يستعد المصرف المركزي اللبناني لإصدار رزمة تعاميم ترمي إلى تنظيم العمليات المصرفية الجارية بشكل استنسابي وغير منظم، منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية قبل خمسة أشهر، التي أدت الى إغلاق المصارف لنحو أسبوعين متتاليين، ومن ثم إلى اقفال متقطع خاضع للظروف الأمنية والصحية أخيراً في البلاد، بفعل تفشّي فيروس كورونا المستجد.
ويستعيد المصرف المركزي زمام المبادرة بعد سقوط مشروع القانون الذي أعدّه وزير المال غازي وزني، باقتراح من حاكم المصرف رياض سلامة لتنظيم العمليات المصرفية وتوحيد القيود المفروضة على حركة التحويلات والسحوبات والسقوف المسموحة، بعدما أدت أزمة السيولة في البلاد، إلى شُح حاد في العملة الأجنبية، دفعت المصارف إلى وضع سقوف سحوبات أسبوعية لا تتجاوز 200 دولار.
ولكن، حتى هذا السقف لم يعد متاحاً أمام المصارف توفيره لزبائنها، بذريعة العجز عن إتمام عمليات الشحن الدورية التي كانت تقوم بها من الخارج، في ظل توقّف حركة الملاحة الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي.
إجراءات جديدة
وهذا الوضع المستجد منذ تفشّي أزمة كورونا ولجوء المصارف إلى تقليص عدد فروعها العاملة، فضلاً عن تقليص ساعات العمل إلى الثانية عشرة ظهراً، استدعى سلسلة من الاجتماعات بين السلطات المالية والنقدية ومجلس إدارة جمعية المصارف من أجل البحث في الآليات الواجب على المصارف تطبيقها لتلبية طلبات الزبائن.
وخَلُصت تلك الاجتماعات إلى التوافق على مجموعة من الإجراءات، سيبادر المصرف المركزي إلى اتخاذها وتعميمها على المصارف، وهي تأتي في صلب صلاحياته المناطة به بموجب قانون النقد والتسليف اللبناني الذي يرعى وينظّم عمله.
ورداً على سؤال "اندبندنت عربية"، أكد سلامة أن المصرف قد أنجز إعداد التعاميم المشار إليها، لكنه يتريّث في إصدارها في انتظار إقرار ملء الشواغر في المجلس المركزي، مع ترقّب صدور تعيينات نواب الحاكم في جلسة مجلس الوزراء غداً الخميس.
وكشف عن أنّ الإجراءات المقترحة تتناول تنظيم عمليات السحب النقدي ضمن السقوف الأسبوعية حصراً، فضلاً عن تنظيم العمليات المتعلّقة بالأموال الطازجة الداخلة إلى النظام المصرفي، إمّا من خلال عمليات نقدية أو تحويلات من الخارج.
أما بالنسبة إلى تمويل عمليات الاستيراد، فأوضح سلامة أن إجراءات تأسيس "صندوق الأكسجين" أو "Oxygen Fund" في الخارج قد بدأت، لكنها تأخرت بسبب تفشّي فيروس كورونا الذي أبطأ كل العمليات في الخارج، متوقّعاً أن تكتمل إجراءات هذا الصندوق في مايو (أيار) المقبل، وسيكون برأسمال قيمته 750 مليون دولار، فيما يؤمّن المركزي حالياً للصناعيين اعتماداً بقيمة 100 مليون دولار، في انتظار تأسيس الصندوق، لمساعدة المصانع والقطاعات الإنتاجية في تأمين استيراد المواد الأوّلية لزوم صناعاتهم.
الدولار ينقطع في المصارف
على صعيد آخر، كشفت مصادر مصرفية مسؤولة في جمعية المصارف عن تفاصيل الاتفاق مع المصرف المركزي لتأمين السحوبات النقدية بالدولار، موضحةً أن المصارف ستعمد إلى تلبية طلبات زبائنها بالنسبة إلى السحوبات بالدولار بالليرة اللبنانية، وإنّما ليس وفق السعر الرسمي المحدّد من المصرف المركزي، بل وفق سعر السوق لدى الصرافين.
ويرمي هذا الإجراء إلى تخفيف الضغط على سوق الصيارفة الذي بات متفلّتاً مع وجود صرافين غير شرعيين، قادرين على التحكّم بالسوق والسعر.
لكنّ المصادر أكدت أن هذا التدبير سيُطبّق حصراً على السحوبات النقدية الخاضعة للسقوف المحددة من المصارف، والتي يمكن أن يعمد المركزي إلى توحيدها لوقف استنسابية المصارف في هذا الشأن، علماً أنّ هذه الاستنسابية ستنتهي بمجرد توقف المصارف عن الدفع بالدولار والتحوّل إلى الليرة.
وسينشىء المركزي منصة تضمّ مجموعة من الصيارفة المرخّصين يتم اختيارهم لتنظيم السوق. أما بالنسبة إلى الودائع بالدولار، فهي غير مشمولة بهذا الإجراء، ولن تكون أمام المودع بالتالي حرية السحب بسعر السوق إلاّ ضمن السقوف الموضوعة وليس على كامل وديعته، التزاماً بسياسة القيود المفروضة على الودائع بالدولار، من خارج أي قانون، وإنّما في إطار تطبيق تعاميم المركزي في هذا السياق.
وسيخلق هذا الأمر بلبلة واسعة في أوساط المودعين الذين قُبِض على ودائعهم، وفقدوا حرية التحرك بها باستثناء عبر شيكات مسحوبة على المصرف المركزي، أو عبر تحويلات داخلية في ما بين المصارف المحلية.
ومن شأن هذه الخطوة أن تعبّد الطريق أمام الذهاب تلقائياً، وبفعل الأمر الواقع إلى تفاهمات بين المصارف وزبائنها حول مشاركة هؤلاء في رسملة المصارف كبديل عن عملية اقتطاع باتت شبه حتمية لجزء من الودائع، بعدما بيّنت ميزانيات المركزي والمصارف فجوة لا تقلّ قيمتها عن 50 مليار دولار من الودائع المختفية، المطلوب إطفاؤها !