للمرة الأولى يواجه الاقتصاد العالمي أول أزمة من نوعها، حيث وضع فيروس كورونا حكومات العالم أمام خيارين، إما الحفاظ على مصادر دخل الأفراد، أو العمل على إنقاذ الأرواح.
وبينما يستجيب العالم لوباء كورونا، تواجه دولة تلو الأخرى الحاجة لاحتواء انتشار الفيروس، وإن كان على حساب توقف حركة مجتمعها واقتصادها. لكن ظاهرياً، هناك مفاضلة في كيفية الاستجابة والتعامل مع الفيروس، إما إنقاذ الأرواح أو إنقاذ سبل العيش، لكن واقعياً هذه معضلة زائفة لأن السيطرة على كورونا شرط أساس لإنقاذ الوظائف.
وبحسب رؤية مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، ورئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، "فإن هذه المعضلة هي ما تجمع منظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي بشكل وثيق مع بعضهما البعض، حيث إن الأولى موجودة لحماية صحة الناس، وهي في وضع جيد لتقديم المشورة بشأن الأولويات الصحية، في حين يوجد صندوق النقد لحماية صحة الاقتصاد العالمي عبر تقديم المشورة بشأن الأولويات الاقتصادية والمساعدة أيضاً في توفير التمويل".
وتشير التقارير الرسمية إلى أن دول العالم على موعد مع فقدان مئات الملايين من الوظائف في ظل عدم وضوح الرؤية حتى الآن بخصوص ما يتعلق بالسيطرة على جائحة كورونا، التي تسببت في إغلاق أكبر اقتصاديات العالم وما ترتب عليه من خسائر حادة وعنيفة بكافة القطاعات الاقتصادية عالمياً.
85 دولة تطلب تمويلات عاجلة من صندوق النقد
وتكمن المناشدة المشتركة بين المؤسستين، خاصة في الأسواق الناشئة والاقتصاديات النامية، في الاعتراف بأن حماية الصحة العامة وإعادة الناس إلى العمل تسير جنباً إلى جنب. وبحكم تفويضها، تقف منظمة الصحة العالمية في الخط الأمامي لهذه الأزمة، وكذلك صندوق النقد حيث إنه في وقت قصير منذ بدء انتشار "كوفيد -19" بجميع أنحاء العالم، ارتفع الطلب على تمويل صندوق النقد بشكل كبير.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإنه وعلى مدار الـ75 عاماً الماضية، لم يحدث أن أعلنت 85 دولة في وقت واحد حاجتها إلى تمويل طارئ من الصندوق يتم توفيره في وقت قصير وقياسي، مع الموافقة على المشروعات الأولى بالفعل، وصرف الأموال لتوفير المساعدة التي تشتد الحاجة إليها لحماية الدول من الزيادة الكبيرة في الاحتياجات المالية في وقت الانخفاض المفاجئ بالأنشطة الاقتصادية والإيرادات.
ومع وصول التمويل لدعم الموازنات العامة المضغوطة بشدة إلى الدول التي تحتاج إليه، فلابد من وضع النفقات الصحية على رأس قائمة الأولويات. حيث إن سداد رواتب الأطباء والممرضات، ودعم المستشفيات وغرف الطوارئ، وإنشاء عيادات ميدانية مؤقتة، وشراء معدات واقية وطبية أساسية، وتنفيذ حملات توعية عامة بشأن التدابير البسيطة مثل غسل اليدين، تمثل استثمارات مهمة لحماية الناس من الوباء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير صندوق النقد، إلى أنه في العديد من الدول، تعتبر الأنظمة الصحية غير مستعدة للتعامل مع ظهور عدد كبير من إصابات كورونا، لذا من الأهمية بمكان إعطائها دفعة لذلك. وهذا يمكن ويجب أن يسير جنباً إلى جنب مع دعم الأولويات على مستوى الاقتصاد المطلوب للحد من البطالة، وتقليل حالات الإفلاس، ومع مرور الوقت ضمان التعافي.
ويجب أن تأتي أولويات الاقتصاد بالإضافة إلى الإنفاق الصحي، وليست بديلاً عنه، على أن تسهم في تقديم دعم موجه للأسر والشركات الأكثر تضرراً، بما في ذلك التحويلات النقدية، ودعم الأجور، وخفض ساعات العمل وتعزيز إعانات البطالة وشبكات الأمان الاجتماعي، والحد من ارتفاع تكاليف الاقتراض.
صعوبة كبيرة في تحقيق التوازن المطلوب
في الوقت نفسه، فإن هناك صعوبة كبيرة في تحقيق التوازن الصحيح أو المطلوب، فالنشاط الاقتصادي آخذ في الهبوط حيث تؤثر الإصابات وإجراءات مكافحة الوباء في العمال والشركات وسلاسل التوريد وفقدان الوظائف وعدم اليقين مما يؤدي إلى انخفاض الإنفاق، وتشديد الأوضاع المالية بشكل حاد، كما يضر انهيار أسعار النفط مصدري السلع الأساسية، كل ذلك مع تداعيات عبر الحدود.
وتعتمد الأسر في البلدان ذات الاقتصاديات غير الرسمية الكبيرة على الأجور اليومية، كما تجعل الأحياء الفقيرة الحضرية المزدحمة الابتعاد الاجتماعي مستحيلاً. ومع ذلك، هناك إقناع بأن تمويل الطوارئ لا يمكن أن يساعد إلا إذا حققت الدول هذا التوازن.
ويمكن لمنظمة الصحة العالمية أن تساعد في المجالات الحيوية للتنسيق مثل ضمان إنتاج وتسليم الإمدادات الطبية للدول التي تحتاج إليها، بطريقة فعالة وذات كفاءة وعادلة، من خلال تسهيل اتفاقيات الشراء المسبق على سبيل المثال. كما تعمل منظمة الصحة العالمية أيضاً مع موردي معدات الحماية الشخصية للعاملين في مجال الصحة لضمان عمل سلاسل التوريد، وهذا مجال يمكن أن يكون فيه التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى فعالاً للغاية، على سبيل المثال الاستفادة من قدرة البنك الدولي على تجميع الطلب لشراء الإمدادات الطبية بكميات كبيرة بالجملة.
فيما يعكف صندوق النقد على المساعدة من خلال مضاعفة قدرته على الاستجابة لحالات الطوارئ من 50 إلى 100 مليار دولار، مما يمكن الدول في الحصول على ضعف ما تم توفيره من أموال من الصندوق خلال حالات الطوارئ السابقة. وتمكن الصندوق من تأمين إجمالي قروض بلغ تريليون دولار الآن بفضل الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها الدول الأعضاء.
كما يزيد الصندوق من قدرته على تخفيف التزامات خدمة الديون لأعضائه الأكثر فقراً من خلال صندوق الإغاثة لاحتواء الكوارث، الذي يتلقى مساهمات سخية من كبار المانحين. وإلى جانب البنك الدولي، يدعو صندوق النقد إلى تجميد خدمة الديون من الدول الأكثر فقراً إلى الدائنين الثنائيين الرسمين، طالما أن الاقتصاد العالمي يصيبه الشلل بسبب الوباء.
كورونا يهدد 200 مليون وظيفة
في تقرير حديث، توقعت منظمة العمل الدولية، أن يشهد العالم تقليصاً بالوظائف لنحو 200 مليون من الموظفين بدوام كامل في الأشهر الثلاثة المقبلة فقط. يأتي هذا التحذير بعد حوالي ثلاثة أسابيع من توقع المنظمة تعرّض 25 مليون وظيفة للتهديد بسبب كوفيد-19، خاصة بعد فرض إجراءات الإغلاق الكامل أو الجزئي في العديد من الدول، وما حمله ذلك من تأثير في نحو 2.7 مليار عامل، أي 4 من بين كل 5 من القوى العاملة في العالم.
المنظمة أشارت إلى أنه على الرغم من أن جميع المناطق في العالم تعاني الأزمة التي تسبب بها الفيروس، فإن الدول العربية وأوروبا شهدت أسوأ تأثير في مجال التوظيف من ناحية نسبية. بينما تتركز أكبر الخسارات من ناحية الأرقام في دول آسيا والمحيط الهادئ وهي أكثر المناطق المأهولة بالسكان في العالم.
وأشارت إلى أنه في بداية العام وقبل أن يتفشى فيروس كورونا في العالم، فإن 190 مليون شخص التحقوا بصفوف البطالة. ومع الصدمة التي أحدثها الفيروس، فمن الواضح أن عالم التوظيف يعاني "تهاوياً غير عادي على الإطلاق"، بسبب تأثير الجائحة والتدابير المتخذة للتعامل معها.
وبالنسبة للقطاعات الأشد تأثراً، أشارت المنظمة إلى أنها تتمثل في 4 قطاعات، يتصدرها قطاع الغذاء والفنادق الذي يعمل به نحو 144 مليون عامل، وقطاع البيع بالجملة والتجزئة، الذي يضم 582 مليوناً، وقطاع خدمات الأعمال والإدارة بنحو 157 مليون وظيفة، وقطاع التصنيع الذي يعمل به 463 مليون شخص. المنظمة أوضحت أن جميع هذه القطاعات تشكل ما نسبته 37.5 في المئة من التوظيف العالمي، ويشعر العاملون في هذه القطاعات أكثر من غيرهم الآن بحدّة تأثير الجائحة بهم.
فيما يعمل بالقطاع الصحي والمهن الاجتماعية نحو 136 مليون شخص حول العالم، وهؤلاء يعملون بالخطوط الأمامية في الحرب ضد كوفيد-19. ولفتت المنظمة إلى أن أكبر تهديد يواجه هذا القطاع هو الإصابة بفيروس كورونا.
وأضافت، "علينا أن نضمن حماية هؤلاء العاملين وتوفير الأدوات الوقائية المناسبة لهم." وبشكل عام، عند تقييم الربع الثاني من 2020 تعتقد المنظمة أنه من المرجّح حدوث تراجع بعدد ساعات العمل نسبته 6.7 في المئة.