دخلت الولايات المتحدة والصين في حرب جمركية شعواء منذ عام 2018، عبر جولات متعددة تضمنت فرض رسوم جمركية على الإمدادات الطبية الأساسية من الصين، بما في ذلك الملابس الواقية الطبية ومعدات الحماية الشخصية وأنظمة التصوير المقطعي المحوسب وأغطية الرأس الطبية التي يمكن التخلص منها، وجميعها معدات طبية تحتاج إليها الولايات المتحدة اليوم أكثر من أي وقت مضى في مواجهتها لوباء (كوفيد-19).
في الوقت نفسه، تسبّب فيروس كورونا سريع الانتشار إلى نمو حالات الإصابة بوتيرة متسارعة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة التي تشهد اليوم أكبر عدد من حالات الإصابة والوفيات المبلغ عنها، حيث تم تسجيل مليون إصابة وأكثر من 56 ألف حالة وفاة، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن (وورلدميترز).
يانتشونغ هوانغ، كبير زملاء الصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية، قال لشبكة "سي أن بي سي"، إنه بمقارنة النهج الأميركي بالدول الأخرى التي تتبع نهجاً "أكثر مرونة" تجاه استيراد معدات الوقاية الشخصية، فإن فرض التعريفات قد قوّض بشكل أكبر استعداد الولايات المتحدة واستجابتها للجائحة.
مع اشتداد حدة تفشي فيروس كورونا في المدن والولايات الأميركية الكبيرة، يتدافع العاملون في مجال الرعاية الصحية للحصول على معدات الحماية ويكافحون نقصها مع ارتفاع عدد الحالات.
سوزان شيرك، نائبة مساعد وزيرة الخارجية السابقة في إدارة كلينتون لـ"سي أن بي سي"، قالت إن الصين بدأت في زيادة إنتاج المعدات الطبية الحرجة مع انتشار الوباء في يناير (كانون الثاني) الماضي، وجمعت فائضاً كبيراً من معدات الحماية الشخصية، والتي تحتاجها الآن منشآت الرعاية الصحية الأميركية "بشكل ملح".
وأضافت شيرك، أستاذة الأبحاث في جامعة كاليفورنيا- سان دييجو ورئيسة مركز الصين للقرن الحادي والعشرين بالجامعة، أن أي عقبة في طريق الاستيراد السريع لهذه المعدات يمكن أن تتسبب في وفاة المزيد من الأشخاص بسبب المرض.
في تقرير منفصل، حذر معهد بيترسون للاقتصاد الدولي (PIIE) من أن الحرب التجارية للرئيس دونالد ترمب مع الصين يمكن أن تهدّد "بشل" الحرب الأميركية ضد جائحة الفيروس.
ووجد مركز الأبحاث أن 3.3 مليار دولار من واردات منتجات الرعاية الصحية الحيوية لا تزال تواجه تعريفات بنسبة 7.5 في المئة، في حين أن 1.1 مليار دولار من الواردات التي يمكن أن تعالج (كوفيد-19)، ظلت تخضع لتعريفات بنسبة 25 في المئة حتى بعد أن قامت الإدارة الأميركية بقطع وإيقاف بعض التعريفات مؤقتاً.
وبحسب معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، فإن تعريفات الإدارة الأميركية على المنتجات الطبية الصينية قد تسهم في النقص وارتفاع تكاليف المعدات الحيوية في وقت الأزمات الصحية على الصعيد الوطني.
وربما دفعت السياسات الأميركية، بكين إلى بيع العديد من منتجاتها الطبية إلى دول أخرى بدلاً عن الولايات المتحدة. وتشمل بعض هذه المنتجات معدات واقية للأطباء والممرضات ومعدات عالية التقنية لمراقبة المرضى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفقا لبيانات المعهد، لا يزال نحو 100 مليار دولار من المدخلات الوسيطة من الصين يواجه تعريفات بنسبة 25 في المئة، مما يرفع تكاليف قِطع الغيار والمكونات لمصنعي المنتجات الطبية الأميركية.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أيضاً أن جنرال موتورز كانت تسعى إلى تخفيف التعريفة الجمركية على بعض فئات أجزاء أجهزة التهوية القادمة من الصين، والتي كانت تواجه تعريفة بنسبة 25 في المئة، من أجل "تخفيف العبء" عن إنتاج أجهزة التنفس الصناعي التي ستدعم استجابة واشنطن ضد فيروس كورونا.
وكانت الولايات المتحدة والصين قد وقعتا في يناير الماضي المرحلة الأولى من اتفاقية تجارية، تعهدت خلالها الصين شراء بضائع أميركية إضافية بقيمة 200 مليار دولار خلال السنتين المقبلتين، وتضمن الاتفاق أيضا بنوداً تتعلق بحماية الملكية الفكرية استجابة لمطلب أميركي آخر، وشكلت الاتفاقية هدنة مؤقتة كان يُنظر إليها على أنها تمهّد لإنهاء الحرب التجارية المستعرة بينهما منذ سنتين.
الحواجز الجمركية
في وقت مبكر من 2018 و2019، حذر مقدمو المنتجات الطبية بالفعل من الرسوم الجمركية على الإمدادات الصحية، حيث حذروا من أنها ستؤدي إلى ارتفاع التكاليف وتعطيل سلاسل التوريد.
في الوقت الذي يضاعف فيه ترمب موقفه الحمائي - ليس فقط مع الصين، ولكن أيضاً مع الاتحاد الأوروبي والمكسيك- يمكن أن تجد واشنطن نفسها خارج الوقت والخيارات لأنها تسابق لاحتواء تفشي فيروس كورونا، كما يقول الخبراء.
ووفقا لروبرت زوليك، الرئيس السابق للبنك الدولي ونائب وزير الخارجية الأميركي السابق، فإن التهديدات الجمركية الأميركية ضد المكسيك - ثاني أكبر مصدر لمعدات الوقاية الشخصية والملابس الطبية الواقية للولايات المتحدة- قلّلت من قابلية شراء هذه المواد من هناك.
وقد تواجه واشنطن أيضاً صعوبات في الحصول على الإمدادات الطبية التي تشتد الحاجة إليها من الاتحاد الأوروبي، المصدر الرئيس، بما في ذلك معدات الأشعة السينية ومعقمات اليد مع تفشي فيروس كورونا في دول الاتحاد، والتي توجهت بعض دوله، مثل إيطاليا وإسبانيا، نحو الصين لتلبية احتياجاتها الماسة من المعدات والأجهزة الطبية مع تفشي فيروس كورونا بقوة في تلك البلدان.