لم ينس انشغال العالم بمواجهة فيروس كورونا المستجد، قوى دولية عدّة نزاعاتها وخلافاتها حول الملف الليبي، التي تحركها مصالحها المتضاربة ورؤاها المتناقضة لشكل الحل وطبيعة الأزمة.
أحدث هذه الخلافات دارت أخيراً حول العملية البحرية "إيريني"، التي نسق لها الاتحاد الأوروبي وأعلنها قبل أسابيع، وقال إنها تهدف إلى تنفيذ القرارات المنصوص عليها في مؤتمر برلين حول ليبيا في يناير (كانون الثاني) الماضي، وعلى رأسها مراقبة تنفيذ قرار حظر توريد السلاح إلى البلد المتوسطي، الذي تربطه بأوروبا حدود بحرية واسعة، بامتلاكه الشاطئ الأطول في البحر الأبيض بطول ألفي كيلومتر، ما يجعل اهتمام القارة العجوز بملف الأزمة الليبية مفهوماً، نظراً إلى تداعيتها الجيوسياسية والأمنية المحتملة على بلدان جنوب أوروبا بشكل خاص.
وتأتي "إيريني"، التي تنتهي مهلة تفويضها في 31 مارس (آذار) 2021، بديلاً لعملية "صوفيا". وهي تهدف أيضاً إلى جمع معلومات عن تصدير المنتجات النفطية من البلاد بطريقة غير مشروعة وتعزيز قدرات خفر السواحل المحلي.
انتقاد روسي
أثار إعلان الاتحاد الأوروبي عن عمليته هذه قلق عددٍ كبيرٍ من الدول، بينها روسيا، حيث انتقد وزير خارجيتها سيرغي لافروف عدم الكشف عن تفاصيلها كاملة، قبل دخولها حيز التنفيذ.
وحث لافروف الاتحاد الأوروبي على الحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي على عمليته العسكرية، قائلاً إن "عدم استعداد الاتحاد لإطلاع الأمم المتحدة على تفاصيل العملية يثير أسئلة كثيرة".
وفيما اعتُبر دعوة إلى منع انفراد أوروبا بالملف الليبي، طالب لافروف، الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين بديل للمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، المستقيل منذ مارس الماضي، في أقرب وقت ممكن.
وحملت الدعوة رسالة أخرى، تمحورت حول الشكوك ذاتها، إذ شدد وزير الخارجية الروسي على أن "المبعوث الجديد يجب أن يكون من دولة أفريقية تقع في المنطقة عينها مع ليبيا".
رفض تركي
كما كان متوقعاً، واجهت العملية عاصفةً من التنديد والرفض آتية من تركيا، التي صرح كبار مسؤوليها وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته، أكثر من مرة، أن العملية تهدف إلى دعم هجوم قائد الجيش خليفة حفتر على طرابلس.
واستندت أنقرة في اتهاماتها للمسؤولين الأوروبيين، على اقتصار العملية على مراقبة شواطئ ليبيا وإغفال الحدود البرية، خصوصاً مع الجارة الشرقية مصر، التي تقول أنقرة إن القاهرة ترسل من خلالها الأسلحة إلى حليفها في بنغازي.
آخر هذه التصريحات جاءت على لسان أردوغان نفسه، في سياق مناقشته الملف الليبي خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي عُقد عبر الفيديو يوم الثلاثاء، في 21 أبريل (نيسان)، إذ أكد أن "بلاده ستواصل القيام بكل ما يلزم من أجل الحفاظ على مصالحها في منطقة البحر المتوسط"، في إشارة لا تخفى إلى العملية الأوروبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجدّد الرئيس التركي تأكيده على أن بلاده ستواصل دعم حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، حتى هزيمة ما سمّاه بـ"ميليشيات خليفة حفتر".
في السياق ذاته، شن المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي، هجوماً عنيفاً على فرنسا، متهماً إيّاها بـ "دعم القوات المناهضة للسلطة الشرعية في ليبيا".
واعتبر أن "فرنسا تؤمن بأن الحل الوحيد للأزمة في ليبيا، يمر عبر الوسائل العسكرية"، زاعماً بأن "باريس تحول دون تخفيف آلام الشعب الليبي، من خلال دعم حفتر الذي نسف اتفاقيات وقف إطلاق النار كافة وأعاق إنتاج النفط وقطع خطوط المياه".
ريبة الجيران
غموض التفاصيل عن عملية "إيريني"، جعل القلق منها يمتد إلى جيران ليبيا وتحديداً الجزائر، حيث أكدت الرئاسة الجزائرية على لسان الناطق باسمها محمد أوسعيد بلعيد أن "ليبيا هي دولة جارة وشقيقة"، مضيفاً في مؤتمر صحافي "لا يمكن أن يتم شيء في ليبيا من دون موافقة الجزائر، أو ضد مصالحها".
في المقابل، لم تصدر تعليقات من الرئاستين المصرية والتونسية حول العملية.
توضيحات من بروكسل
إزاء هذه المخاوف والشكوك، التي أحاطت بإعلان الاتحاد الأوروبي، أطلق الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل، تصريحات توضيحية حول أهداف العملية، داعياً كل القوى الدولية الفاعلة إلى مؤازرتها ودعمها.
وأوضح أن العملية "لا تمتلك حتى الآن الوسائل الكافية للبدء بعملها، على الرغم من إطلاقها رسمياً مطلع الشهر الحالي".
وأضاف "في مواجهة الوضع في ليبيا، تفهم الاتحاد الأوروبي أن عليه أن يتحمل جزءًا كبيراً من المسؤولية في حلّ الأزمة، التي لا تزيد فقط معاناة الليبيين، بل تؤثر في الأمن والاستقرار في دول الجوار والساحل، وأيضاً في مصالح الأوروبيين بالمعنى الواسع".
برلين تدعم "إيريني"
من جانبها، صادقت الحكومة الألمانية، الأربعاء، على مشاركة مئات من جنودها وقواتها في العملية البحرية، في خطوة اعتبرت تأكيداً لعزم الاتحاد الأوروبي تنفيذ العملية.
وصرح المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء الألماني شتيفن زايبرت، بأن "الحكومة وافقت على مشاركة قوة قد تصل إلى 300 عسكري ألماني في العملية حتى 30 أبريل" 2021، مشيراً إلى أن "هذا القرار يتطلب مصادقة البرلمان الألماني قبل دخوله حيز التنفيذ".
وقال أستاذ العلوم السياسية فرج الشطشاط إن "الخلافات التي تصاعدت أخيراً حول العملية البحرية الأوروبية لا تتعلّق فقط بتعارض المصالح والخلافات حول ليبيا، بل هي جزء من الحرب الدولية التي ما زالت باردة حتى الآن حول مصادر الطاقة في المتوسط".
وحذّر الشطشاط في حديث لـ"اندبندنت عربية"، من تداعيات هذا الخلاف الدولي على الأزمة الليبية، قائلاً "من المكاسب القليلة التي تحققت في ختام مؤتمر برلين، التوافق الدولي حول أزمة ليبيا بعد طول خلاف"، ومعرباً عن اعتقاده بأن "عملية إيريني هي اختبار حقيقي لمدى قوة أو هشاشة هذا الوفاق الدولي، الذي تم التهليل له بشكل كبير بعد مؤتمر برلين".