يكتنف الغموض حادثة مقتل أحد مسؤولي "حزب الله"، المدعو محمد علي يونس ليل السبت (4 أبريل نيسان) في جنوب لبنان، بعدما تعدّدت الروايات حول ظروف الجريمة في الأوساط الأمنية اللبنانية وفي وسائل الإعلام، في ظلّ صمت من قبل الحزب الذي لم يصدر أي بيان رسمي بشأنها واكتفى بنعي يونس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك خلافاً لعادته إصدار بيان رسمي عن "العلاقات الإعلامية" بالحزب في مثل هذه الحالات.
وكانت معلومات صحافية ذكرت أن يونس قُتل قرابة الثامنة ليل السبت الماضي، على طريق فرعية بين بلدتَيْ زوطر الغربية وقعقعية الجسر في محافظة النبطية، ثم عُثر على جثته داخل سيارته، بينما أظهرت لقطات فيديو وُزِّعت على وسائل التواصل الاجتماعي جثةً ممدّدة على الأرض إلى جانب سيارة، وثياب مدنية مضرجة بالدماء وقميص القتيل ممزّقاً بحيث أن صدره وبطنه كانا مكشوفين، ويقف بالقرب منه عناصر باللباس الكاكي ما أوحى بأنّهم حزبيون. إلّا أنّه بدا أنّ الفيديو صُوِّر نهاراً.
وفي وقت ذكرت تسريبات بأنّ يونس لوحق من قبل سيارة أو أكثر على تلك الطريق الضيقة، وأطلق مَن فيها النار عليه وعلى عنصر آخر كان برفقته جُرح ونُقل إلى المستشفى، فيما قُتل يونس، أفادت معلومات أمنية بأنّ التحقيق جارٍ مع الجريح وأنّ شخصاً آخر من بلدة كفرملكي القريبة في قضاء النبطية أُوقِف.
روايات ينفيها "حزب الله"
وكان لافتاً أنّ أول إعلان عن مقتل يونس جاء عبر وكالة "فارس" الإيرانية إثر تداول النبأ على مواقع التواصل الاجتماعي. وذكرت "فارس" أنه اغتيل "من قبل مجهولين"، ناسبةً الخبر إلى "مصادر غير رسمية". وأشارت إلى أنه "عُثر على جثة يونس داخل سيارة على الطريق التي تصل بين بلدتَيْ قعقعية الجسر وزوطر الغربية، مصابةً بطلقات نارية عدّة وطعنات سكين. وحضرت إلى المكان دوريات من مختلف الأجهزة الأمنية للتحقيق بالحادث". كما نسبت الوكالة الإيرانية إلى تلك المصادر قولهم إنّ يونس "قيادي وكان مسؤولاً عن ملاحقة العملاء والجواسيس".
إلّا أنّ مصادر في "حزب الله" نفت أن يكون يونس قيادياً في الحزب، موحيةً بأنه عنصر عادي. واستبعدت ما ذكرته "فارس" عن أنه كان يتابع ملف العملاء والجواسيس، مشيرةً إلى أن لا معلومات حول ظروف مقتله وأنّ الحزب يتابع التحقيق في الموضوع الذي يكتنفه الغموض. كما رفضت مصادر "حزب الله" اتهام أي جهة طالما لم ينته التحقيق الذي يجريه. وأفسح الغموض المجال أمام تكهنات، منها ما ربط بين مقتله وبين مقتل شخص يُدعى أنطوان حايك في بلدة المية ومية في قضاء صيدا، كان من مرافقي المتهم بالتعامل مع إسرائيل عامر الفاخوري إبّان تولّيه المسؤولية عن معتقل الخيام أثناء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وذلك بعد الإفراج عن الفاخوري إثر ضغط مارسته واشنطن على الحكومة اللبنانية قبل أسبوعين. وأوحت هذه التكهنات بأنّ مقتل يونس جاء انتقاماً لمقتل الحايك، لكن أوساط مقرّبة من "حزب الله" استبعدت هذه النظرية بشكل مطلق.
وفي وقت شملت التسريبات حول أسباب مقتله، إصابته بضربات سكين إضافةً إلى الرصاص، فإنّ تقديرات أخرى لم تستبعد وجود أسباب شخصية خلف العملية، فراوحت التكهنات بين هذه الفرضية وبين فرضية اغتياله من قبل "الموساد" الإسرائيلي.
وعلمت "اندبندت عربية" من أحد سكان بلدة جبشيت التي ينتمي إليها يونس، أنه عُرف عنه تواضعه وقلّة كلامه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تساؤلات أمنية
وزادت الوقائع المتناثرة حول ظروف الجريمة منسوب الغموض وسط تساؤلات أوساط أمنية لبنانية، أشارت إلى الآتي:
أن حصول الجريمة عند الساعة الثامنة ليل السبت يطرح علامات استفهام، لأنّ الأشخاص الذين لاحقوا يونس تحركوا بعد ساعة على بدء سريان توقيت حظر التجول الذي فرضته الحكومة اللبنانية (من السابعة ليلاً إلى الخامسة فجراً) على كل الأراضي اللبنانية في إطار إجراءاتها لمواجهة تفشّي وباء كورونا. فمَن هم الأشخاص الذين يخاطرون بخرق منع التجول لملاحقته وقتله مقابل فرضية أن يتم اعتراضهم من قبل قوة أمنية رسمية مولجة تطبيق الحظر؟
كما أنه في مقابل الرواية الأمنية التي أشارت إلى تعرضه إلى طعنة سكين في صدره إضافةً إلى الرصاص، أفاد أصدقاء للقتيل بأنّه تعرّض لثلاث رصاصات في الصدر والبطن من دون طعنة سكين.
موقع الجريمة، طريق ضيقة، بشكل يفترِض أنّ مَن يقف خلف أي عملية اغتيال استخباراتية تعرّض يونس لها، كان بإمكانه أن يزرع له عبوة ناسفة على جانب الطريق لاستهدافه من دون المجازفة بإرسال أشخاص يتولّون إطلاق النار عليه. وتمرّ هذه الطريق في خراج بلدتَيْ زوطر الغربية وقعقعية الجسر وصولاً إلى بلدة يونس، جبشيت.
المعلومات حول ملاحقة سيارة أو أكثر لسيارة يونس في المنطقة التي قُتل فيها، تستند إلى أنّ كاميرات مراقبة كشفت عن ذلك. ويضيف مَن يعرفون المنطقة المحيطة بمسرح الجريمة بأنها شبه مقفلة. فهي تقع في خراج بلدتَيْ زوطر الغربية وقعقعية الجسر، القريبة من وادي الحجير حيث هناك وجود لـ"حزب الله"، فضلاً عن وجود مدينة كشفية تابعة للحزب قرب الطريق الضيقة التي قُتل فيها يونس.
وتبقى كل هذه التساؤلات ضمن إطار النظريات وبلا أجوبة حتى وقت كتابة هذه السطور. وقد يكون بعضها صحيحاً أو غير منطقي، ما يطلق العنان لشتى أنواع التكهنات، في انتظار جلاء تفاصيل الحادثة عبر التحقيق الذي يجريه "حزب الله".