تعاقبت على حكم العراق بين العامين 2006 و2018، أربع حكومات، تشابه رؤساؤها في تقاذف كرة المسؤولية عن الوجود العسكري الأميركي في البلاد، الذي يعود إلى العام 2003، عندما قررت الولايات المتحدة إطاحة نظام صدام حسين، وهو ملف يثير الجدل باستمرار، ويطرح أسئلة بشأن واقع السيادة العراقية، وما إذا كانت كاملة فعلياً.
وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، قاد جهوداً لإخراج القوات الأميركية من العراق، خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، انتهت إلى توقيع "اتفاقية الانسحاب" في العام 2011، التي التزمت واشنطن تنفيذها بشكل شبه كلي، إلا أن بغداد سرعان ما عادت واستنجدت بالولايات المتحدة في العام 2014، عندما اجتاح تنظيم "داعش" مساحات واسعة من البلاد.
إضفاء شرعية على الوجود الأميركي
واستند رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بين العامين 2014 و2018، إلى طلب حكومة المالكي، في إضفاء الشرعية على الوجود العسكري الأميركي في العراق، لا سيما أن هذه الأعوام شهدت ذروة الحرب على تنظيم "داعش"، التي انتهت إلى استعادة جميع المناطق.
ومع وصول عادل عبد المهدي إلى المنصب التنفيذي الأعلى في البلاد، اندلع الجدل مجدداً بشأن الوجود العسكري الأميركي، استناداً إلى إعلان بغداد النصر الكامل على تنظيم "داعش"، وانتفاء الحاجة الفعلية لأي وجود عسكري أجنبي على الأراضي العراقية، وهي الحجة التي رفعتها أحزاب عراقية مقرّبة من إيران.
غضب شعبي
وبين المالكي وعبد المهدي، لم يجرؤ رئيس وزراء عراقي على تبني الوجود العسكري الأميركي، أو القول إنه جاء بطلب منه، خوفاً من غضب شعبي مفترض، قد يطيح شعبية أي مسؤول حكومي يتخذ مثل هذا الموقف. لكن مراقبين عراقيين يعتقدون بأن تراجع شعبية الأحزاب الشيعية والسنية، على حد سواء، جراء الفشل الذريع في إدارة معظم الملفات، وعلى رأسها تلك الخدمية، قد يطرح الوجود العسكري الأميركي كضامن للاستقرار الهش الذي شهدته البلاد في أواخر ولاية العبادي، وبداية عهد عبد المهدي.
إخراج القوات الأجنبية
وتشير الاستطلاعات الميدانية على سبيل المثال، إلى أن أهالي المناطق ذات الأغلبية السنية، لم يعودوا ينظرون إلى الولايات المتحدة كبلد محتل، مثلما كان الحال عليه في العام 2003، بينما تشير التظاهرات المنتظمة في المناطق الشيعية إلى تململ شعبي صريح من تجربة الحكم التي قامت بعد الإطاحة بالنظام السابق.
ومع ذلك، تتبنّى أحزاب عراقية موالية لإيران جهوداً حثيثة، لاقرار قانون يلزم حكومة عبد المهدي بالعمل على إخراج كل القوات الأجنبية من العراق، بما فيها الأميركية.
ويُنتظر أن يشهد الفصل التشريعي الجديد للبرلمان العراقي، الذي يبدأ الأسبوع المقبل، نقاشاً علنياً بشأن هذا التشريع، الذي يبدو أنه لا يلقى حماسةً من الكتل النيابية السنية والكردية، بينما تنقسم الكتل الشيعية بشأنه.
ويرى "تحالف الفتح"، القريب من إيران ويضم أجنحة سياسية لمجموعات مسلحة، من بينها "بدر" بزعامة هادي العامري، و"عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، أن الحاجة الفعلية للولايات المتحدة ترتبط بتدريب القوات العراقية المسلحة فقط. أما "تحالف النصر"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، فيعتبر أن الملف الأمني ما زال بحاجة إلى إسناد أميركي، لا سيما على مستوى الاستخبارات والدعم اللوجستي، في ظل إصرار تنظيم "داعش" على تبني هجمات في مناطق عدة، رغم إعلان بغداد الانتصار عليه.
موقف الصدر
وتراقب الأطراف الشيعية موقف الزعيم الديني مقتدى الصدر، الذي يتزعم حزبه أكبر كتلة برلمانية، إذ يمكن أن يكون حاسماً في هذا الملف. وقال مصادر مقربة من الصدر لـ "اندبندنت عربية"، إن الأخير قد يقدّم دعماً مشروطاً لجهود تمرير قانون في البرلمان يلزم الحكومة بإخراج القوات الأجنبية من البلاد. وأضافت المصادر أن الصدر يقترح ربط تشريع هذا القانون، باقرار قانون آخر، ينص على نزع سلاح كل الميليشيات العراقية الموالية لإيران.
ويعوّل الصدر على الانقسام البرلماني الحاد في هذا الملف، آملاً في "إسقاط عصفورين بحجر واحد، الأول هو ضمان إخراج الجيش الأميركي من العراق، والثاني، تجريد الميليشيات الموالية لإيران من سلاحها، ما يضمن تحسّن فرص حكومة عبد المهدي، التي يدعمها، في فرض القانون".
ويتوقع مراقبون أن تستغرق المناقشات في هذا الملف بعض الوقت، في ظل ضغط ملفات أخرى على البرلمان والحكومة، وأبرزها استكمال حكومة عبد المهدي التي ينقصها شخصيتين لحقيبتَي الداخلية والدفاع، المرتبطتين تماماً بجدلية الوجود العسكري الأجنبي في العراق.
ويتوقع المراقبون فصلاً تشريعياً ساخناً، عامراً بالجدل بين حلفاء الولايات المتحدة وحلفاء إيران، تحت قبة البرلمان العراقي.