تسعى الحكومة الصينية جاهدةً لإعادة بناء الثقة بالمعدات الطبية التي تزوِّد دول العالم بها، للمساعدة في القضاء على وباء فيروس كورونا.
وفي حين بدت الإصابات الجديدة بفيروس "كوفيد 19" بالصين كأنها تحت السيطرة، عملت حكومتها على تشجيع الشركات للاستمرار في إنتاج معدات يمكنها وهبها أو بيعها إلى دول غربية. وفي كثيرٍ من الحالات، لم يزد ذلك على كونه "رد جميل" عن خدمات قدّمتها تلك الدول إلى الصين في بداية تفشي وباء كورونا.
في المقابل، رفضت دولٌ أوروبية عدة شحنات من مجموعات الاختبارات الطبية، المخصصة للكشف عن كورونا، وكمامات مصنوعة في الصين، وطاول الرفض ملايين من تلك المعدات، على أساس أنها "لا تطابق مواصفات تسويقها".
وحسب تقارير عدّة، دفعت المملكة المتحدة للتو ثمن مليوني اختبار للأجسام المناعية المضادة، يصنعها الجسم لدى تعرّضه للفيروس، قادمة من الصين من المقرر أن تصل الأسبوع المقبل.
في المقابل، ووفقاً للمحرر السياسي في قناة "آي تي في نيوز" روبرت بيستون، تتردد "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" في وضع ختم الموافقة على تلك الاختبارات "لأسباب مبهمة للغاية".
وفي الأسبوع الماضي، أوضحت الحكومة الإسبانية أنها طلبت 640 ألف اختبار يتقصى جينات فيروس كورونا آتية من الصين. ويكشف الاختبار إذا كان شخص ما مصاباً بالفيروس وقت إجراء الاختبار، بالتالي يحدد إمكانية أن ينقل العدوى إلى الآخرين.
وقد بيّنت إسبانيا أن الفحوص التي أجريت على الشحنة الأولى من الاختبارات التي جرى شراؤها من شركة "شينزن بيوإيزي" الصينية المتخصصة في التقنيات البيولوجية، وجدت أن الاختبارات أظهرت "حساسية غير كافية" للفيروس، بل لم تتعدَ دقتها في اكتشاف الفيروس الـ30 في المئة، في حين أنّ الحد الأدنى المقبول علمياً يبلغ الـ80 في المئة على الأقل.
وعلى نحوٍ مُشابه، كشفت جمهورية التشيك عن انتقادات وجّهتها إلى مئات الآلاف من تلك الاختبارات التي حصلت عليها من الصين. وبيّنت أنها لم تكن ناجحة في اكتشاف الفيروس إلا بعد مرور خمسة أيام في الأقل على إصابة الشخص. يأتي ذلك في وقت زادت الحكومة (التشيكية) جهودها لرفع قدرتها على إجراء الاختبارات لتصل إلى 10 آلاف في اليوم.
وكذلك أشار رئيس الوزراء السلوفاكي إيغور ماتوفيتش، إلى أنّ اختباراتٍ اشترتها دولته من الصين عن طريق وسطاء محليين، وبلغ عددها 1.2 مليون اختبار، "لم تكن دقيقة تماماً"، إلى حدّ أنه "يجب رميها في نهر الدانوب على الفور".
في بعض الحالات، تواجه الصين الروايات المتزايدة حول معداتها الطبية المعطوبة باستخدام طرق الدعاية التقليدية، ملقيةً اللوم على البلدان التي تستخدم المنتج في نهاية المطاف.
وعلى هذا النحو، أوردت متحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية أنّ الاستنتاج الأولي الذي توصلت إليه القنصلية الصينية في سلوفاكيا، يتمثل في أن عدم الدقة في نتائج الاختبارات جاء نتيجة لاستخدام العاملين في المجال الطبي معدات الاختبار بـ"طريقة خاطئة".
وفي الوقت نفسه، أصدر المسؤولون الصينيون بياناً أوردوا فيه أن بكين تزيد الفحوص التي يتوجّب على المصدرين الخضوع لها قبل الحصول على تراخيص لبيع هذه المعدات في الخارج، ما يعتبر قبولاً ضمنياً بأن معايير الجودة في الاختبارات الصينية، ربما لم تكن عالية بما فيه الكفاية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ذلك السياق، يذكر أن بعض المصنعين الصينيين استفادوا في السابق من اللوائح الأكثر تساهلاً في الاتحاد الأوروبي، لإدخال منتجاتهم إلى السوق الأوروبية قبل الموافقة عليها في بلادهم.
خلال الفترة الانتقالية الحالية التي تنتقل فيها تلك المعدات بين نظامين تشريعيين، تمكّن بعض الشركات الصينية من الحصول على علامة "سي إي" التي تعني أنّ منتجاتها معتمدةٌ للبيع في البلدان الأوروبية، ببساطة عن طريق تقديم ملف من المستندات، وتجنّب الاختبارات السريرية الأكثر صرامة أو التقييمات التي يجب أن يقدمها طرف ثالث.
من الناحية العملية، يعني ذلك أن الشركات المصنعة في الصين قادرة على تصدير معدات حتى لو لم تكن تلبي معايير الهيئات القانونية الصينية.
وفي سياق متصل، أوضحت بكين أنه بات متوجباً على المصدرين الصينيين من الآن فصاعداً، الحصول على شهادة محلية من "الإدارة الوطنية للمنتجات الطبية" قبل منحهم رخصة تصدير.
في هذا السياق، تساءل ستيف تسانغ، مدير معهد الصين في "جامعة سواس" بلندن، عمّا إذا كانت الصين تحاول عن دراية تمرير المعدات الأقل جودة من المستوى المطلوب، بوصفها نوعاً من الدعم العيني مقابل ذلك الذي تلقته عندما ظهر الفيروس التاجي للمرة الأولى في ووهان.
ووفق كلماته، "كان بالإمكان أن يسير (إظهار) الطاقة الصناعية للصين بشكل جيد جداً، حتى في أثناء كونها تعيش حالة الإغلاق، لتظهر أنها قادرة على إنتاج إمدادات بسرعة كبيرة كي يُجرى استخدامها في تمكين بقية العالم من التأقلم مع الفيروس. لو كانوا صادقين، وأوضحوا أنهم تلقوا ذلك القدر من التبرعات، وأنهم يردون الآن تلك التبرعات، مع الحصول على كل تلك الخدمات (التجارية) الإضافية، لكان الناس سيقولون (يا إلهي، إن الصين عظيمة!). لكن الأمور لم تسِرْ بشكل جيد جداً بسبب طريقة إدارة الصين الوضع. إنها تبدد فرصة لإظهار قوتها الناعمة".
وكذلك أشار تسانغ إلى أنه من الوارد أيضاً أنّ الصين لا تطبق معايير مزدوجة، "والمستوى الرديء للجودة ينطبق على الإمدادات المحلية والخارجية معاً. وفي هذه الحالة يشير ذلك إلى أنّ الإحصاءات الرسمية الصينية غير موثوقة، لأن مجموعات اختبار الفيروس غير موثوقة".
وأضاف، "التفسير البديل يتمثّل في أن الصين احتفظت بمجموعات الاختبار الجيدة والموثوقة والعالية الجودة لنفسها، وقدّمت مجموعات معطوبة للتصدير. أي التفسيرين أسوأ؟ لستُ أدري".
© The Independent