أفاد عدد من العلماء بأنّ تقنيات التدجين المكثّف المستعملة حاضراً تنطوي على إفراط في استخدام المضادات الحيويّة، وأعداد كبيرة من الحيوانات، وتنوّع جينيّ منخفض، ما يشكّل بؤراً لانتشار مسببات الأمراض.
في ذلك الصدد، درس فريق من الباحثين، بقيادة جامعتي "شيفيلد و"باث" البريطانيتين، سلوك نوع من البكتيريا توجد عادة في الدجاج والماشية، وكيفية انتشارها بين أنواع الكائنات المختلفة.
واستطراداً، باتت تلك البكتيريا المعروفة بـ"كامبيلوباكتر جوجيني" ["عطيفة صائمية"]، مقاومة للمضادات الحيويّة نتيجة استخدام الأدوية في مزارع الحيوانات. وكذلك صار في مقدورها أن تنتقل إلى البشر في حال تناولوا لحوماً حمراء ودواجن غير مطهوة جيداً، ما يتسبَّب تالياً في "نزلة معوية" أو تسمّم غذائيّ.
يُذكر أنّ "النزلة المعوية" تمثّل التهاباً حاداً في المعدة والأمعاء الدقيقة، ويمكن أن تؤدي إلى الإسهال والقيء، وفقاً لهيئة "الخدمات الصحيّة الوطنيّة" البريطانيّة.
في الواقع، ظهرت سلالة من البكتيريا خاصة بالماشية في القرن العشرين عندما شهدت تربية الماشية نمواً انفجارياً في شتى أنحاء العالم. ومثلاً، ازدادت أعداد الماشية في مزارع المملكة المتحدة من ستة ملايين إلى 15.2 مليون بين عامي 1875 و1974، بحسب بيانات زراعيّة من "مكتبة مجلس العموم البريطاني".
ويشير الباحثون الذين تولّوا الدراسة المنشورة في مجلة "بروسيدينغ أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس"، إلى أنّ الممارسات المستخدمة في التربية المكثّفة للحيوانات، أدّت إلى تحوّلات في النظام الغذائيّ للماشية، وتركيبتها الجسديّة ووظائف أعضائها. وقد أدى ذلك تالياً إلى عملية تنقّل جينات بين سلالات البكتيريا العامة وتلك الخاصة بالماشية، ما ساعدها على "عبور الحاجز الذي يفصل طبيعياً بين الأنواع الحية، وبالتالي، نقل العدوى إلى البشر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ذلك السياق، يأمل الباحثون في أنّ تساعد الدراسة العلماء على توقّع مشكلات مستقبليّة مُحتملة تطرحها أساليب التربية المكثفة للمواشي، للحيلولة تالياً دون ظهور وباء آخر.
وفي سياق متصل، ذكر البروفيسور ديف كيلي الذي قاد الدراسة في جامعة "شيفيلد"، "تمثِّل مسبِّبات الأمراض البشريّة الموجودة في الحيوانات تهديداً متزايداً، وتُظهر نتائجنا كيف أن القابلية على التكيف التي تتميّز بها تلك العوامل المرضية تسمح لها بالتنقّل بين الأنواع الحية التي تستضيفها، وبالتالي الاستفادة من ممارسات التدجين المكثف".
وأردف كيلي، "خلّفت الأنشطة البشريّة تأثيراً عميقاً في النظم البيئيّة للأرض والتنوّع البيولوجيّ فيها، خصوصاً بين أنواع الماشية كالأبقار. وكذلك ارتبط تصاعد أعداد الماشية والإتجار بها عالميّاً، بظهور أمراض حيوانيّة تطرح تهديداً كبيراً على صحة الحيوان والإنسان، وتُعتبر جائحة فيروس "كوفيد 19" الحالية النموذج الأشد مأساوية وجديّة [عن ذلك النمط من الخطورة] حتى الآن".
وفقاً للبروفيسور سام شيبارد من جامعة "باث"، ثمة حاضراً ما يقدَّر بنحو 1.5 مليار رأس من الماشية في العالم، وفي حال وُجِدت بكتيريا مُعدية في 20 في المئة من تلك المواشي، "فإن ذلك يشكِّل خطراً كبيراً على الصحة العامة".
أضاف شيبارد، "على مدار العقود القليلة الماضية، انتقلت فيروسات وبكتيريا مسبِّبة للأمراض من الحيوانات البريّة إلى البشر. وقد بدأ فيروس نقص المناعة البشريّة (الإيدز) في القرود، وجاء فيروس أنفلونزا "آتش 5 إن 1" من الطيور، وحاضراً يُشتبه في أنّ "كوفيد 19" قد وصل إلى الإنسان من الخفافيش.
"أعتقد أنّ ذلك يمثِّل تحذيراً لنا بأن نتصرف بمسؤولية أكبر بشأن أساليب التدجين، كي نتمكّن من خفض مخاطر تفشي مسبّبات الأمراض في المستقبل"، وفق شيبارد.
© The Independent