منذ بدء أزمة فيروس كورونا التي خيمت ظلالها على كل العالم تقريباً، تحاول كل الشركات والمؤسسات اتباع سياسة العمل من المنزل، ومنها بعض وسائل الإعلام. وربما من السهل على محرري الصحف الورقية أو المواقع الإلكترونية العمل من بيوتهم، ولكن الإذاعات، التي تحتاج تقنيات عالية، وصوتاً نقياً وشبكة إنترنت قوية لنقل المواد وبثها بجودة ممتازة، يواجه موظفوها تحديات كبيرة للبث والتسجيل والتأقلم مع التكنولوجيا المتوفرة من أجل العمل "كأن شيئاً لم يتغير".
تقول ميسم البرغوثي، وهي مسؤولة قسم المونتاج في إحدى الإذاعات الفلسطينية المحلية، إن العمل من المنزل تجربة جديدة، لأنه لم يسبق أن كان لديها تحكم بالمواد التي تبث من خارج غرفة العمل، إلا أنها دائماً في سباق مع الوقت، وهذا ما يسبب ضغطاً نفسياً في بعض الأحيان، لأنّ كل شيء يجب أن يكون معداً في ساعة معينة، عدا عن أن التواصل عن بعد، تقني وخالٍ من التعامل الإنساني، الذي تحتاجه في بعض الأحيان للتحكم في نبرة صوت المسجلين، أو طريقة التسجيل وغيره.
حقيبة سفر للتسجيل
أما عن كيفية تحكم البرغوثي بجودة الصوت، فتوضح أنها أعدت ستوديو تسجيل صغير، من خلال حقيبة سفر، وضعت داخلها غطاء سرير ومخدة، وفي كل مرة تحتاج أن تعد مادة بصوتها، تدخل إلى الحقيبة وتسجلها. وهناك طرق كثيرة يستخدمها الصحافيون لتدارك الغياب عن غرف التسجيل المعزولة، كالجلوس في خزانة، أو تحت السرير، أو أغطية النوم، إضافة إلى البحث عن زاوية بإضاءة وخلفية جيدة في منازلهم، تكون مناسبة للخروج في بث على مواقع التواصل الاجتماعي خلال عملهم، إن تطلب الأمر.
"ربما كل شخص حولنا مصاب!"
بحسب الإجراءات التي أقرتها الحكومة، فإن كل مؤسسة إعلامية كان عليها تقليص عدد موظفيها العاملين في الميدان، من أجل تقليل الحركة والاحتكاك، ومن هؤلاء الصحافي هشام أبو شقرة، الذي أوضح أنه منذ بدء الأزمة في الخامس من مارس (آذار)، لم يتوجه إلى مكان عمله في رام الله، بسبب إغلاق مدينة بيت لحم.
يقول أبو شقرة إنّ البداية كانت مع إغلاق الكنائس والمساجد والشوارع، وسط حالة من التوتر في كل مكان، وإجراءات وقائية قليلة من الصحافيين، كارتداء القفازات الطبية والكمامة، وهو ما وصفه بالخطير، لأن المنطقة كانت مليئة بالسياح، وجزء منهم مصاب بفايروس كورونا. ويضيف أنّه لاحقاً رافق الطواقم الطبية في زياراتها إلى المصابين، ونقل الحالات إلى مراكز الحجر، وخروج جزء من المتعافين، وإخلاء الفندق من السياح ونقلهم إلى مطار إسرائيل، ولكن هذه المرة مع إجراءات وقائية أكثر، كون الوعي بدأ يزداد من ناحية طريقة تحية الناس، والحفاظ على مسافة شخصية.
بالنسبة إلى أبو شقرة، فهذه التجربة ليست جيدة ولن تكون نتائجها كذلك، فبسبب الظروف الراهنة من حجر منزلي وتعطل عن العمل، وتردي الأوضاع الاقتصادية والخوف، فالناس إن لم تصب بكورونا هذه الأيام، سيكون لديها حالات نفسية تحتاج علاجاً بعد الأزمة.
"أعقم كل شيء حتى حذائي"
"عندما أصل منزلي يومياً بعد كل تغطية صحافية، أبدأ بتعقيم كل مقتنياتي، من ساعة اليد، للملابس والحذاء، ومن ثم آخذ حماماً ساخناً، ولا أحتك مع أي أحد من عائلتي" يقول الصحافي بهاء بركات، الذي يعمل مراسلاً ميدانياً في رام الله، ويتمحور عمله في الفترة الحالية على تغطية أزمة فيروس كورونا في فلسطين، سواء من مقابلات مع لجان الطوارئ، إلى مختبرات الفحص، أو العمال الفلسطينيين في إسرائيل، أو أي شخص له علاقة بهذا الأمر.
ويوضح بركات أنّ الأمر ليس سهلاً، خصوصاً على الصعيد النفسي، فهو يضع احتمالية إصابة كل شخص حوله، أو حتى حمله للمرض هو نفسه. لذلك، فإنه يحافظ على مسافة بينه وبين ضيوفه وأصدقائه، ويعمل على تعقيم كل شيء يستخدمه، من سيارة وميكروفون وأدوات، ويرتدي القفازات دائماً.
الحرية يجب أن تكون مهنية
في اليوم الأول لتسجيل حالات في فلسطين، انتشرت الإشاعات وتسريبات الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، وبشكل أساسي بدأت من صحافيين. وهو ما أثار حالة من الرعب والخوف بين الناس، ما دفع الحكومة إلى وضع عقوبات ورقابة شديدة، في حال تم نشر أي معلومة من دون نسبها إلى مصادر رسمية، حتى لو كانت على سبيل المزاح، وسجلت حالات اعتقال عديدة بسبب هذا الأمر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما عن حرية الحركة والتغطية، فالصحافيون مستثنون من إجراءات الإغلاقات، والحركة مسموحة بين كل المحافظات، ولكن بشروط عدة تتمثل في حمل بطاقة نقابة الصحافيين حتى لو المؤقتة التي تم إصدارها في حالة الطوارئ، إضافة إلى أخذ كافة الإجراءات الصحية والوقائية اللازمة عند التنقل.
وعن هذه الإجراءات، يؤكد عضو الأمانة العامة للنقابة عمر نزال أنّه تم توفير ملابس وقائية كاملة للصحافيين الميدانيين الذين يتعاملون بشكل مباشر مع مراكز الحجر والمستشفيات والمختبرات، بخاصة في بيت لحم، من أجل عدم تكرار الخطأ الذي وقع به صحافيان من قطاع غزة دخلا مركزاً للحجر من دون أخذ الاحتياطات اللازمة، ما أجبرهما على الخضوع للعزل لأسبوعين.
انتهاكات مجحفة بحق الصحافيين
يضيف نزال أن هذه الأزمة طالت الصحافيين أيضاً، إذ اتخذت بعض المؤسسات المؤسسات الإعلامية إجراءات مجحفة بحقهم، كان أبرزها إجبار بعضهم على الذهاب إلى منازلهم بإجازة غير مدفوعة الأجر، أو تخفيض رواتبهم، أو تحديد أيام وساعات عمل تخالف الوضع الصحي، وهو ما دفع وزارتي العمل والإعلام ونقابة الصحافيين إلى توقيع اتفاقية تنص على أن أي إجراء سيتخذ بحق أي صحافي، يجب أن تنظر به لجنة مكونة من كافة الجهات التي ذُكرت، وهي التي تتخذ القرار فيما بعد.