة فئة كبيرة من العاملين الأردنيين والوافدين إلى نظام المياومة ضمن ما يُطلق عليه بـ"القطاع غير المنظّم"، ممّن باتوا قلقين على لقمة عيشهم مع تمديد فترة حظر التجول في البلاد.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة سلسلة قرارات لتقديم إعانات للفقراء وعمال المياومة وكبار السن لتعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم بسبب الإجراءات الحكومية للحدّ من فيروس كورونا، إلاّ أنّ الخوف والقلق يساوران هذا القطاع العريض الذي يضم آلاف العاملين في المطاعم والمقاهي، والباعة المتجولين والعاملين في الإنشاءات، وسائقي التاكسي وقطاعات أخرى، و يُقدّر عددهم ما بين 44 إلى 48 في المئة من مجمل العاملين في الأردن.
ويبلغ حجم القوى العاملة في المملكة مليون و600 ألف، بنسبة 27 في المئة من المجموع العام للسكان.
وفيما تتجه أنظار الأردنيين إلى عدد الحالات المسجلة يومياً للإصابة بفيروس كورونا، تتجه أنظار هولاء إلى الرقم 31 أي إلى مادة في قانون العمل الأردني تتيج لأرباب العمل تسريح الموظفين لديهم، وتشكل سيفاً مسلطاً على رقابهم في انتظار المجهول.
المطاعم تضررت
يتحدث عدد من أصحاب المطاعم والعاملين فيها عن حجم الضرر الذي وقع عليهم بعد مرور نحو أسبوعين على إغلاق مصدر رزقهم ووقف أجورهم، فخلافاً للبقالات ومراكز التموين، لم يشمل قرار فتح بعض المنشآت التجارية المطاعم، ما تسبّب بإرباك كبير للعاملين فيها، إذ عجر كثيرون منهم عن سداد أجور منازلهم وتلبية حاجات أسرهم الأساسية من المواد الغذائية.
وأشار أحدهم في حديث لـ"اندبندنت عربية" إلى ضرورة سماح الحكومة على الأقل للمطاعم بالبيع عن طرق التوصيل ومنع البيع المباشر، منعاً لتجمهر المواطنين واحتكاكهم ببعضهم بعضاً.
ويبلغ عدد المطاعم بمختلف تصنيفاتها في المملكة حوالى 20 ألف مطعم، وعدد العاملين فيها يتراوح بين 110 إلى 130 ألف عامل وعاملة، وتترواح أجور العاملين في قطاع المطاعم ما بين 10 و20 دولاراً يومياً بناءً على طبيعة المهنة وسنوات الخبرة.
المقاهي الشعبية
بدأت معاناة العاملين في المقاهي الشعبية مع اللحظة الأولى من إصدار قرار يمنع التدخين وتقديم النرجيلة وخدماتها، ومع حلول اليوم الأول لحظر التجول، فقد كثيرون من عمال المقاهي وظائفهم بعدما وافقوا بادئ الأمر على تخفيض يوميّاتهم إلى النصف.
وعلى الرغم من إعلان وزير العمل الأردني نضال البطاينة أن موظفي القطاع العام والخاص هم في "إجازة رسمية مدفوعة الأجر لمدة أسبوعين، لا تُخصم من رصيد إجازاتهم السنوية"، إلاّ أنّ عدداً كبيراً من أرباب عمال المياومة لم يهتموا لهذا التعميم الحكومي وتركوا العمال لديهم يواجهون مصيرهم المجهول، بخاصة أن هؤلاء لا يملكون عقود عمل تنظّم علاقتهم بأرباب العمل وتحفظ حقوقهم.
عمال الزراعة والإنشاءات
في المقابل، وعلى الرغم من توقف قطاع الزراعة بشكل جزئي، إلاّ أنّ العاملين فيه واجهوا صعوبات عدّة، من بينها كيفية الالتحاق بعملهم في ظل حظر التجول وعدم حصولهم على تصاريح خاصة، وسط افتقادهم بطبيعة الحال إلى مظلة قانونية تحميهم.
ويعاني العاملون في الزراعة بحسب مؤسسة "تمكين" ظروفاً اقتصادية صعبة، لعدم إشراكهم في الضمان وغياب أدوات الصحة والسلامة المهنية، فضلاً عن الظروف المناخية التي سبقت أزمة كورونا وتسببت بخسائر فادحة في القطاع الزراعي وانعكست سلباً على أجور عمال المياومة.
وتشغل العمالة الوافدة، بخاصة من مصر غالبية قطاعات الإنشاءات كالإسكانات والتمديدات الكهربائية والتبليط والدهان والتمديدات الصحية وغيرها، ويعمل هؤلاء بشكل يومي إمّا لحسابهم الشخصي أو لحساب مقاولين ومتعهدين بأجر يومي أو أسبوعي، ما أثّر فيهم وفي عائلاتهم سلباً، حالهم حال باقي القطاعات.
مقص كورونا والحلاقين
وإلى جانب هؤلاء، ثمة عدد غير محدود من العاملين في قطاع صالونات الحلاقة الذين توقف عملهم بشكل تام، فضلاً عن المخاوف من أن طبيعة عملهم تشكّل بيئة خصبة لانتقال عدوى فيروس كورونا عن طريق الأدوات المستخدمة في الصالونات والتلامس المباشر بين العامل والزبون.
ويقول رئيس النقابة العامة لأصحاب صالونات التجميل إياد سمارة إن هذا القطاع أُصيب بدمار كبير، مطالباً الحكومة بتحمّل مسؤولياتها، بخاصة مع تراكم إيجارات الصالونات وعجز بعض الحلاقين عن شراء الطعام لأطفالهم.
وبحسب الإحصاءات، فإنّ عدد صالونات التجميل في المملكة يبلغ 15 ألف صالون وعدد العاملين 40 ألفاً.
مخاوف من بطالة جديدة
ومع شلل الحياة العامة في البلاد، وجد العاملون في مهنة الميكانيك وتصليح السيارات أنفسهم أمام استحقاق مؤلم طال نحو 180 ألف منشأة وكاراج على مستوى البلاد، وإلى جانب هؤلاء تبرز شكاوى أخرى، مثل العاملين في الأندية الصحية والرياضية وسائقي التطبيقات الذكية (أوبر وكريم)، ونحو 8 آلاف شخص من العاملين في النقل العمومي وأصحاب البسطات المتنقلة.
ويبدو أن المخاوف لا تقتصر فقط على عمال المياومة، فقد دخل الموظفون في القطاع الأردني الخاص في أجواء من القلق، إثر بدء شركات عدّة بالفعل الاستغناء عن موظفيها ورفض أخرى دفع رواتب شهر مارس (آذار) بحجة عدم الإنتاجية، بسبب توقفها عن العمل منذ 18 الشهر الجاري بقرار من مجلس الوزراء.
ويقول مراقبون، من بينهم رئيس المرصد العمالي الأردني أحمد عوض، إن الشركات الكبرى ستلتزم قرار الحكومة بدفع رواتب العاملين لديها كاملة، لكنّه يخشى أن تتفلّت شركات أخرى عدّة من هذا القرار، بحجة عدم وجود السيولة المالية، ما ينذر ببطالة جديدة والبالغة نسبتها حالياً 19 في المئة، وفقاً لآخر بيانات أعلنتها دائرة الإحصاءات العامة الرسمية، في وقت يعاني عددٌ كبيرٌ من العاملين في القطاع الخاص من تأخر صرف رواتبهم بطبيعة الحال عن الأشهر الماضية.