تُلقبّها العاملات الآسيويات في المغرب "ماما حياة". حياة برحو ناشطة مغربية، حوّلت بيتها في مدينة سلا إلى ملجأ للمهاجرات الآسيويات اللواتي تعرّضن للعنف والاحتجاز في بيوت مشغلهن.
توفر حياة للعاملات الآسيويات المأكل والمشرب، وتعمل جاهدة على استعادة جوازات سفرهن المحجوزة لدى مشغلهن.
"على الرغم من الحجر الصحي، أعمل على التواصل مع العاملات الآسيويات ضحايا الاستغلال، لأنّ مُعاناتهن تضاعفت خلال هذه الفترة"، تقول حياة.
وتتفاقم معاناة العاملات الآسيويات بسبب أزمة كورونا، على خلفية فقدان غالبيتهن عملهن. وتقول حياة في هذا الصدد "وجّهنا نداء إلى السلطات، نُطالب بدعم العاملات الآسيويات، لأنهن متضرّرات من الأزمة".
تعمل حياة ممرضة في المستشفى الإقليمي في مدينة سلا، وتُحاول أن توفّق بين التزاماتها المهنية ونضالها للدفاع عن حقوق العاملات الآسيويات، اللواتي تتعرض كثيرات منهن للاستغلال في البيوت.
وتُضيف حياة "في هذا الصباح، اتصلت بنا إحدى العاملات الآسيويات، ونجحنا في الوصول إليها ومساعدتها".
رقم هاتف حياة لدى غالبية العاملات الآسيويات في المغرب، يتّصلن بها عندما تُواجههن صعوبات أو يتعرّضن للاستغلال من المشغل.
"حرمانهن من حقوقهن"
يُشكّل إغلاق الحدود عائقاً أمام العاملات الآسيويات الراغبات في العودة إلى وطنهن. و"لدينا حالياً في المقر عاملتان عالقتان، ترغبان في العودة إلى بلدهما، وأخريات ما زلن عند مشغلّيهن ينتظرن انتهاء الحجر الصحي للعودة إلى بلدهن أو البحث عن عمل آخر".
تعتبر حياة أنّ بعض العائلات المغربية تستغلّ الحجر الصحي، لحرمان العاملات الآسيويات من حقوقهن.
يُشار إلى أن البرلمان المغربي صادَق على مشروع قانون رقم 19.12 الذي يحدّد شروط التشغيل والعمل المتعلّقة بالعمال في المنازل.
وفرض القانون على صاحب البيت بصفته المشغل، إنجاز تصريح للعامل وضمان بعض الحقوق، من بينها الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية والتعطّل عن العمل خلال الأعياد الدينية والوطنية، كما يمنح القانون حق التغيّب لأسباب عائلية وصحية.
عاملات غير مصرح بهن
في السنوات الماضية، انتشرت ظاهرة تشغيل العاملات الآسيويات في بيوت الأثرياء في المغرب. ويرجع ذلك إلى رغبة العائلات في إيجاد خادمة تهتم بأشغال البيت وتُعلم أطفالهن اللغة الإنجليزية.
وتؤكد حياة أنّ "المهاجرات الآسيويات، اللواتي يشتغلن في البيوت ومراكز التدليك وفي المطاعم، أصبحن من دون دخل بسبب أزمة كورونا، كما سرّح بعض المشغلين العاملات في البيوت إلى حين انتهاء الأزمة".
وخصصت السلطات المغربية برنامجاً مؤقتاً حتى يونيو (حزيران) المقبل لتوزيع دعم شهري يراوح بين 800 و1200 درهم (نحو 80 و120 دولاراً) للأسرة شهرياً بحسب عدد أفرادها الذين توقفوا عن العمل في القطاع غير المنظم بسبب الوباء.
ويُموَّل البرنامج من صندوق أُنشئ لمواجهة الأزمة، وحُدّد رصيده مبدئياً بعشرة مليارات درهم (نحو مليار دولار) من الميزانية العامة، لكنه فاق 33 مليار درهم (نحو 3.3 مليار دولار) بفضل تبرعات شركات خاصة ومؤسسات عامة وأفراد.
وبحسب حياة برحو، فغالبية العاملات غير مصرّح بهنّ من طرف مشغليهن لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ولا يملكنَ بطاقة "راميد"، وثيقة خاصة بنظام المساعدة الطبية، مشيرةً إلى أنّ هذا ما حرمهنَّ من الاستفادة من المساعدات المصروفة لفاقدي الشغل والطبقة الفقيرة في المغرب.
وتعتبر حياة أنّ كورونا كشفت عن معاناة أخرى للعاملات الآسيويات في جميع القطاعات، ليس العاملات في المنازل فحسب، مطالبةً بضرورة إنصافهن ومنحهن حقوقهن كباقي العاملين المغاربة.
مساعدات
نشطت حياة في جمعيات ونقابات عمالية، قبل أن تُقرر تأسيس "هيئة التضامن مع المهاجرين الآسيويين" عام 2015.
وتعزو حياة رغبتها في الدفاع عن حقوق المهاجرات الآسيويات إلى معاينتها ارتفاع العنف ضدّهن، نظراً إلى عملها في المستشفى وتواصلها مع عاملات من دول آسيوية، ضحايا العنف.
تتواصل حياة مع المشغل هاتفياً بهدف استعادة جواز سفر العاملة، وأحياناً تحتجّ أمام بيوت العائلات التي تحتجز العاملة للمطالبة بإطلاق سراحها، وتخوض دعاوى قضائية لاسترجاع حقوق العاملات.
وإضافةً إلى المساعدة "في استعادة جوازات سفرهن، نوفر لهن مسكناً ومأكلاً ومشرباً، ومن ترغب في البقاء في المغرب، نبحث لها عن عمل آخر. وبالنسبة إلى الراغبات في العودة إلى بلدهن، نوفّر لهن تذكرة السفر من خلال التنسيق مع مكتب المنظمة الدولية للهجرة، الذي يُساعدهن على تأسيس مشروع خاص لإعالة أسرهن في وطنهن".
دعم عائلي
تُنفق حياة على إيواء المهاجرات الآسيويات من ميزانية أسرتها، وتتجنّب طلب الدعم من الحكومة المغربية، لكي تُحافظ على استقلالية عملها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويدعمها زوجها إسماعيل في نضالها، فيستقبل الزوجان العاملات ضحايا العنف. وأصبحت ابنة حياة تُتقن اللغة الفيليبينية بسبب تواصلها المستمر مع العاملات اللواتي تستقبلهن والدتها في البيت.
لا يتوقف هاتف حياة عن الرنين، إذ تواصل الاستماع إلى معاناتهن وتساعدهن على استعادة جوازات سفرهن المحجوزة.
ويُقدّر عدد العاملات الآسيويات في المغرب بـ 10 آلاف، وفق هيئة التضامن مع المهاجرين الآسيويين.
فرحة عودتهن إلى أوطانهن
وتُناضل حياة ضد شبكات الإتجار بالعاملات الآسيويات في المغرب، كما شاركت في عدد من الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بحماية هذه الفئة من استغلال الوسطاء والسماسرة.
وتُعتبر حياة بالنسبة إليهن "الأم البطلة"، لأنها تُنقذهن من الاستغلال وتُناضل لأجل الدفاع عن حقوقهن وتُواجه أحياناً صعوبات في سبيل تحرير العاملات، ضحايا الاستعباد والاحتجاز.
وتقول الناشطة إنّ سعادتها لا توصف عندما تنجح في إعادة عاملة آسيوية إلى وطنها، فيما تتواصل العائدات منهن إلى وطنهن مع حياة بشكل مستمر.
وعلى الرغم من أزمة كورونا وعملها ممرضة في الصفوف الأمامية لمواجهة الفيروس وإنقاذ أرواح المرضى، ما زالت حياة تُناضل لأجل إيصال صوت المهاجرات الآسيويات. وتُقدم لهن الدعم في انتظار عودتهن إلى أوطانهن أو إيجاد عمل آخر لهن في المغرب، بحسب رغباتهن.