أعلنت دار نشر غولديندال "Gyldendal" الدانماركية، عن وفاة الشاعر الدانماركي ذي الأصول الفلسطينية يحيى حسن، عن عمر 24 عاماً. وهو ما أكّدته عائلة الشاعر في بيان مقتضب وزّع أول من أمس الجمعة على وسائل الإعلام، يفيد بالعثور على يحيى حسن ميّتاً في مسكنه. وكان أحد تقارير وسائل الإعلام الأولى عن الوفاة هو راديو المهاجرين في مدينة آرهوس.
وأكد "جاكوب كريستيانسن" المتحدث باسم شرطة "يولاند" الشرقية أن الشرطة تحقّق في مقتل شاب في الرابعة والعشرين من عمره، عُثر عليه ميّتاً في شقته في حي "آرهوس الخامس"، وأضاف قائلاً: "ليست هناك أية أدلة تشير إلى عمل إجرامي أو قتل".
اقتحم يحيى حسن (مواليد 1995) الوسط الثقافي والإعلام الدانماركي لأوّل مرّة في أكتوبر(تشرين الأول) 2013، مع ظهور مجموعته الشعرية الأولى باللغة الدانماركية، والتي حملت اسم الشاعر نفسه "يحيى حسن" كعنوان لها، وبيع منها منذ صدورها ما يزيد عن 122 ألف نسخة، في سابقة هي الأولى من نوعها في الدول الاسكندنافية مجتمعة. وقد يكون أحد أهم أسباب نجاح المجموعة لدى القراء والنقاد على حد سواء، ما تضمّنته من قصائد عنيفة وغاضبة على نشأة الشاعر الأولى في أحياء المهاجرين وعالم الجريمة وتجارة المخدرات، ولم يتوان الشاعر المراهق حينها عن توجيه انتقاداته الحادة للجاليات المهاجرة في الدانمارك، وبخاصة العربية منها، وكان من الطبيعي في بلد تنشط فيه الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل الدانمارك، أن يتمّ استثمار ظاهرة يحيى حسن إعلامياً إلى أبعد مدى، فأصبح وجهاً دائماً على قنوات الإعلام.
تحت الحراسة
بعد مئات التهديدات له بالقتل، عاش يحيى حسن تحت حراسة الشرطة الدانماركية، وفي عام 2015 خاض الانتخابات الوطنية ولكنه فشل في تحقيق الأصوات اللازمة، لينتهي به الحال إلى الغرق من جديد في عالم الجريمة، فامتلأت صفحاته الشخصية على مواقع السوشيال ميديا بصور لما يملك من مجموعات أسلحة وسكاكين، وتهديدات واضحة لمن أسماهم "أعداءه"، كما ظهر في عدد من الصور وهو غارق في دمائه بعد معارك مع عصابات المهاجرين التي تناصبه العداء بوصفه "كافراً" أو "خائناً"، ما أعاده من جديد إلى الأجواء التي حاول أن يهرب منها منذ صغره، والتي انتهت إحدى حوادثها بإطلاق النار عليه حين كان عمره 17 عاماً، ما أدى إلى إصابته بطلق ناري في كف يده اليمنى، وهي الحادثة التي كلفته فيما بعد حكماً بالسجن لمدة 21 شهراً. كما قضى فترات طويلة في العلاج بمراكز الطب النفسي في آرهوس، وفي العام الماضي 2019 حُكم على يحيى حسن بالعلاج النفسي إلى أجل غير مسمى.
في نوفمبر(تشرين الثاني) 2019 يعود يحيى حسن إلى الشِّعر من جديد، بعد مرور ستّ سنوات على إصداره الأوّل، فيصدر مجموعته الشعرية الثانية "يحيى حسن 2'' لدى ناشره غولديندال في 25 ألف نسخة، متضمّنة 59 قصيدة جديدة، وقد فازت فور ظهورها بترشيح لجائزة مجلس الشمال للأدب. وفي المجموعة الجديدة، لم يغيّر يحيى حسن من عوالمه، فكتب قصائده من جديد عن الجريمة والعصابات المسلحة وحوادث السرقة والسجن والمخدرات والأمراض العقلية، وهو ما برره حينها للإعلام الدانماركي قائلاً: "أكتب عن حياتي وعن نفسي، والبؤس هو المحفز الأساسي في تسيير حياتي، 90 في المئة من حوافز قصائدي التي أكتبها قادم من الهراء الذي نعيشه يومياً في مجتمعات اللاجئين".
نهاية محزنة
ولد يحيى حسن في آرهوس عام 1995 لأبوين لاجئين من فلسطين، ولدى قراءتنا لمجمل قصائده نجد أنه لم يكتب إلا معاناته الشخصية كطفل تربّى في أحد غيتوهات اللاجئين والمهاجرين العرب في الدانمارك، فيحكي عن وحشية أبيه في معاملته وتعنيفه الدائم له بالضرب المبرح، وعن الإصلاحيات ومراكز التأهيل النفسي التي أجبر على العيش فيها هرباً من عتمة الشوارع التي ألقي فيها منذ صغره، وعن العالم السفلي والتفكك الأسري، عن فلسطين واحتلالها والإسلام وصوت فيروز، عن جيل والديه اللاجئين إلى الغرب والذي يعيش على المنح المالية المخصصة للعاطلين عن العمل. وكما هو متوقع، اختلفت الآراء النقدية حول قيمة ما يقدّمه الشاعر الراحل من شعر، فبينما رأى بعضهم فيه موهبة شعرية شابة تمتلك شجاعة التمرّد، رأى بعضٌ آخر أنّ نشأته وتربيته المشوّهتين كانتا السبب في نهايته المحزنة على هذا النحو الصادم.