أصبح الركود العالمي المقبل قاب قوسين أو أدنى، وبات له اسم بالفعل هو "الإغلاق الكبير".
إذ يتوقع الخبراء أن تؤدي جائحة فيروس كورونا إلى أسوأ ركود اقتصادي منذ الكساد الكبير في عشرينيات القرن العشرين.
ومن المرجح أن يتأثر كل بلد في العالم تقريباً، ولن تستثنى منه المملكة المتحدة التي تواجه بالفعل غموضاً على الصعيد المالي بسبب بريكست.
متى سيضرب الركود المملكة المتحدة؟
قد تكون المملكة المتحدة في ركود بالفعل. وعلى غرار عدد من الدول الأخرى، شهدنا هبوطاً في أسعار الأسهم، وارتفاعاً في طلبات الإعانة بسبب البطالة، وإغلاقات لمواقع الشركات، بعضها في شكل دائم، نتيجة قيود التباعد الاجتماعي.
بيد أن التعريف التقني المقبول عموماً للركود هو انكماش الناتج المحلي الإجمالي لفصلين متتاليين أو أكثر. ويعني ذلك بعبارة أخرى هبوط الكمية الإجمالية للبضائع والخدمات التي تنتجها المملكة المتحدة لفترة إجمالية تبلغ ستة أشهر.
ولا تغطي آخر الأرقام الفصلية المتوفرة سوى الأشهر الثلاثة بين أكتوبر (تشرين الأول) وديسمبر (كانون الأول) 2019، أي قبل فترة لا بأس فيها من تسجيل أول إصابة "كوفيد 19" في 31 يناير (كانون الثاني) وبدء الإغلاق في مارس (آذار).
وأظهرت الأرقام أن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة ظل ثابتاً، إذ سجل نمواً بواقع صفر في المئة بالمقارنة بالفصل السابق.
ولن تُنشَر أرقام الفصل الأول من 2020 (بين يناير ومارس) حتى 12 مايو (آيار)، على أن تلي أرقام الفصل الثاني بعد ثلاثة أشهر من ذلك.
وهذا يعني أننا، ما لم تخضع الأرقام الفصلية السابقة للمراجعة، فلن نعرف على وجه التأكيد ما إذا كانت المملكة المتحدة تعاني من الركود حتى أغسطس (آب).
إلى أي مدى قد يكون الركود سيئاً؟
رجح الخبراء الرسميون في مجال التوقعات في وزارة الخزانة، و"مكتب مسؤولية الميزانية"، أن يهبط الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة بنسبة مذهلة تبلغ 35 في المئة خلال الربع الثاني من 2020، بين إبريل (نيسان) ويونيو (حزيران).
وهذا من شأنه أن يولّد الركود الأسوأ في أكثر من 300 سنة، منذ "الشتاء الكبير" في 1709، عندما هبطت درجات الحرارة إلى 10 درجات مئوية تحت الصفر.
ويتوقع "مكتب مسؤولية الميزانية" Office for Budget Responsibility أيضاً أن يزداد عدد العاطلين من العمل بأكثر من مليوني شخص ليصل معدل البطالة إلى 10 في المئة، وأن يرتفع العجز الحكومي إلى 273 مليار جنيه إسترلينيه (اي حوالي 340 مليار دولار لدى إعداد المقال) بين عامي 2020 و2021، ما يوازي 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى مدار سنة بأكملها، يرجح المكتب أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بواقع 12.8 في المئة.
في المقابل، يتوقع "صندوق النقد الدولي" انخفاضاً بـ6.5 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة في 2020، بالمقارنة بـ 6 في المئة في الولايات المتحدة و9 في المئة في إيطاليا.
ودخلت فرنسا وإيطاليا في الركود رسمياً بالفعل بعدما سجلتا انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي بلغ نحو 5 في المئة في الربع الأول من 2020، فضلاً عن انخفاض طفيف في الربع الأخير من 2019. كذلك انكمش اقتصاد إسبانيا بنحو 5 في المئة في الربع الأول [من العام الحالي].
ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 3 في المئة في 2020، ما يجعل هذه الأزمة أسوأ بكثير من أزمة 2008 وأسوأ انكماش منذ الكساد الكبير [في عشرينيات القرن العشرين]. ومن بين الدول الرئيسة، من المتوقع أن تسجل الصين والهند وحدهما نمواً في الناتج المحلي الإجمالي خلال 2020.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كم سيستمر الركود؟
تستند التوقعات الخاصة بالمملكة المتحدة إلى افتراض مفاده بأن الإغلاق سيدوم ثلاثة أشهر (حتى 23 يونيو)، ويعود بعدها النشاط الاقتصادي تدريجياً إلى طبيعته على مدى الأشهر الثلاثة التالية لذلك التاريخ.
وما سيحدث بالفعل يظل غير مؤكد. إذ يواجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون دعوات متزايدة لوضع "استراتيجية خروج" لرفع القيود، ومن المتوقع صدور إعلان في هذا الصدد أوائل الأسبوع المقبل.
ومع ذلك، قد يلزم الإبقاء على بعض القيود لفترة أطول بكثير، إضافة إلى أن العودة إلى الحياة الطبيعية التي تشمل الحانات والمطاعم ومباريات كرة القدم (مثلاً) تبدو في شكل متزايد غير مرجحة هذا العام.
وإذا كان الأمر كذلك، قد تكون الآثار في اقتصاد المملكة المتحدة أسوأ من التوقعات.
متى يتعافى اقتصاد المملكة المتحدة؟
على افتراض أن أثر الإغلاق سيستمر لستة أشهر، يتوقع "مكتب مسؤولية الميزانية" Office for Budget Responsibility أن ينتعش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 27 في المئة في الربع الثالث من 2020، بين يوليو وسبتمبر (أيلول) و21 في المئة في الفصل الرابع (من أكتوبر إلى ديسمبر).
وبموجب هذا السيناريو، سيعود الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى ما قبل الفيروس بحلول نهاية العام الحالي. في المقابل، يعتمد الانتعاش على مدى استمرار جائحة "كوفيد 19" وإمكانية حدوث "موجة ثانية" من العدوى.
وفي ذلك الصدد، أشار الخبير الاقتصادي كيمار وايت، من "المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية"، إلى "إن الأثر القوي لـ"كوفيد 19" والإغلاق العالمي، تسببا في دفع الاقتصاد إلى مجال مجهول. وبتنا نشهد انحداراً في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل فصلي قياسي. وعلى الرغم من هذا، يظل التعافي الفوري والكافي احتمالاً واضحاً إذا توقف انتشار الفيروس بسرعة".
© The Independent