توقع عدد من المؤسسات البحثية والاستشارية المعنية بسوق الطاقة أن تمتلئ المخزونات الأميركية تماماً بحلول منتصف مايو (أيار) المقبل، ما يعني أن المنتجين الأميركيين سيكون عليهم وقف الإنتاج في كثير من الآبار، خصوصاً في حوض بارميان غرب تكساس، الذي يعد أكبر منطقة لإنتاج الغاز والنفط الصخري في أميركا الشمالية.
ورغم ما بدا من ارتداد في الأسعار بعد الانهيار غير المسبوق لأسعار النفط في عقود تسليم مايو قبل نهايتها بيوم الأسبوع الماضي، فإن أسعار الخام الأميركي الخفيف تسليم يونيو (حزيران) لا تزال أقل من مستواها السابق بنحو الثلث.
ومع استمرار الطلب العالمي، وفي السوق الأميركية، منخفضاً حتى مع التوقعات بقرب فتح الاقتصاد وتخفيف إجراءات الحظر المفروضة لمنع انتشار فيروس كورونا، لا يتوقع المحللون أن ترتفع الأسعار بالقدر الذي يخفف الضغط على شركات النفط الأميركية.
ويضاعف من مشكلة الأسعار توقعات من ماكينزي وود ورايستاد إنرجي وغيرهما بأن طاقة التخزين الأميركية الباقية ستمتلئ تماماً في غضون نحو أسبوعين، ما يجعل خفض الإنتاج أمراً حتمياً وليس اختيارياً أمام الشركات الأميركية بسبب تدني الأسعار.
وبدأت مؤشرات ذلك بالفعل مع خفض مصافي النفط الأميركية إنتاجها إلى مستوى 67 في المئة تقريباً مع أنها في مثل هذا الوقت من العام، أي قبل موسم السفر للأميركيين، تعمل بطاقة لا تقل عن 90 في المئة.
لكن الطلب على المشتقات في السوق الأميركية في تراجع واضح ومضطرد، بخاصة الطلب على البنزين الذي هوي في الأسبوع الثاني من أبريل (نيسان) الحالي بنسبة 40 في المئة تقريباً. وحتى مع إعادة فتح الاقتصاد الأميركي تدريجياً لا يتوقع كثيرون أن يعود الطلب على البنزين للارتفاع بوتيرة كبيرة.
ووصل الأمر في الولايات المتحدة إلى طرح البعض استخدام خطوط الأنابيب كوسيلة تخزين للنفط، مع ما يعنيه ذلك من وقف الإنتاج وتدفق الخام حتى تعود السوق للتوازن. ونشرت وسائل الإعلام حول العالم في اليومين الأخيرين صور ناقلات النفط العملاقة التي تقف في المياه قرب الشواطئ الأميركية، وقد دُفع لها لتقف بحمولتها التي تبلغ نحو مليوني برميل لكل ناقلة حتى يجد المشترون مساحة تخزين.
دعم لن يكفي
ويشكك أغلب الاقتصاديين الأميركيين وخبراء قطاع النفط في أن الدعم الذي وعد به الرئيس الأميركي دونالد ترمب لقطاع الطاقة سيحل مشكلة شركات النفط. فالأغلب أنه سيستخدم أموال الخزينة التي أقرها الكونغرس لدعم الاقتصاد في شراء ملايين براميل النفط للمخزون الاستراتيجي، شراءً على الورق، أي يدفع ثمنها للشركات كي تستطيع البقاء ولمنع إفلاسها ثم تستلم الحكومة النفط حين تتوازن السوق وتتوفر طاقة تخزين.
وربما لا يفيد ذلك لأن أغلب الشركات الأميركية، بخاصة العاملة في مجال النفط الصخري تخسر إذا نزل سعر البرميل عن 40 دولاراً، ويمكن للشركات الكبيرة منها التي لا تعاني ضغط ديون هائلة أن تتحمل حتى سعر 30 دولاراً لبرميل مزيج غرب تكساس لفترة قصيرة. أما السعر الذي يمكن كل الشركات العاملة في إنتاج النفط الصخري في الاستمرار فهو سعر 55 دولاراً للبرميل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشكك أغلب المحللين أن يصل سعر الخام الأميركي إلى متوسط 40 دولاراً أو أعلى قبل نهاية عام 2024. وهذا ما جعل أغلب شركات الاستشارات والتحليلات التي تراقب قطاع النفط الصخري أن تتوقع زوال 70 في المئة من الشركات العاملة في حوض بارميان وحوض شمال داكوتا في الشهور المقبلة.
فمشكلة أغلب الشركات العاملة في مجال النفط الصخري أنها اقترضت بكثافة لتمويل التوسع في الإنتاج، حتى أصبحت ديونها أكبر من عائداتها بكثير. ولا تتحمل تلك الشركات التوقف عن الإنتاج، الذي تجبر عليه الآن ليس فقط لعدم الخسارة بسبب الأسعار المتدنية ولكن نفطها الذي تنتجه لا يجد مكاناً حتى لتخزينه، فضلاً عمن يشتريه.
لهذا فقدت شركات النفط على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في بورصة نيويورك نحو نصف قيمتها منذ مطلع العام، ولم تعد تتجاوز قيمتها السوقية الإجمالية 633 مليار دولار؛ أي أقل من نصف قيمة شركة واحدة مثل مايكروسوفت.
وتشكل شركات النفط النسبة الأكبر من 16 في المئة من الشركات الأميركية التي يطلق عليها وصف "زومبي"، أي تتجاوز ديونها عائداتها النقدية بكثير.
تبخر ملايين البراميل الإضافية
كان لإنتاج النفط الصخري الدور الرئيس في زيادة الإنتاج الأميركي بنحو الثلثين في الأعوام العشرة الأخيرة، حتى أصبحت أميركا أكبر منتج للنفط في العالم. وأغرى ذلك كثيرين بالاستثمار في إنتاج النفط الصخري، الذي يتضمن حفر آبار باستمرار أفقياً على أمل إضافة 4.8 مليون برميل يومياً للإنتاج الأميركي في السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة.
المفارقة أن تلك الشركات لن تتمكن حتى من الحفاظ على المستويات الإضافية من الإنتاج التي وصلت إليها في السنوات الأخيرة، ناهيك عن أن تضيف جديداً. وبحسب أحدث تقديرات شركة أبحاث الطاقة رايستاد إنرجي، فإن التوقف عن إضافة آبار أفقية جديدة، بدءاً من أبريل (نيسان) الحالي فإن إنتاج النفط الصخري الأميركي سيهبط بنحو مليون برميل يومياً في مايو (أيار)، ومليوني برميل يومياً في يونيو (حزيران) و3 ملايين برميل يومياً في يوليو (تموز). وتقدر الشركة أن نصيب حوض بارميان من هذا الهبوط في الإنتاج سيكون النصف تقريباً.
وهكذا يمكن أن يفقد الإنتاج الأميركي نحو نصف الزيادة التي حققها في نحو عقد من الزمن، التي كانت بفضل زيادة إنتاج النفط الصخري وستتبخر أيضاً بتوقف إنتاج النفط الصخري. وكما يجمل متخصص نفطي الأمر فإن "منتجي السوق الحر، من خارج أوبك+، الذين لم يتعهدوا بأي خفض للإنتاج لضبط توازن العرض والطلب في سوق النفط سيضطرون إلى تخفيض أكبر في إنتاجهم بفضل عوامل السوق التي ستفرض عليهم ذلك".