لا تنفي الجزائر نيتها إنشاء قوة دبلوماسية "ناعمة" من وراء تأسيس الوكالة الجزائرية للتضامن الدولي، بهدف تمويل مشاريع "مساعدات" في القارة الأفريقية بشكل خاص. ومنحت الجزائر خلفية استخباراتية لهذه الهيئة الدبلوماسية المدنية بعد استدعاء العقيد المتقاعد من الجهاز محمد شفيق مصباح، في مسعى لـ"استرجاع النفوذ المفقود" في القارة السمراء.
وعلى أساس نتائج تقارير رسمية جزائرية تنتقد تراجع الدبلوماسية الجزائرية في القارة الأفريقية، اهتدت رئاسة الجمهورية إلى نية تأسيس "ذراع مدنية ومالية" تتولى متابعة تمويل مشاريع في تلك القارة. وتعول رئاسة الجمهورية في الجزائر على هذه الهيئة "الوكالة الجزائرية من أجل التضامن الدولي والتنمية" على بعث ديناميكية جديدة.
ولفت الوزير المستشار الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية محند السعيد بلعيد، في مؤتمر إعلامي صباح الثلاثاء 21 أبريل (نيسان)، الانتباه إلى رغبة الجزائر "في الحصول على ديناميكية جديدة للتعاون، لأن هذه الوكالة تعدّ لـ 12 مهمة داخلية وخارجية تشرف على تمويل مشاريع في دول الجوار، الساحل الأفريقي والقارة الأفريقية عموماً"، كاشفاً أن "من مهام الوكالة أيضاً الاهتمام بتدريب الجزائريين العسكري في الخارج والأجانب في الجزائر".
"عقيد سابق في الاستخبارات"
ونصّب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، محمد شفيق مصباح، الاثنين، مديراً عاماً للوكالة، وجرى التنصيب داخل القاعة المخصصة عادة لاجتماعات المجلس الأعلى للأمن بحضور مسؤولين مدنيين وأمنيين، قد أنشأت الوكالة من خلال مرسوم رئاسي بعد إعلان تبون في خطابه يوم 9 فبراير (شباط) بقمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا عن استحداثها.
ووفقاً لبيان رئاسة الجمهورية، تضطلع الوكالة بالعديد من المهام، أبرزها المشاركة في إعداد السياسة الوطنية للتعاون الدولي وتنفيذها في المجال الاقتصادي والاجتماعي والإنساني والثقافي والديني والتربوي والعلمي والتقني، وترقية توظيف الكفاءات الوطنية في الخارج، وإقامة العلاقات مع المجموعة العلمية ورجال الأعمال الجزائريين في الخارج، وتطوير علاقات التعاون مع الهيئات الأجنبية المماثلة، إلى جانب إنجاز دراسات اليقظة الإستراتيجية في مجال تخصصها.
وشفيق مصباح من مواليد يوليو (تموز) 1949 بالعاصمة، بدأ دراسته في حي بلوزداد الشعبي، وأحرز شهادة دكتوراه الدولة في العلوم السياسية بجامعة الجزائر عام 1981. بدأ مسيرته المهنية كصحافي في الإذاعة والتلفزيون الجزائري، حيث كان المبعوث الدائم لها في باريس عام 1971.
وانخرط المدير الجديد للوكالة الجزائرية للتعاون الدولي في الجيش الوطني، ووصل إلى رتبة عقيد في جهاز الاستخبارات، ليستقيل بعدها ويلتحق برئاسة الجمهورية قبل سنوات عدة.
"قوة ناعمة"
ويذكر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر علي ربيج لـ"اندبندنت عربية"، أن "شفيق مصباح ضابط متقاعد من جهاز الاستخبارات، وهو اليوم يقتحم مجالاً في ثوب جديد، مدني ودبلوماسي بخلفية عسكرية واستخباراتية نظراً لتكوينه العسكري سابقاً"، ويضيف "بحكم خبرته وتكوينه الجامعي أيضاً أعتقد أنه سيضيف شيئاً كبيراً للسياسة الخارجية الجزائرية عبر وكالة التعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتلاحظ تقارير رسمية تراجعاً لنفوذ الجزائر في القارة السمراء على الرغم من نفوذها داخل الإتحاد الأفريقي، بيد أن معالم صناعة القرار داخل هذه الهيئة الأفريقية تبدلت إلى حد كبير، ولم يعد لسياسة الجزائر سابقاً كـ"قائدة لحركات التحرر في القارة السمراء"، تأثير في الحكومات الجديدة في البلدان الأفريقية، بل إن أكثر ما تعيبه التقارير نفسها، هو تراجع النفوذ في بلدان الجوار، لا سيما في مالي حيث أنفقت الجزائر موازنات كبيرة على اتفاقيات السلام بين الحكومة المركزية ومتمردي "الطوارق"، من دون أن يؤدي ذلك إلى أي ثقل على قرارات دولة مالي في ملفات تزعج الجزائر، لا سيما تعاون مالي في تكتلات عسكرية للساحل تشارك فيها فرنسا.
"السمعة الطيبة لا تكفي"
ويذكر علي ربيج في هذا السياق أن "الدبلوماسية الجزائرية تنتقل من الوعود والخطاب إلى الفعل لا رد الفعل، نعيش تطوراً مذهلاً للدبلوماسيات الناعمة، خصوصاً في القارة الأفريقية، والصين تقدم نموذجاً في هذا السياق عكس الولايات المتحدة الأميركية، التي تغلب القوة والعقوبات. أقول الصين نظراً لما حققته من نفوذ في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية".
وبخصوص مهام شفيق مصباح في القارة الأفريقية، يعتقد ربيج قائلاً "بالنسبة لأهداف الوكالة، أظن أنها ستتخصص في ثلاثة محاور هي الغذاء والصحة والفلاحة. وكمتابعين للشأن الدبلوماسي كنا نادينا منذ فترة وقلنا إن الجزائر لم تعد تملك بعداً استراتيجياً في القارة السمراء بسبب سياسات خاطئة بدأت منذ السبعينيات، وتعززت عام 1995 من خلال اتفاق الشراكة المتوسطي، وكاد الأمر أن يأخذ منحى أسوأ لولا فشل مشروع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في إنشاء الاتحاد من أجل المتوسط".
يقول ربيج أيضاً "اليوم يوجد تعبير عن نية وإرادة سياسية بالتفكير في العودة إلى أفريقيا بعيداً من الشعارات، وهذه الوكالة ستكون أداة أو آلية لاختراق الجدار تجاه القارة الأفريقية. الوكالة بالمختصر ستكون ذراعاً سياسية ودبلوماسية واقتصادية للجزائر، مساحة جديدة للدبلوماسية الجزائرية، وربما خلق علاقات مع بلدان أفريقية لا نملك معها تقاليد دبلوماسية عريقة أو تراجعت علاقتنا بها. حينها سيكون صانع القرار أمام خيارات عدة من أجل تغيير وجه السياسة في القارة سمراء التي نمتلك فيها سمعة طيبة".
رؤية تبون
وفي خطابه أمام القادة الأفارقة خلال مشاركته الوحيدة في قمة الاتحاد الأفريقي في شهر فبراير (شباط) الماضي، قال الرئيس تبون إن المهمة الرئيسة لهذه الوكالة هي "تجسيد رغبتنا في تعزيز الإعانة والمساعدة والتضامن مع دول الجوار على أرض الواقع، خصوصاً الدول الشقيقة في الساحل"، مضيفاً أنه "ستتم تغطية مجمل مجالات التعاون من قبل هذه الوكالة التي ستتمتع بالوسائل الضرورية كافة لإنجاز مهامها من خلال تحقيق مشاريع ملموسة ومفيدة".
وبهذا الصدد، شدد أنه سيتابع "شخصياً" برامج هذه الوكالة، وسيحرص على "إسناد الإشراف عليها إلى شخصية مقتدرة، تتمتع بالكفاءة والمهارة اللازمتين لتحقيق طموحنا في التضامن الأخوي". وأوضح أنه "لا يمكن أن تتجاهل الجزائر البلدان الشقيقة والمجاورة، ولا القارة الأفريقية التي تشكل امتداداً طبيعياً لها، وإن كنا قد فقدنا شيئاً من هذا الأمر إلى حد ما في السنوات الأخيرة، إذ كنا منصبين على شأننا الداخلي، فإننا نعتزم اليوم استعادته بسرعة وقوة ضمن الإطار المتجدد للاتحاد الأفريقي وعلى صعيد العلاقات الثنائية".