هل خطر ببالك يوماً التجوّل في متاحف ومعارض العالم وأنت جالسٌ في بيتك؟ لا وقوف في طوابير قطع التذاكر، ولا دفع كلفتها، ولا منع للطعام أو الشراب. تجربة تبدو لطيفة ومثيرة في آنٍ، وتبدو لكثيرين كحلمٍ تحقق، بخاصة أولئك الذين لا وقت لديهم للسياحة أو لا يملكون المال لذلك، على الرغم من شغفهم بمشاهدة الآثار واللوحات والقصور والحضارات، إضافةً إلى الدول ومعالمها.
وعمدت بعض الدول إلى فتح أبواب متاحفها للزوار بشكلٍ افتراضي بسبب الحجر المنزلي الذي فرضه فيروس كورونا، وأثرّ على قطاعاتٍ عدة بشكلٍ متفاوت، إلا أن قطاع السياحة قد يكون أحد أكبر ضحاياه.
العالم يشرّع أبواب متاحفه
رحلةٌ مشهديّةٌ من وراء شاشة الكومبيوتر أو الهاتف أو اللوحات الإلكترونية، قد لا تبدو كافيةً، لكنها من دون أدنى شكّ تتناسب وأوضاع الإقفال والحجر.
متاحفٌ عالميةٌ وصالات عرض للفنون ومواقع أثرية تنظّم جولات افتراضية مجانية لزوارها، وتتيح لهم زيارتها والتأمل بالمعروضات المنتشرة في أروقتها من كل الزوايا والأبعاد. وحذت مؤسسات ومعارض دولية عدة على امتداد العالم حذو تلك المتاحف.
وعلى الرغم من أن الجولات الافتراضية على المعالم والمتاحف ليست بجديدة بحد ذاتها، فإن فيروس كورونا المستجد جعلها معروفة ومطلوبة أكثر في ظل الحجر المنزلي. وسهّل تلك الجولات، امتلاك تلك المواقع السياحية تطبيقات إلكترونية.
متحفا "اللوفر" و"أورسيه" في باريس، و"فان غوغ" في أمستردام، والمتحف البريطاني، و"متروبوليان" في نيويورك، والمتحف الوطني في واشنطن، و"بيرغامون" في برلين، و"أوفيزي" في فلورنسا، و"إرميتاج" في بطرسبرغ الروسية، ومتاحف أخرى في العالم فتحت أبوابها الافتراضية من مواقعها الإلكترونية أو عبر موقع "غوغل" للفنون والثقافة وتطبيقه الخاص الذي يضمّ أكثر من ألفي معرض في 80 دولة، إضافة إلى معلومات قيّمة عن الدول وحضاراتها وموسيقاها وسكانها وطعامها، مع جولات افتراضية على طرقاتها ومعالمها وآثارها عبر "غوغل ستريت فيو".
كذلك، قدّمت وزارة السياحة والآثار في مصر جولات افتراضية على عدد من المناطق الأثرية والمعابد والمقابر الملكية، إضافة إلى إرشادات عن القطع الأثرية والتماثيل.
أما في تركيا، فأُطلق تطبيق مجاني للسفر الافتراضي باسم "بيري piri"، وشهد إقبالاً كبيراً من الأتراك والأجانب كونه مفصّلاً باللغتين التركية والإنجليزية، ويتيح لمستخدميه إجراء جولات سياسية تمتاز بتعليقات صوتية من أدلاء سياحيين من تركيا والعالم خلال دقائق معدودة. ويتضمن التطبيق نحو 150 جولة تغطي 20 دولة، بعضها مجاني تماماً وبعضها بأسعار تترواح بين نحو 3 و 9 دولارات أميركية.
وفي لبنان، أعلنت المديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة، عن إتاحة إمكانية إجراء زيارة افتراضية للمتحف الوطني ومواقع أثرية أخرى، مثل بعلبك وجبيل وقلاع صور وصيدا والمسيلحة وغيرها من دون دفع أي رسوم.
السياحة الافتراضية في لبنان
وتقول مارسيل صليبا خوري، المرشدة السياحية المرخصة من وزارة السياحة اللبنانية، وتعمل كدليل سياحي منذ عام 2004، إن "وزارة الثقافة كانت سبّاقة منذ بدء الحجر المنزلي إلى الإعلان عن الزيارات الافتراضية، وكان هذا المفهوم معروفاً من قبل في المتحف الوطني وقلاع صور والمسيلحة وصيدا السياحية، وتمّت الإضاءة عليه أثناء فترة الحجر، حيث بات الإنترنت الطريقة شبه الوحيدة المتاحة للتواصل ومشاهدة هذه المواقع، بخاصة للأشخاص الذين لم يسبق لهم زيارتها من قبل، أو الذين يرغبون في مشاهدتها مرة أخرى".
وتعتبر خوري أن "ما يختلف بين الزيارة الافتراضية والزيارة العادية هو التواصل الإنساني، حيث لا وجود لدليل سياحي يخبر قصص الأماكن وتاريخها ويتناقش مع السياح". وتؤكد على أن "هذا التواصل الذي فُقد أثناء انتشار الفيروس كان يُعدّ قيمة مضافة كبيرة، ولا تقدمه الزيارات الافتراضية". وأضافت أن "الموقع الأثري في الجولات الافتراضية يمكن مشاهدته بالأبعاد الثلاثية لدرجة نشعر فيها أننا موجودون على عين المكان. الأمر يختلف مع السياحة العادية، إذ أن المشهد يكون أفضل مع الإحساس برائحة البحر والهواء في صور، وحرارة الشمس في صيدا ولمس الحجر في بعلبك".
أما عن وضع لبنان الاقتصادي، فتقول إنه "تأثر بشكلٍ كارثي بعد تفشي وباء كورونا، وفرض الحجر المنزلي، وإن الوضع السياحي مشلولٌ، فالسياحة تعتمد أولاً على وسائل النقل. وفي ظل توقف حركة الطيران، من الطبيعي أن تتوقف السياحة من الخارج وحتى داخل البلد الواحد بسبب عدم تنقل الناس، ما شلّ السياحة الداخلية أيضاً. الوضع مأساوي، ولا يُعرف متى قد يستعيد هذا القطاع نشاطه الطبيعي، وما هو حجم التداعيات المادية".
وتطرقت المرشدة السياحية اللبنانية إلى سبل مواجهة بعض الجهات للصعوبات المكبِّلة التي فرضتها فترة الحظر، فقالت إن "بعض الشركات السياحية حاولت أن تبقى على تواصل مع الزبائن عن طريق إرسال رسائل وفيديوهات تؤكد عودتها بعد الأزمة. كما أن بعض الشركات وللمحافظة على مدخول قليل أنشأت رحلات افتراضية منظمة إلى الدول التي عادةً ما تسفّر زبائنها إليها، بمبلغ بسيط جداً". وترى خوري أن هذه النشاطات تسمح للشركات بإدخال قليل من المال الذي قد تؤمّن من خلاله دفع إيجار المكتب ورواتب الموظفين، وتسمح للأشخاص المحجورين السفر ولو افتراضياً، ليكتشفوا بلداناً لم يزوروها من قبل أو يعاودوا زيارة دول مرّوا عليها وأحبوها. ويضفي ذلك جواً إيجابياً ويشجّع الأشخاص على السفر فعلياً في وقت لاحق إلى وجهة أحبوها من خلال العالم الافتراضي".
أما عن جولات المتاحف العالمية، علّقت المرشدة السياحية بأنها "تتيح لكثيرين القيام بزيارات قد لا تُتاح لهم الفرصة لتحقيقها في الواقع، وهذه إحدى الإيجابيات، إضافة إلى المشاهدة ثلاثية الأبعاد القريبة من كل قطعة، مع إمكانية الاستغراق في مشاهدتها، إذ نملك متسعاً من الوقت في العالم الافتراضي. وقد لا تسمح الزيارة الفعلية للمتحف تفقد القطع المعروضة بهذه الدقة، إلا أنه لا شيء يعوّض الزيارة والمشاهدة الحقيقية للمعروضات في المتحف ولونها والتنقل بين الأروقة والاستماع إلى الشروحات".
وزادت أنه "مع بداية عام 2020، بدأت نقابة الادلاء السياحيين سلسلة محاضرات عن السياحة الدينية في لبنان، لكنها توقفت مع انتشار الفيروس وفرض الحجر المنزلي، ثم استؤنفت على تطبيق (زووم) ولاقت اهتماماً كبيراً وحظيت بحضور لافت يصل إلى مئة شخص في الوقت ذاته أحياناً، وهي تطرح مواضيع مهمة مثل جبل حرمون، والتقاليد والطقوس المرتبطة بزيارته، وجنوب لبنان كأرض مقدسة والسياحة الدينية عامة في لبنان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
افتراض بالزمن أيضاً
في سياق متصل، يؤكد الباحث في مجال السياحة، ربيع الخطيب، أن "تجربة زيارة المتاحف افتراضياً كانت موجودة قبل انتشار فيروس (كوفيد 19)، وكانت متاحف عالمية عدة تقدم هذه الخدمة. ولكن في لبنان لم نكن معتادين عليها قبل الحجر". وأضاف إنها "فكرة بسيطة جداً، وهي صور تغطي مساحة الموقع بطريقة تتيح رؤيتها عن كثب".
وكان الخطيب في رسالة الدكتوراه التي قدمها منذ سنوات في مدريد، بحث في موضوع "الواقع المعزز في السياحة الافتراضية" augmented reality in virtual tourism وهي نوع من التكنولوجيا الخاصة بالهواتف والأجهزة الذكية الموصولة بشبكة الإنترنت تمكّن السائح من مشاهدة المعلم السياحي في وضعه الحالي، وكيف كان في زمنه، وكيف تحوّل وصولاً إلى الزمن الذي نعيشه فيه اليوم.
يُذكر أن اليوم العالمي للمتاحف يصادف 18 مايو (أيار) المقبل، وبدأ الاحتفال به منذ عام 1977 فتفتح بعض أشهر متاحف العالم أبوابها مجاناً للزوار، وتُنظم فاعليات ثقافية لأيام عدة.
لزيارة المتحف الوطني في لبنان:
https://goo.gl/maps/c3tCxDaUqjmgjBHK8