مر الخبر مرور الكرام في السيدة زينب والدقي والمهندسين. وربما لم يمعن سكان شبرا في تفاصيله، أو يسأل أهل السبتية وشارع الوحدة في إمبابة عن أبعاده. لكنه في حي الزبالين وما يحيطه من أحياء أدخل الفرحة على الكثيرين، وأبهجهم وأسعد قلوبهم، التي تفتحت على الحب، وعقولهم التي تزينت بالمعرفة؛ لأن هناك من يقف معهم وبينهم.
بين الأطفال، وتحديداً في أحياء يسمونها في مصر "عشوائية"، تعمل ماجدة جبران دون انقطاع منذ عام 1985. في هذا العام زارت جبران "حي الزبالين" في قلب القاهرة. رأت ما لا لسان حكى أو كاميرا نقلت. ورغم مئات وربما آلاف التقارير الصحافية التي كُتبت وصُورت على مدار 34 عاماً، فإن من عاش في الحي وعايش أوضاع سكانه، ولا سيما أطفاله ليس كمن كتب أو صور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جبران... الأم تيريزا
صور ماجدة جبران جورجي، الملتقطة لها على مدار العقود الثلاثة الماضية، عكست التغيير الجذري الذي طرأ على حياتها. لم تعد أستاذة في الجامعة الأميركية في القاهرة، أو سيدة أنيقة تفاخر بنجاحها العملي والاجتماعي، لكنها تحولت إلى نموذج يشبه كثيراً "الأم تيريزا"، حتى أن البعض يلقبها به حتى اليوم.
اليوم الذي زارت فيه "حي الزبالين" في عام 1985 غير حياتها. تركت عملها الأكاديمي المرموق، واعتنقت منهج المتفانين في خدمة الناس ومحبتهم ومساندتهم. المساندة التي قدمتها للطفلة الصغيرة بعدما لاحظت ابتعادها عن بقية الأطفال لا تقدر بمال. فالصغيرة أخبرتها أن أقرانها يرفضون اللعب معها؛ لأنها لا ترتدي سوى طقم واحد من الملابس. وحين اتفقت معها "ماما ماجي" على أن يصبحا صديقتين، وأن ترتديا الملابس نفسها لمدة أسبوع، وافقت الصغيرة، وبعد أسبوع تعلمت أن من يرتدي الملابس أهم مئة مرة من الملابس.
التكريم
الملابس التي ترتديها "ماما ماجي" تعني الكثير. ملابس بيضاء واسعة وغطاء رأس ينسدل على كتفيها، مع وجه خال من المساحيق وشعر كساه الشيب دون حرج من صاحبته أو قلق. حتى القلق الذي يصيب الغالبية المطلقة ممن تُرشح أسماؤهم للحصول عى جوائز لتقدير جهودهم، أو الاعتراف بتعبهم، أو إخبار العالم أجمع بأن في هذا العالم من يستحق التكريم لم يصبها عشرات المرات التي تكرمت فيها.
تكريم السيدة ماجدة جبران جورجي أو "ماما ماجي" قبل أيام وحصولها على جائزة "المرأة الشجاعة الدولية" من قرينة الرئيس الأميركي ميلانيا ترمب ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
حين تحدثت "ماما ماجي" كعادة الفائزين والفائزات عقب الاحتفاء والاحتفال، لم تتطرق كما هو معروف إلى قوائم إنجازاتها، أو تشر إلى تضحيات قدمتها، أو آفاق يحملها المستقبل دون شك. اكتفت بالحديث عن أطفال الفقراء والعشوائيات، ولم لا؟ وهي التي تسهم في تحسين حياة عشرات الآلاف من الأطفال في حي الزبالين وغيره من الأحياء العشوائية في مصر.
أطفال إسطفانوس
منظمة ماجدة جبران تدعى "ستيفن تشيلدرن" أو "أطفال إسطفانوس" (وإسطفانوس هو أول شهيد في المسيحية وأول الشمامسة) غير حكومية. هدفها خدمة ورعاية الأطفال بتقديم الطعام والملابس والتعليم من خلال ما يزيد على مئة مركز تعليمي من خلال ما يزيد على ألفي متطوع. ورغم أن الغالبية في مصر لم تسمع عن المنظمة، لكن أثرها كبير وممتد، ليس فقط في حي الزبالين وغيره من الأحياء العشوائية ولكن في عدد من القرى الأكثر احتياجاً في صعيد مصر.
صندوق الجوائز
ابنة الفيزيائي المعروف وخريجة الجامعة الأميركية في القاهرة وزوجة رجل الأعمال الثري لم تجد نفسها مكرمة فقط في الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها من أشجع نساء العالم وأكثرهن عطاءً، لكن العالم كرمها مراراً من قبل. فمن "صانعة الأمل"، تلك الجائزة التي كرمها بها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي من بين 65 ألف مشترك من 22 دولة، إلى تكريم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لها في احتفالية "عيد الأم" العام الماضي، إلى جائزة الخدمات الإنسانية والمدنية والتي تمنحها مؤسسة "تكريم" الكويتية في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، تجد "ماما ماجي" نفسها حاملة لجوائز يدور جميعها في فلك الإنسانية. وفي عام 2012، رُشحت لجائزة نوبل للسلام.
وسواء أطلق عليها المصريون "ماما ماجي" أو "الأم تيريزا" أو "أم القاهرة" أو "القديسة ماجي"، تظل ماجدة جبران جورجي تشع رضا وتصنع الأمل وتداوي العنف بالإنسانية.
العقيدة خالدة الطوال
شكل آخر من أشكال مداواة العنف بالقانون والرعاية الإنسانية قدمته رئيسة قسم الشرطة النسائية في مديرية الأمن العام الأردنية العقيد خالدة خلف حنا الطوال التي تنقلت وتدرجت وتجولت في مناصب وأماكن جميعها لتكريس المساواة والعدالة بين الجنسين في الأردن.
ما يزيد على 28 عاماً أمضتها العقيد خالدة الطوال في الشرطة الأردنية، وأثبتت جدارة وتفانياً في العمل أهلاها لأن تكون ضمن الكوادر النسائية اللاتي يشغلن أرفع مناصب قيادية. المناصب القيادية جعلتها أكثر إنسانية. فمن تطبيق لمعايير حقوق الإنسان في السجون، لافتتاح عيادات فيها للسجينات، إلى العمل على قضايا اللاجئات، ومنها إلى التعامل مع ضحايا العنف النفسي والجسدي والنفسي، تلقت العقيد خالدة خلف حنا جائزة المرأة الشجاعة عن جدارة من السيدة الأولى ميلانيا ترمب والسيد بومبيو وزير الخارجية.
ويبدو أن نساء عربيات كثيرات رفعن راية "المرأة الشجاعة التي أظهرت شجاعة وقيادة استثنائية في دعم ونشر السلام والعدالة وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وذلك على الرغم مما يكتنفه ذلك في أغلب الأحيان من مخاطرة شخصية وتضحية"، حسبما تنص جائزة "المرأة الدولية الشجاعة".
سيدة الأمن مؤمنة حسين درار
المرأة العربية الثالثة التي فازت بالجائزة هذا العام هي الجيبوتية سيدة الأمن مؤمنة حسين درار والتي أدت أدواراً بطولية في كسر شوكة الإرهاب في وطنها جيبوتي.
انضمت درار إلى قوات الشرطة الوطنية في عام 2013 وتدرجت في الرتب بشكل سريع في ميدان يشكل الرجال معظم المنتسبين إليه. قادت التحقيقات الكبيرة في مجال مكافحة الإرهاب، وأسهمت جهودها في اعتقال وترحيل عدد من إرهابيي حركة الشباب الصومالية، بالإضافة إلى مساعدتها قوات الشرطة في إحباط عدد من المخططات الإرهابية أعقاب تفجير مدينة جيبوتي في 2014.
واشنطن تشيد بالمرأة العربية
وفي الحفل الذي ينظم للعام الـ13 على التوالي في مقر وزارة الخارجية في واشنطن وحضرته السيدة الأولى ميلانيا ترمب، قال وزير الخارجية مايك بومبيو إن النساء اللاتي يتحلين بالشجاعة موجودات في كل مكان.
وأكد بومبيو سعي الولايات المتحدة لدعم نحو 50 مليون امرأة حول العالم؛ لكي يتمكن من المساهمة بشكل فاعل في الحياة الاجتماعية ببلدانهن عبر برنامج "مبادرة الرخاء" لوكالة التنمية الدولية التابع للخارجية الأميركية.
من جانبها، قالت ميلانيا ترمب، في كلمة أمام الحضور، إنها "فخورة بتجديد دعمنا للمرأة"، وقدمت الجوائز للمكرمات.
ومنذ اعتماد جوائز النساء الشجاعات السنوية في عام 2007، كرمت الخارجية الأميركية أكثر من 120 سيدة من أكثر من 65 بلداً.
وتقوم البعثات الدبلوماسية الأميركية في الخارج بترشيح "امرأة شجاعة" من البلدان التي تستضيفها. ويتم اختيار من يفزن بالتكريم في نهاية المطاف من قبل كبار المسؤولين في الخارجية الأميركية.