تخصص وزارة العدل الجزائرية أربع قاعات لعزل السجناء الجدد مدة 14 يوماً في سجن الحراش الشهير في الضاحية الشرقية للعاصمة حيث يسجن معظم المسؤولين السياسيين السابقين الذين شغلوا مناصب مرموقة خلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وتفرض الوزارة إجراءات مشددة على كل المؤسسات العقابية، لا سيما "الحراش"، بهدف منع "تسلل" فيروس كورونا بين كبار المسؤولين السابقين.
وتُفرض إجراءات صحية صارمة على المؤسسات العقابية في الجزائر منذ تسجيل أول حالات الإصابة المؤكدة بكورونا في نهاية فبراير (شباط) الماضي، بيد أن هذه الإجراءات تبدو أكثر تشدداً في سجن الحراش حيث يتواجد العشرات من كبار المسؤولين السياسيين السابقين وأبرزهم رئيسا الحكومة السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال.
وعلمت "اندبندت عربية" أن سجن الحراش خصص أربع قاعات كبرى منفصلة ومعزولة لعزل المساجين الجدد لمدة تستمر 14 يوماً، وذلك عملاً بقرار وزارة العدل الذي يأتي ضمن إجراءات احترازية مُتخذة للوقاية من كورونا لمنع أي اتصال قد يتسبب بنقل العدوى إلى المسجونين.
ومن الإجراءات المتخذة "عزل المحبوسين الجدد 14 يوماً في قاعات منفصلة عن بقية نزلاء السجن، وإخضاعهم للمتابعة والفحص الطبي"، مع تعليق زيارات أهالي المساجين مؤقتاً وحتى إشعار آخر.
وذكر المحامي أمين سيدهم الذي يرافع عن مساجين في "الحراش" لـ"اندبندنت عربية"، أن إدارة السجن "اعتمدت إجراءات صارمة غداة زيارة المساجين، بحيث يُسمح للمحامين فقط بزيارة موكليهم، لكن وفق منظومة جديدة تشترط اللقاء عبر الممرات الزجاجية والتواصل مع السجين باستعمال الهاتف من دون الاختلاط المباشر".
وأضاف سيدهم أن "زيارات العائلات عُلقت فيما يُسمح للمحامين بالزيارة ما بين الساعة 8 والـ 11 صباحاً، والواحدة والثالثة زوالاً، مع فرض حمل كمامة واقية وقفازات طبية". وأشار إلى أن "الحراس يقومون بتنظيف القاعات وتعقيمها مرة كل ساعتين، فيما يُرتجى من تجميد زيارات العائلات، منع التجمعات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"الضرورة القصوى"
من جملة الإجراءات التي قررتها وزارة العدل الجزائرية، وقف عمليات إخراج الموقوفين من قبل قضاة التحقيق إلا للضرورة القصوى، ومنع أي اتصال مباشر بين المحبوسين والمحامين ومنع إدخال المأكولات من الخارج.
وكشفت الوزارة عن تشكيل خلية أزمة على مستوى كل مجلس قضائي يترأسها النائب العام المختص وتضم بالإضافة إلى مديري السجون الأطباء العامين، وتجتمع دورياً لتقييم الأوضاع وتنسّق مع الأجهزة الصحية المختصة.
ووفق معطيات جمعتها "اندبندنت عربية"، فإن كل جلسات المحاكم الابتدائية والاستئنافية عُلِّقت باستثناء تلك المتعلقة بالموقوفين المجدوَلة قضاياهم والتي تجري من دون حضور الجمهور، وفي هذه الحالة تشترط النيابة العامة على السجين الراغب في المحاكمة تقديم طلب يرفعه المحامي لعقد جلسة عن بُعد.
وبالفعل جرت محاكمات عن بُعد على مستوى محكمة الدار البيضاء ومحكمة سيدي امحمد بالعاصمة من دون نقل المساجين إلى المحكمة.
تأجيل قضايا "رموز النظام"
من جهة أخرى، تأجلت تلقائياً كل القضايا المجدولة لكبار المسؤولين السابقين بفعل إجراءات الوقاية داخل المحاكم. ويُرافع عن كل مسؤول سابق عدد كبير من المحامين ما يجعل من أي محاكمة ولو بإجراءات التباعد مستحيلة، فأجّلت محكمة سيدي امحمد بالعاصمة الاثنين الماضي، محاكمة رجلَي الأعمال علي حداد ومراد عولمي بسبب "إجراءات عدم استخراج المسجونين إلا للضرورة القصوى".
وتخشى السلطات الجزائرية من أي إصابة محتملة بين المساجين، وتتضاعف هذه الخشية في ما يخص "رموز النظام السابق"، ما قد يضع إدارة السجون في حَرَج أمام محاميهم، الذين قد يلجؤون إلى طلب "إفراج صحي" في مؤسسات استشفائية.
وراجت منذ أيام أنباء على مواقع التواصل الاجتماعي حول إصابات غير معروفة بـ"كورونا" لمساجين في سجن القليعة (30 كيلومتراً غرب العاصمة)، حيث يقبع الناشط السياسي كريم طابو و17 من رجال الأعمال المتورطين في تهم فساد تتعلق بفترة حكم بوتفليقة.
وسريعاً أصدر وكيل الجمهورية لدى محكمة القليعة بياناً حول هذه الادعاءات، جاء فيه "ننفي نفياً قاطعاً ما تم تداوله حول تسجيل 12 حالة وفاة لمساجين في سجن القليعة بفيروس كورونا، كما تكذب المحكمة أن وزارة العدل ترفض تسليم جثامين المساجين لأهاليهم".
كما فنّد وكيل الجمهورية لدى محكمة "بئر مراد رايس" بالعاصمة، لكحل فتحي، مساء الاثنين، ما تم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي بخصوص "منشور مغلوط يدعي فيه صاحبه كذباً إصابة بعض السجناء بفيروس كورونا".
وقال إن هذه "الواقعة كانت محل تحريات معمقة، إذ تمت الاستعانة بالهيئة الوطنية لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، ومكّن هذا في ظرف وجيز من تحديد هوية الشخص صاحب صفحة فيسبوك الذي نشر هذه الإشاعة".
ومكّنت التحريات من الحصول على معلومات تفيد بأن "مستعمل حساب فيسبوك الذي روّج لهذه الإشاعة، امرأة، وهي قريبة أحد السجناء، وتقطن بولاية من ولايات الجنوب الشرقي".
"نشطاء الحراك"
وأصدر محامون قبل أيام بياناً طالبوا فيه السلطات بـ"عدم استغلال جائحة كورونا والأزمة الوبائية، للاستمرار في ملاحقة الناشطين وتوقيفهم وإصدار أحكام بالسجن ضد الموقوفين، على الرغم من أن الظرف يفرض إطلاق سراح الناشطين المعتقلين لأسباب وقضايا تخص إبداء الرأي من دون أي أفعال جنائية أو جرمية أخرى".
وجاء هذا البيان إثر استمرار إجراءات "الوقف تحت النظر" لموقوفين بسبب "منشورات تحريضية" كما وصفها القضاء. وينقل محامون أن الجلسات الخاصة بمحاكمة ناشطين عُقدت على الرغم من إجراءات الوقاية من كورونا، حيث توصي مذكرة لوزارة العدل بـ"عقلنة إجراءات المثول الفوري من قبل وكلاء الجمهورية، والاقتصار بالنسبة للتقديمات للأشخاص الموضوعين تحت النظر فقط، مع التأجيل المؤقت للأحكام السالبة للحرية بالنسبة للأشخاص الموجودين في حالة إفراج مؤقت".