يموت مهاجرون غير مسجلين لدى السلطات المختصة في المملكة المتحدة بوباء كوفيد-19، لأنهم يخشون طلب المساعدة الصحية. وقد وجّهت جمعيات خيرية ومجموعة من النواب تحذيراً في هذا الإطار، وسط تجدّد الدعوات إلى وزارة الداخلية بوجوب تعليق هيئة خدمات الصحة الوطنية NHS تدقيقها في شأن الهجرة.
وبحسب ناشطين، ففي إحدى الحالات، تُوفي رجل فيليبيني بعد الاشتباه في إصابته بفيروس كورونا الأسبوع الماضي، نتيجة عدم تمكّنه من الوصول إلى الرعاية الصحية، خوفاً من إبلاغ وزارة الداخلية عن وجوده غير الشرعي.
ووجّه 60 نائباً في البرلمان ينتمون إلى أحزاب مختلفة كتاباً إلى وزير الصحة البريطاني مات هانكوك، مطالبين إيّاه بالتعليق الفوري لفرض رسوم على استشفاء المهاجرين، وكل ما يرتبط بهم من مشاركة البيانات وتدقيقات دوائر الهجرة، التي يقولون إنها تقوّض جهود الحكومة في التصدي لتفشّي الوباء.
ويُقال إن الرجل، المعروف فقط باسم إلفيس، تُوفي في منزله في 8 أبريل (نيسان) الجاري، بعدما عانى من حمى وسعال على مدى أسبوعين. وتواجه زوجته، وهي أيضاً مواطنة فيليبينية غير مسجلة في الوثائق الرسمية الآن، أعراضاً مشابهة، لكنها تخشى كذلك من الحصول على الرعاية الصحية.
وقبل الإصابة بالمرض، كان إلفيس، الذي يعيش في المملكة المتحدة منذ نحو 10 أعوام، حيث عمل منظفاً، يرسل المال إلى أسرته في الفيليبين. وحسب ما أُفيد، فإنّ زوجته التي تعمل في المنازل، بقيت في مكان سكنهما مع جثة زوجها لمدة 24 ساعة، قبل وصول متعهّد لأخذ الجثة. ولم ترغب المرأة في التحدث مع وسائل الإعلام.
وذكرت سوزان كويفا من "اتحاد كانلانغون الفيليبيني"، وهي مؤسسة خيرية تدعم الآن زوجة إلفيس من خلال توصيل الطعام إليها، لـ"اندبندنت"، أنه على الرغم من مرض إلفيس الشديد، فقد كان يحاذر بإصرار الذهاب إلى المستشفى، خوفاً من جعله يدفع تكاليف علاجه التي لا يستطيع تحمّلها، إضافةً إلى خشيته من إبلاغ سلطات الهجرة عنه.
وأوضحت المسؤولة في المؤسسة الخيرية الفيليبينية، أن الزوجة دمرتها وفاة شريك حياتها، وهي تعيش حالاً من الرعب ترتبط بالمستقبل وبالطريقة التي ستعيل نفسها في غيابه. وتقول كويفا: "بعدما عاشت مع زوجها لمدة 10 أعوام، لا تعرف حقاً هذه المرأة ما يجب أن تفعل بحياتها هنا، خصوصاً أنها غير مسجلة رسمياً. إنها مرعوبة جداً وفي حال صدمة فعلية. لا يمكنها حتى التكلم مع أحد، لأنها تجهش بالبكاء. وبسبب حزنها، لا تعرف حتى ما إذا كانت تشعر بتحسن من مرضها أو لا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف: "لقد عاش الزوجان بشكل طبيعي في هذا البلد. لم يتمكّنا من الإعلان عن عملهما أو من الوصول إلى الخدمات العامة، لكنهما استطاعا مواصلة حياتهما معتمدَيْن بشكل كبير على نفسيهما في الاكتفاء. وقام أشخاص بتوظيفهما، ونجحا في إعالة أهلهما في الفيليبين واستئجار منزل لهما، وأن يكونا جزءاً من المجتمع".
وتقول كويفا: "نحن ندرك أن هناك عدداً من العمال غير المسجلين في وثائق المملكة المتحدة في هذا الوضع. لقد فقدوا وظائفهم بسبب الإغلاق، وهم غير مؤهلين للحصول على دعم من الحكومة. وغالباً ما يعيش هؤلاء في ظروف مزدحمة مع عمال آخرين لا يحملون وثائق، وهم يخافون جداً من الذهاب إلى طبيب أو التوجه إلى مستشفى".
رسالة النواب البريطانيين إلى وزير الصحة تتحدث عن حالة إلفيس، وتنصّ على أنّ "مجتمعات المهاجرين - المعرّضين بشكل غير متناسب لخطر الاستبعاد والوصم والتمييز - لا تتلقّى في الوقت الحالي الضمانات اللازمة".
وتفرض سياسة الرسوم الراهنة من جانب هيئة خدمات الصحة الوطنية، التي وُضعت موضع التنفيذ عام 2018، كجزء من "البيئة المعادية"، على المرضى من خارج دول الاتحاد الأوروبي، دفع زيادة بنسبة 50 في المئة عن كلفة الهيئة لمعالجتهم. وتفرض أيضاً على موظفي المستشفى أن يطلبوا إثبات أهلية من المتقدمين لنيل رعاية صحية مجانية.
وفي إطار الرد على تفشّي وباء فيروس كورونا في المملكة المتحدة، تقدم وزراء بقوانين في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي، تقضي بعدم وجوب فرض رسوم على الزائر من خارج البلاد، في إطار تشخيص الفيروس أو العلاج منه، قائلين إن "من المهم للغاية من أجل حماية الصحة العامة، أن لا يتم ردع الزائرين الأجانب عن طلب العلاج من عدوى كوفيد-19".
وعلى الرغم من ذلك، أشار الأعضاء في مجلس العموم إلى أن هذه "خطوة مرحبٌ بها لكنها لم تذهب بعيداً بما فيه الكفاية". وأضافوا "أن الإجراء لا يلغي أعواماً من سياسات البيئة المعادية بحيث قيل للمهاجرين إنهم سيتحمّلون تكاليف الرعاية الصحية، أو يُواجَهون بقوى إنفاذ قانون الهجرة عند الوصول إلى الخدمات العامة. وفي الوقت الراهن، هذا المسار يقوّض جهود الحكومة في مواجهة الوباء".
وتشير رسالة النواب البريطانيين، التي نسّقها نواب حزب العمال أيبسانا بيغوم وبيل ريبيرو آدي وزاره سلطانة، إلى أن دولاً أخرى، بما فيها أيرلندا والبرتغال وكوريا الجنوبية، قد اتّخذت فعلاً خطوات لتحسين الوصول إلى المجتمعات المهاجرة إليها، اعترافاً بأهميتها في مكافحة انتشار وباء كوفيد-19.
وتضيف الرسالة: "هيئة الخدمات الصحية الوطنية تأسّست على مبدأ الرعاية الصحية الشاملة، ولدينا الآن الفرصة لقيادة العالم في ضمان أنّ كل مَن يحتاج إلى رعاية يمكنه الوصول إليها بأمان ومن دون خوف خلال هذه الأزمة. ومن الضروري توجيه رسالة واضحة إلى مجتمعات المهاجرين في البلاد، مفادها بأنه يمكن لأفرادها طلب الرعاية الصحية عندما يحتاجون إليها، وأن يتم استيعابهم في مجتمعنا، وأن يكون لهم دور يقومون به في إطار الرد على هذه الأزمة".
وتدعو رسالة البرلمانيين الوزراء إلى تعليق فوري لجميع الرسوم التي تفرضها مرافق "خدمات الصحة الوطنية" على المهاجرين، وتعليق جميع ممارسات مشاركة البيانات بين الخدمات الصحية ووزارة الداخلية، وإقامة جدار حماية لضمان عدم مشاركة بيانات المرضى مع وزارة الداخلية أو الهيئات الأخرى، لأغراض إنفاذ قوانين الهجرة.
يأتي موقف النواب بعد طلب مماثل قدمته إلى الحكومة مجموعاتٌ طبية في وقت سابق من هذا الأسبوع، بما فيها "الجمعية الطبية البريطانية" و"أطباء العالم في المملكة المتحدة"، حذر من أن تلك التدابير قد "تقوّض الجهود الوطنية لوقف انتشار عدوى كوفيد-19".
ورأت زاره سلطانة، نائب حزب العمال عن منطقة كوفنتري ساوث أن "المهاجرين يقفون على الخط الأمامي لهذا الوباء. إنهم يشكّلون بشكل غير متناسب العامل الرئيس لموظفي الخدمات الصحية الوطنية أو لأي أدوار أخرى في البلاد، لكن البيئة المعادية أدت إلى وفاة مهاجرين - مثل إلفيس – بسبب عدوى كوفيد - 19 من دون التمكّن من تلقي رعاية صحية".
واعتبرت كريستين جاردين، المتحدثة باسم الشؤون الداخلية في حزب "الديمقراطيين الأحرار"، إنه "لمن الحيوي" أن لا يتم منع أي شخص يحتاج إلى مساعدة طبية من الوصول إلى الرعاية الصحية، خصوصاً خلال وباء فيروس كورونا. وأضافت: "للأسف، بعد التجربة الفظيعة لفضيحة ويندراش، فإنّ عدداً كبيراً من المهاجرين يتلكّأون في طلب العلاج".
ورأى براين ديكوف، الاختصاصي في الحالات القانونية في موقع Migrants Organise (منصة تلاق للمهاجرين واللاجئين)، أن "هذه البيئة المعادية في مرافق خدمات الصحة الوطنية تُعدُّ كارثةً حقيقية لعدد من أعضائنا، وتعيق الاستجابة الجماعية للوباء".
وأضاف: "يجب أن يعرف الجميع بصورة واثقة، أنه يمكنهم الحصول على الرعاية الصحية بأمان. لذا، يتعين على الحكومة تعليق الرسوم ووقف تبادل البيانات بين المستشفيات ودوائر الهجرة على الفور، واستعادة المبادئ الشاملة التي قامت عليها الهيئة".
الرد الرسمي جاء على لسان متحدث باسم الحكومة البريطانية الذي قال إن "الحكومة أضافت داء كورونا إلى قائمة الأمراض المعدية التي يمكن للجميع من خارج المملكة المتحدة تلقي العلاج بسببها أو تلقي الاختبار مجاناً".
وأكد أن "الرسوم المادية لا تنطبق على علاج المصابين بفيروس كوفيد-19"، وأنه تم تذكير مؤسسات خدمات الصحة الوطنية بأن "إجراءات التحقق من قواعد الهجرة لإثبات استحقاق الشخص الذي يطلب الرعاية المجانية، غير مطلوبة".
وختم المتحدث الحكومي بالقول: "لقد بلّغنا ذلك بوضوح وسننشر قريباً معلومات بنحو 40 لغة مختلفة، تتعلّق بمجّانية العلاج من فيروس كورونا، لضمان أن تكون الرسالة واضحة".
© The Independent