تبدأ التحضيرات عادة في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) من كل عام، لإقامة القداديس خلال فترة الصوم الأربعيني للطوائف المسيحية، والتوجه إلى الأسواق وشراء الملابس والزينة، تحضيراً لعيد الفصح المجيد الذي يحتفل به العالم هذا الشهر. فالعائلات تخطط وتفكر بشعنينة العيد وشكل الشمعة التي سيحملها أطفالهم في المسير إلى الكنائس، والحلويات التي سيعدّونها، والفعاليات التي سيشاركون فيها، عدا عن تكثيف الصلوات مع حلول أحد الشعانين، الذي هو ذكرى استقبال السيد المسيح في القدس بسعف النخيل، ومن ثم أسبوع الآلام الذي فيه خميس الأسرار، والجمعة العظيمة وسبت النور، وأحد القيامة، وكل يوم منها يمثل جزءًا معيناً من قصة السيد المسيح كما وردت في الإنجيل.
لكن وبسبب انتشار كورونا في العالم، وتسجيل حالات إصابة به في مناطق فلسطينية عدّة وإعلان حال الطوارئ، ومنع التجمعات وإغلاق الكنائس أمام المصلّين، فإنه لن يكون هناك أي فعالية جماهيرية أو عائلية تتعلّق بعيد الفصح في أي كنيسة أو أي منطقة، وهذا ما دفع أشخاصاً كثيرين إلى عدم الاحتفال بأي شكل من الأشكال.
"عيد هذا العام ككل أيام السنة"
تقول سيما رشماوي من رام الله إنّ "هذا العيد سيكون كأي يوم عادي في السنة من دون أي مظهر مميز له، فهم اعتادوا مع حلول الفصح على إقامة صلاة الجمعة العظيمة في رام الله، وحضور احتفالات سبت النور، ثم الذهاب إلى مدينة بيت ساحور حيث يجتمع أفراد العائلة للّعب وتبادل الأحاديث وتناول الغداء سوياً". ولكن هذا العام وبسبب الإغلاقات ومنع التجمعات، فسيقتصر العيد عليها هي ووالدَيْها في المنزل.
الشعنينة ستوزع على البيوت
بالنسبة إلى المصور رامز عواد من قرية جفنة، فهذا العيد خالٍ من الاحتفالات والتجمعات العائلية وتناول الغداء، والصلوات في الكنيسة. فهم عادة كانوا يذهبون إلى مدينة رام الله لاستقبال قوافل توزيع النور الذي يخرج من كنيسة القيامة، والتقاط عددٍ كبيرٍ من الصور، لعدم قدرته على دخول مدينة القدس، إضافةً إلى إقامة فعاليات للأطفال وإشراكهم في الاحتفال، فالصغار يحملون زينة العيد، ويذهبون بها إلى الكنيسة. ولكن هذا العام، ستُوزع شعنينة العيد على المنازل، وكل عائلة ستتناول غداءها لوحدها، وسط أمنيات بالاحتفال في بقية الأعياد الإسلامية والمسيحية كما المعتاد من دون كورونا.
لا بيض ملون ولا حلوى
جرت العادة أن تتزين الطاولات بالبيض الملون والحلويات الخاصة بالفصح، والشوكولا بأطعمته المختلفة والمغلّفة بصور الأرانب أو الصيصان الصفراء، إضافةً إلى زينة العيد التي تملأ واجهات محال الحلويات والهدايا، ما يستهوي الأطفال، وأحياناً الكبار، ويجعلهم ينتظرونه بفارغ الصبر للمشاركة في الفعاليات المختلفة المقامة في المدارس أو البلديات أو بعض النوادي. ولكن هذه المرة، يعتمد الأمر على كل عائلة إن قررت صنع الحلويات أو تلوين البيض، أو تزيين المنزل من عدمه، ما سبّب خيبة أمل لبعض الأطفال.
ولكن بالنسبة إلى مريم شاهين من بلدة بيرزيت، فعلى الرغم من غياب الملابس الجديدة أو الخروج إلى الكنيسة للصلاة، إلّا أنّها وعائلتها قرروا صنع كعك العيد وتلوين البيض ومتابعة القداس الذي سيُبث يوم السبت، من المنزل.
بث مباشر للصلوات والمشاركة منزلية
ولأنّ التجمعات ممنوعة ودور العبادة مغلقة والأنشطة كافة متوقفة بسبب حالة الطوارئ، فإن مجلس الكنائس قرر أن تكون صلوات هذا العام مقتصرة على عدد محدود من رجال الدين، من كهنة ورهبان وراهبات داخل الكنيسة، والعمل على بث القداديس لبقية الناس عبر مواقع الإنترنت، سواء للمسيحيين الفلسطينيين الذين يسيرون بحسب التقويم الغربي أو الشرقي، في محاولة لمنع التجمعات وتعويض فرحة العيد التي بهتت بسبب الفيروس، وتعميق الجانب الروحي بالصلوات.
وقال راعي كنيسة دير اللاتين في الطيبة الأب جوني أبو خليل، إنّ السلطة الكنسية العليا قررت عدم إشراك المؤمنين في الاحتفالات والاكتفاء بإقامة صلاة واحدة في البطريركية اللاتينية في القدس بمشاركة كهنتها فقط، فيما ستُبثّ عبر التلفزيون الرسمي وشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، كي يصلي الجميع في بيوتهم. أما بالنسبة إلى المسيحيين الذين يتبعون التقويم الشرقي فسيقيمون قداساً مشتركاً في كنيسة العائلة المقدسة في رام الله، يقتصر على الكهنة والراهبات في المنطقة، ويتابعه الجميع عبر الإنترنت أيضاً من منازلهم.
لا مواكب لاستقبال النور المقدس
أما الوجهة الرئيسة للمحتفلين، فهي مدينة القدس، وبالأخص كنيسة القيامة التي تُعتبر مكان فيض النور يوم السبت، ولكن هذا العام وبسبب الإغلاقات التي فرضتها الشرطة الإسرائيلية خوفاً من تفشّي الوباء، فلن تفتح الكنيسة أبوابها أمام الآتين للاحتفال من دول العالم كافة. وأوضح راعي كنيسة الروم الأرثوذوكس في رام الله الأب إلياس عواد، أنّه جرى تجهيز كل الترتيبات الأمنية واللوجستية من أجل خروج النور من كنيسة القيامة إلى باقي الكنائس والدول، إذ سيحضر ممثل واحد عن كل منطقة يوم السبت لحمله إلى كنيسته.
وأشار الأب أبو خليل إلى أنّه منذ بداية الأزمة، بقيت الكنائس خالية من روادها الذين اعتادوا الذهاب إليها للصلاة في فترة الصوم الأربعيني. ومن أجل تعويضهم، ظهرت محاولات عدّة لتسجيل الصلوات والقداديس التي تُقام، إذ عمل كثيرون من رجال الدين على بثها عبر الإنترنت ليتابعها المؤمنون عن بعد.