تزداد محاولات تتريك المدن السورية الواقعة في الشمال السوري وسط مخاوف من مخطط تركي، لم تعد خافية غايته، ضمّ تلك المناطق إلى تركيا مستقبلاً، وبدا أول ملامحه بإطلاق أسماء ضباط أتراك، لقوا مصرعهم في معارك السيطرة على شمال شرقي حلب في عملية يطلق عليها اسم "درع الفرات"، على المدارس السورية مع فرض اللغة التركية مادة أساسية في مناهج التدريس، عقب دخول هذه القوات إلى سوريا منتصف العام 2016.
التغلغل التركي
ليس على ظهر المدرعة العسكرية فحسب تسعى أنقرة إلى التوغل بالشمال السوري، بل عبر مشاريع متعددة ومتنوعة اقتصادية وثقافية واجتماعية، ويترافق مع مساعيها تلك الرامية لتحقيق اهداف توسعية، تغيير واضح لمعالم النسيج الأهلي لهذه المناطق، وتشير المصادر إلى تزايد التغلغل التركي بمدنٍ تضم أكراداً وعرباً وغيرهم من الطوائف الإقليمية والدينية، وتحويلهم إلى أتراك، في خطوات سابقة فرضت على أهالي تلك المدن التعامل بالليرة التركية بدلاً من الليرة السورية، كما جرى رفع العلم التركي مع تغيير المناهج الدراسية.
هويات جديدة للسوريين
لم تتوقف حملة التتريك الممنهجة عند هذا الحد، بل ألزمت السكان استخراج بطاقات هوية جديدة، لاستخدامها في الدوائر الرسمية بالمدينة، متوعدةً المتخلفين عن حيازتها بالعقاب لتثير مخاوف استحواذ أنقرة على تلك المدن في استفتاء مستقبلي وضمها للأراضي التركية، خصوصاً أن عملية التتريك لم تشمل العرب فحسب بل الأكراد كذلك، ففي عفرين، ووفق قيادي من قوات سورية الديمقراطية (قسد) قامت تركيا بتغيير أسماء قرى سورية بريف عفرين من أسماء كردية إلى أسماء تركية كتغيير الساحة الرئيسة بعفرين إلى ساحة أتاتورك، وهذا ما أثار استياء الأهالي.
في المقابل، فرضت وحدات ما تسمى بحماية الشعب، وحزب العمال الكردستاني، بعد سيطرتها على مدن وقرى بالحسكة، شمال شرقي سوريا، واقعاً جديداً شبيهاً بالإجراءات التركية. وأشارت مصادر أهلية من العرب إلى إجراءات تغيير أسماء عدد من المدن إلى الكردية وتجريدها من أصلها العربي، كتغيير اسم مدينة القحطانية إلى تربي سبيه، ومدينة رأس العين إلى سريه كانييه، وأُطلق على جبل عبد العزيز الشهير في الحسكة اسم قزوان، وعلى الحسكة اسم "روج أفا"، وهذا ما استنكره السوريون العرب في هذه المناطق معتبرين "هذا التوغل التركي هو الأشد خطراً على مستقبل البلاد".
الاعلام التركية
ترفرف الأعلام التركية فوق مقارّ إدارات المجالس المحلية في مدن الشمال مثل إعزاز والباب وجرابلس وعفرين، في وقت ينتقد مراقبون ادعاء أنقرة حرصها على وحدة الأراضي السورية، وزعهما السيطرة على المنطقة الآمنة لهذه الغاية، وترى دمشق أن دخول الجيش التركي إلى هذه المناطق غير شرعي ولا سيما تغييره معالم المناطق خلافاً لالتزاماته في أستانا وسوتشي. هذا الأمر دفع مجلس الشعب إلى مناقشة هذه الخطوات، وتشي تسريبات عن مناقشات لإجراءات قانونية بحق كل من يحصل على الجنسية التركية بتجريده من الجنسية السورية. ويرى نبيل الصالح، وهو عضو في مجلس الشعب السوري، أن الهدف من تجنيس هؤلاء هو توطينهم في ما يسمى المنطقة الآمنة لاستخدام أصواتهم لاحقاً في أي استفتاء دولي بشأن تابعيتهم التي يختارونها، سورية أو تركيا. يقول "توافقهم على ذلك جماعة الإخوان في سوريا، إذ أصدرت بياناً تناشد فيه أردغان السيطرة على المنطقة الآمنة وإدارة شؤون السوريين فيها".
أستانا والاجندات الانفصالية
أصدر المجلس المحلي في مدينة إعزاز بريف حلب في أكتوبر (تشرين الأول)، تعميماً يفرض بموجبه بطاقات شخصية جديدة لها رمز ونظام خاصان ومرتبطان بدائرة النفوس في تركيا، مع إشارة إلى أن التجربة ستعمم جميع المناطق التابعة للقوات المدعومة من تركيا، بالتوازي مع أوامر تركية بضبط التوقيت الزمني لهذه المدن مع أنقرة، بينما ينظر مراقبون إلى أن هذا الاجراء مخالف للبيان الختامي للدورة الحادية عشرة من اجتماع أستانا. وأشار أيضاً إلى رفض جميع المحاولات لإنشاء حقائق جديدة على الأرض بذريعة محاربة الإرهاب في سوريا ورفض الأجندات الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة ووحدة الأراضي السورية.
تركيا ومساعدة المعارضة
منذ بدء النزاع في سوريا في العام 2011، مدت تركيا يد العون للمعارضة السياسية منها والمسلحة لاحقاً، وتعد من أبرز داعميها وتطورت هذه العلاقة خصوصاً في ظل شنّ أنقرة حملة عسكرية عام 2016 ضد تنظيم داعش والمقاتلين الأكراد، وسيطرت القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، منها الجيش الحر حينذاك، على مدن حدودية، أبرزها جرابلس والباب والراعي. وتنتشر في هذه المنطقة قوات عسكرية واستخباراتية تركية، كما تنشط شرطة محلية مدعومة ومدرّبة من تركيا، ويشارك الأتراك بمد الكهرباء، وتعبيد الطرق وترميم المساجد والمدارس، وهذه الإجراءات الإيجابية التي يرى مصدر في المجلس المحلي بإعزاز أنها تصب في مصلحة السوريين، وذلك في سياق قوله إن الأتراك أصلحوا كل المدارس، وقدموا المقاعد والكتب والحقائب والكومبيوترات والطابعات. وفي مقابل ذلك، تمت إضافة دروس اللغة التركية إلى المنهاج الدراسي لتعليم آلاف التلاميذ في أعزاز وريفها.
مطالبة باستعادة الأراضي
وتطالب دمشق بأراضيها التي احتلتها تركيا (لواء اسكندرون) وسط تأكيدات رسمية بأن لها الحق في الحصول على ما تعتبره أرضها، بكل الطرائق، بما فيها الكفاح المسلح، لإعادة أراض تبلغ مساحتها 47800 كيلومتر مربع، والواقع على خليج اسكندرون، وكذلك خليج السويدية في الزاوية الشمالية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، وكان سابقاً في أقصى شمال غربي سوريا، ويتصل من الشرق والجنوب الشرقي بمحافظتي إدلب وحلب، ومن الجنوب بمدينة اللاذقية، ومن الشمال بمحافظة "غازي عنتاب" التركية، وهو الآن في جنوب تركيا منذ عام 1939.