أشار العلماء إلى أنّه بوسع الحياة البحرية والأنظمة البيئية للمحيطات أن تتغلّب على الصعوبات التي تعترضها حالياً في غضون 30 عاماً، إذا ما اتّخذت البشرية خطوات جديّة لحماية الفصائل الحيوانية والموائل الطبيعية.
فقد بلغ العالم اليوم مرحلة يتوجّب فيها على الجميع الاختيار بين أن يتركوا للأجيال المقبلة محيطاً نابضاً بالحياة وقادراً على التكيّف أو "محيطاً مدمّراً إلى حدّ لا يمكن إصلاحه".
وحذّر العلماء أنّه بالإمكان ترميم الحياة البحرية غير أنّ نافذة الفرصة لإنجاز ذلك أصبحت ضيّقة للغاية وتوشك أن تفوتنا. وأعلن فريق الباحثين الدولي أنّه من شأن خطّة تحرّك تتضمّن معالجة التغيّر المناخي أن تسهم في تحقيق إنعاش "واسع النطاق" للحياة البحرية، علماً أنهم أعدّوا رؤية لإعادة إحيائها بحلول العام 2050.
وأشار العلماء إلى أنّه يجدر التركيز على إعادة بناء فعّالة لعالم الحيوانات البريّة والنُظم الإيكولوجية المستنزَفة وليس الحفاظ على ما تبقّى منها فقط، كما ينبغي تعزيز الجهود لإزالة الضغط عن المحيطات.
وتشمل الخطوات الضرورية حماية الموائل والأصناف الحيوانية الضعيفة وممارسة أقصى درجات الحذر أثناء صيد الأسماك وترميم المساكن الطبيعية، إضافةً إلى الحدّ من التلوّث والعمل على تخفيف الأزمة المناخية المتفاقمة.
ونبّه الخبراء في دراستهم التي نُشرت في مجلة "نايتشر" إلى أنّ الخطّة لن تنجح إلّا إذا تحققت الأهداف الرامية إلى الحدّ من ارتفاع درجات الحرارة العالمية في إطار اتفاقية باريس المناخية المتعلّقة بالتغيّر المناخي.
وخلُص التقرير إلى أنّ توسيع نطاق الحماية ليشمل نصف المحيطات قد يكلّف بين 10 و20 مليار دولار (8 و16 مليار جنيه استرليني) سنوياً. غير أنّ ذلك سيقدم، في المقابل، عائدات أكبر قيمة بكثير من هذه التكلفة، وذلك من خلال السياحة البيئية وصيد الأسماك المستدام وتراجع المطالبات بتعويضات التأمين جرّاء العواصف والأعاصير، إذا تمّت حماية المناطق الساحلية بغابات المنغروف أو شبكات البحيرات المالحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يُشار إلى أن عدداً كبيراً من الأصناف البحرية والموائل الطبيعية والنُظم الإيكولوجية عانت من تدهورٍ كارثي مع ارتفاع حرارة المحيطات والإفراط في صيد الأسماك العشوائي والضرر جرّاء التلوّث وعمليّات الشحن.
وفي هذا السياق، يسهم ارتفاع درجات الحرارة في إضعاف إنتاجية المحيطات والحياة البرية الغنيّة فيها من خلال إلحاق الضرر بالشعب المرجانية.
ولكن الخبراء اعتبروا أنّ إعادة بناء الحياة البحرية فعلياً بشكلٍ يُحيي مجدّداً الأصناف التي تعيش في المحيطات بنسبة 50 إلى 90 في المئة خلال فترةٍ زمنيّة لا تتخطّى الجيل البشري الواحد، هو أمر قابل للتحقيق إذا اتُّخذت الإجراءات العملية اللازمة على نطاق واسع.
وسلّط العلماء الضوء على أمثلةٍ تعكس "القدرة الهائلة على الصمود" في الحياة البرية البحرية على غرار استعادة الثروة السمكية عافيتها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية عندما جرى تقليل صيد الأسماك.
وسبق أن أسهمت بعض العوامل كالحدّ من الصيد والإدارة الأفضل لمصائد الأسماك وضبط الملوّثات وإنشاء محمياتٍ، في تراجع الضغط على الحياة في المحيطات وساعدت في إعادة تكاثر بعض الأصناف.
فعلى سبيل المثال، عادت الحيتان المحدّبة المهاجرة من القطب الجنوبي إلى أستراليا وانتعشت بعدما بلغت حافة الانقراض عام 1968 ليصبح عددها الآن أكثر من 40 ألفاً. كما أنّ أعداد فيلة البحر الشمالية ارتفعت من 20 عام 1880 إلى ما يزيد على 200 ألف حالياً.
في غضون ذلك، اعتبر كارلوس دوارتي، مؤلف الدراسة وهو وبروفيسور العلوم البحرية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية، أنّنا "نملك فرصةً محدودة لترك محيطات معافاة لجيل أحفادنا، ولدينا المعرفة والأدوات اللازمة كي نفعل ذلك… إنّ الفشل في مواجهة هذا التحدّي وتوريث أحفادنا محيطات ميتة غير قادرة على دعم سبل العيش الجيّدة ليسا خيارَيْن معقولَيْن".
وحذّر بأنّنا "إن لم نعالج التغيّر المناخي ونرتقي بالطموح ونسرّع وتيرة هذه الجهود، فإنّنا نغامر بتبديد جهودنا… كما نحتاج إلى العمل جدّيّاً لتخفيف الضغط على مخزون الأسماك ومعالجة مسببات التلوّث كالنفايات البلاستيكية".
في إطار متّصل، قال الدكتور ديفيد تودور، مدير المشاريع في "مؤسسة بلو مارين" لصحيفة "اندبندنت" إنّ هذه "دراسة مهمّة وإيجابية للغاية ويتوجّب علينا التحرّك انطلاقاً من نتائجها لمواجهة تأثيرات الطبيعة والأزمات المناخية التي تعترضنا. وهي تُظهر أنّ عدداً كبيراً من مشاريع الحفاظ على الحياة البحرية التي تجري في المملكة المتحدة وأنحاء العالم كافة تعود بأثرٍ هائل على إعادة إحياء التنوّع البيولوجي للمحيط… غير أنّنا بحاجة إلى زيادة عدد هذه التدخّلات وتوسيع نطاقها، إذا أردنا الحدّ من الأثار المدمّرة لصيد الأسماك الجائر والتلوّث وفقدان الموائل الطبيعية في صحّة المحيط. من المهمّ أن تُدار المحيطات العالمية بشكلٍ مُستدام، فضلاً عن توفير أعلى مستويات الحماية للمناطق التي تحتاج إلى ذلك. هناك عددٌ كبيرٌ من المشاريع الرائعة التي تجري حالياً، سواء كان مشروع استعادة المحار في سولنت، أو العمل على نماذج للصيد المستدام في بيرويكشاير، أو توسيع خطط الحماية البحرية في جزر المالديف، غير أنّ العالم بحاجة إلى المزيد منها ونحتاج إلى ذلك فوراً".
يُذكر أنّ دراسة أُجريت العام الماضي وجدت أنّ قطع ألعاب ليغو قد تبقى في البحر لأكثر من 1300 عام.
© The Independent