تقدّم موظف حكومي أميركي بشكوى زعم فيها أنّ المسؤولين في إدارة ترمب "بدوا عازمين على" التخفيف من شأن فيروس كورونا أمام الرأي العام الأميركي، وهو يُقدم على خطوة قامت بها قلّة من الموظفين الفيدراليين منذ تولّي دونالد ترمب منصبه.
وقال ريك برايت، المدير المعزول لهيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي المتقدم (باردا) Biomedical Advanced Research and Development Authority ، في شكوى قدّمها يوم الثلاثاء إنّه "واجه مقاومة من قيادة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، بما في ذلك من الوزير أليكس عازار الذي بدا عازماً على التقليل من أهمية الحدث الكارثي". وقُدّمت الشكوى إلى مكتب المستشار الخاص، وهو المكتب الحكومي المعني بتلقّي شكاوى المُبلغين.
وعبّر السيد برايت عن مخاوفه المتعلقة بعقار هايدروكسي كلوروكين الُمستخدم في علاج الملاريا، وهو العقار الذي اعتبر السيد ترمب منذ أسابيع أنه علاج من شأنه أن "يغيّر قواعد اللعبة" بالنسبة إلى كوفيد-19.
ونُقل مُقدّم الشكوى لاحقاً إلى هيئة حكومية أخرى، وهو يقول إنه شعر بالقلق بسبب رغبة مسؤولين في الإدارة في "إغراق" ولايتيّ نيويورك ونيو جيرسي اللتين ضربهما الفيروس بقوة بهذا العقار بعد شرائه من مصانع في الهند وباكستان "لم تخضع لتدقيق إدارة الغذاء والدواء"، كما جاء في شكوى السيد برايت. وتتضمّن الوثيقة أخباراً عدّة تثير الدهشة وتُعد خطوة لافتة يقدم عليها السيد برايت فيما تجنّبها غيره من المسؤولين الفيدراليين الذين عاقبهم أو طردهم السيد ترمب. ومن المرجّح أن تهزّ هذه الشكوى السيد ترمب تماماً كما فعلت الشكوى التي دفعت الديمقراطيين في مجلس النواب إلى مساءلته على خلفيّة تصرفاته تجاه أوكرانيا وآل بايدن.
لا يغادر بهدوء
معظم المسؤولين الآخرين الذين أجبرهم الرئيس على التخلي عن مناصبهم أو طردهم ببساطة تركوا مواقعهم من دون مقاومة فعلية. فكثيرون في واشنطن ما زالوا يخافون من التغريدات الرئاسية التي تضرّ بمسيرتهم المهنية بالقدر نفسه ضمن الدوائر السياسية الجمهورية أو البيروقراطية الفيدرالية. لكن هذه ليست حال السيد برايت. فهو يسعى إلى استعادة منصبه في هيئة "باردا" للأبحاث الطبية. ويزعم محاموه أنه يستحق استعادته لأن سعيه إلى دقّ ناقوس الخطر بشأن الفيروس المقبل ومعارضته استخدام عقار الملاريا كلها تصرفات يغطيها قانون حماية المخبرين الفيدراليين.
وجاء في الشكوى أنّ "الدكتور برايت أصرّ على الحصول على التمويل والموظفين والعيّنات المخبرية، بما فيها الفيروسات، بشكل عاجل، وشدّد على أنّها كلها ضرورية وحيوية من أجل البدء بتطوير الأدوية المنقذة للأرواح التي سنحتاج إليها في حال انتشار الفيروس خارج جنوب شرقي آسيا. وعبّر الوزير عازار في المقابل عن تفاجئه من توقعات الدكتور برايت القاتمة ومن نبرته الطارئة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"الترياق"
كان ترمب يروّج على مدى أسابيع لعقار هايدروكسي كلوروكين باعتباره سبيلاً لمساعدة المصابين على التحسّن بسرعة. فتحسّن صحة الناس يساعد على إعادة فتح اقتصاد أصابه الشلل بعد أن كانت عجلته تدور جيداً خلال ولاية ترمب.
وأراد بشدّة أن يبني حملة إعادة انتخابه على دعائم الاقتصاد القوي وانخفاض معدلات البطالة وحافظات الاستثمار القوية. ثمّ حلّ كوفيد، والإغلاق العام، والارتفاع التاريخي في طلبات إعانة البطالة ومعركةٌ أشدّ بعد من أجل الفوز بولاية ثانية.
وفي وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، تحدّث السيد عازار -الذي يُزعم أنّه سبّب الإحباط لمسؤولي البيت الأبيض بما فيهم ترمب خلال المراحل الأولى لتفشي الوباء- وغيره من المسؤولين السياسيين عن عقار الملاريا "باعتباره ترياقاً"، بحسب تعبير السيد برايت.
لكن سرعان ما نبّهت إدارة الغذاء والدواء الأميركية الطواقم الطبية إلى ضرورة حصر وصف هذا العقار بالتجارب الطبية والحالات التي يخضع فيها المرضى للمراقبة عن كثب. وما لبث المسؤولون الفيدراليون أن حذّروا من أنّ المرضى المصابين بفيروس كورونا الذين يتناولون هذا الدواء قد يصابون بمشاكل قلبية تهدد حياتهم. وعلى الرغم من أن حماسة ترمب لعقار الملاريا فترت، لكنه ما زال يعتبره اختراقاً عظيماً.
ماذا ومتى؟
يشكّل هذا السؤال محور نقاش يدور في واشنطن منذ أسابيع. ماذا كان الرئيس يعلم عن خطورة الفيروس المُحتملة وقدرته المفترضة على الانتشار بسرعة في جميع أنحاء البلاد؟ لم يُجب السير ترمب عن هذا التساؤل بجديّة، وغرّد في الأيام الماضية أنّ مسؤولي الاستخبارات الأميركيين لم يذكروا المسألة سوى مرتين خلال الشهر الأول من السنة ضمن الإيجاز الاستخباراتي اليومي الذي يُقدّم له. ويقول إنهم ذكروها في المرّتين بطريقة عملية.
لكن السيد برايت يقدّم رواية مختلفة في شكواه. فهو يدّعي أنّ منظمة الصحة العالمية، التي أضحت هدفاً لهجوم ترمب على خلفية ما سماه إساءة تعاطيها مع تفشي كوفيد-19 في الصين، قدّمت إيجازاً للمسؤولين الأميركيين وغيرهم حول الفيروس خلال اجتماعٍ عبر الهاتف عُقد يوم 25 يناير (كانون الثاني). وهو يلخّص تحذيرات مسؤولي منظمة الصحة العالمية على الوجه التالي "إنّ تفشي الوباء مشكلة كبيرة".
وفي تلك الأثناء، كان ترمب يقول يومياً إن الفيروس "يشبه نزلات البرد" و"سيختفي"، ولا سيّما مع حلول أشهر الربيع والصيف الدافئة. لكن عوض ذلك، بلغ عدد الإصابات في الولايات المتّحدة 1.2 مليون على الأقل، مقابل ما يزيد على 70.000 وفاة، فيما يتوقّع كبار مستشاري الصحة التابعين للرئيس وقوع آلاف الإصابات والوفيات الإضافية، واحتمال عودة الفيروس خلال فصل الخريف المقبل.
لكن الرئيس وعد أواخر الأسبوع الماضي بأنّه سرعان ما "سينقضي" من دون أن يُقدّم أي معلومات أو بيانات تدعم هذا التصريح.
© The Independent