ملخص
يسعى نتانياهو إلى وقف النار في لبنان لاسترضاء ترمب وتعزيز موقفه داخلياً، محولاً التركيز نحو إيران لكسب الوقت وتجنب ضغوط متزايدة من الإدارة الأميركية الجديدة في شأن غزة.
مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن ومغادرته البيت الأبيض بعد أقل من 60 يوماً، يبدو أنه عاقد العزم على إحداث تأثير في منطقة الشرق الأوسط، قبل أن يتسلم دونالد ترمب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، في الـ20 من يناير (كانون الثاني) عام 2025.
ومن بين الصراعات الكبرى التي تشهدها المنطقة، في غزة ولبنان وكذلك المواجهة الأوسع التي تخوضها إسرائيل مع إيران، بدا أن لبنان هو الساحة الأكثر سهولة لتحقيق وقف لإطلاق النار، إذا صح اعتماد مثل هذا التعبير بالنظر إلى الطبيعة المعقدة والمتداخلة لهذه النزاعات. ويمكن القول إن جهود الرئيس بايدن لتحقيق السلام في لبنان تقاطعت في نقطة ما مع حاجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى أن يثبت لجمهوره داخل إسرائيل وللرئيس الأميركي العتيد دونالد ترمب، أنه قادر على إنهاء صراع قرر الدخول فيه.
والآن ينصب اهتمام رئيس الوزراء الإسرائيلي على السيد المقبل للبيت الأبيض الذي جعل من الادعاء المثير للجدل القائل إن "أي حروب" لم تنشب خلال فترة ولايته الأولى، عنصراً أساساً في حملته الانتخابية للعودة للمكتب البيضاوي. وقد أكد ترمب غير مرة أن لديه القدرة على إنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا في غضون 24 ساعة من توليه منصبه، فيما أعرب كذلك عن رغبته في وضع حد للصراع الدائر في غزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشار هنا إلى أنه في وقت كانت الولايات المتحدة الحليف الأقوى لإسرائيل، وبعدما أظهر ترمب أنه لا يهتم كثيراً بالأعراف الدبلوماسية التي تلتزمها معظم الدول في تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يدرك أنه سيحظى بهامش أكبر من حرية التصرف أكثر من أي وقت مضى. إلا أنه يتعين عليه أن يعرف كيف يوازن بعناية خطواته لجهة استغلال هذه الفرصة، وتجنب تعقيد الأمور مع دونالد ترمب الذي يُعرف بنفوره من القضايا الشائكة، وبميله نحو تحقيق إنجازات شخصية واضحة يسهل الترويج لها.
من هنا، فإن إحراز تقدم في لبنان يمنح بنيامين نتنياهو وقتاً يحتاج إليه في هذه المرحلة التي تنتقل فيها السلطة في الولايات المتحدة من إدارة جو بايدن إلى الإدارة الجديدة لدونالد ترمب والتي يحاول خلالها بالفعل بعض مساعدي الرئيس المنتخب أن ينسبوا الفضل إلى أنفسهم في وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل و"حزب الله". كما يساعد ذلك أيضاً في تخفيف نتنياهو الضغوط عنه داخل إسرائيل، فمن المعروف أن ترمب ينأى بنفسه عن الحلفاء الذين يرى أنهم فشلوا في الحفاظ على مكانتهم، وفي اكتساب الدعم الكافي لهم داخل دولهم.
في المقابل، تشكل الإنجازات المتمثلة في إضعاف قيادة "حزب الله" في لبنان، أهمية بالغة بالنسبة إلى شعبية نتانياهو في الداخل التي كانت شهدت تراجعاً طوال فترة الحرب في غزة. ومن المرجح أن يدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي أن مستقبله السياسي أصبح في دائرة الخطر، وأنه قد ينتهي بمجرد أن تضع الحروب التي تخوضها إسرائيل أوزارها، بعدما تعرض لضغوط كبيرة قبل الهجوم الذي قامت به حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023.
انطلاقاً مما تقدم، فإن التحدي الذي يواجه بنيامين نتانياهو في هذه المرحلة، هو كيف يمكنه الحفاظ على دعم كافٍ من دونالد ترمب، يتيح له إنهاء الحرب في غزة وفق شروطه الخاصة، من دون أن يجبره الرئيس الأميركي المنتخب على اتخاذ قرار بوقفها. ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حدد المسار لتحقيق ذلك، ويتمثل في تحويل التركيز نحو إيران.
لقد أثبتت المسيرة السياسية التي سلكها دونالد ترمب أن أسلوب "التعارض الثنائي" Binary Opposition [وهو مفهوم يقضي بوضع فكرتين أو قوتين متعارضتين إحداهما في مواجهة الأخرى] شكل نهجه الأساسي في اتخاذ القرارات. ومن الأمثلة البارزة على ذلك مواجهته الاقتصادية مع الصين، بحيث يعتبر أن محاولات بكين لتقويض القوة الاقتصادية للولايات المتحدة تُعَدّ "أمراً سيئاً"، بينما دفاعه عن مصالح الشركات الأميركية هو "أمر جيد". أما العواقب الأكثر تعقيداً التي قد تنشاً عن الإجراءات التي يتخذها، فيتركها لتصبح مشكلة أطراف أخرى (مثل وزارة الخزانة الأميركية أو السلك الدبلوماسي الأميركي). وينسحب المنطق نفسه على طريقة التعامل مع إيران. فترمب يدرك جيداً العداء طويل الأمد بين واشنطن وطهران، ولا يتردد في وصف إيران بأنها عدو، ولا يجد صعوبة في وصفها بالشرير، والتفاخر بقدرته على تقليص قوتها ونفوذها.
إن جزءاً من الدوافع التي حدت بنتنياهو إلى السعي نحو وقف لإطلاق النار مع "حزب الله"، يتمثل في إتاحة الفرصة لإسرائيل لتركيز جهودها بالكامل على إيران التي تدعم مجموعة من الوكلاء الإقليميين، مثل حركة "حماس" و"حزب الله" والحوثيين في اليمن وجماعات أخرى في سوريا والعراق. ويبدو أن هذا الطرح هو موجه أيضاً لاستمالة ترمب. وفيما قد لا يبدي الرئيس الأميركي المنتخب اهتماماً كبيراً بتعقيدات الحرب المتفاقمة في غزة، وبالكلف البشرية الناجمة عنها، إلا أنه من المرجح أن ينظر إلى التعامل مع إيران كمسألة أكثر وضوحاً وأقل تعقيداً.
يبقى القول أخيراً إن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان أكد في وقت سابق أنه وترمب يتشاركان الرؤية نفسها حيال إيران. ويأمل نتانياهو في أن يستمر هذا التوافق، مما يتيح له تجنب تزايد الضغط السياسي الذي قد يفرضه عليه الرئيس الأميركي الـ45 والـ47 في ما يتعلق بموضوع غزة.
© The Independent