قبل ظهور فيروس كورونا، كان الاقتصاد العالمي يتهيأ بالفعل لموجة من التباطؤ والتراجع، لكن ظهور الفيروس القاتل أحال التباطؤ والركود إلى انكماش عنيف، وربما حالات إفلاس سواء على صعيد الشركات العملاقة أو بعض الدول التي لا تقوى ماليتها على مواجهة المخاطر القائمة.
التحليل الذي أعده موقع "بروجيكيت سينديكيت" يشير إلى أنه بعد الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد العالمي خلال عام 2008، تفاقمت الاختلالات والمخاطر التي تسود الاقتصاد العالمي بسبب أخطاء السياسة، وبدلاً من معالجة المشكلات الهيكلية التي كشف عنها الانهيار المالي حينذاك والركود الاقتصادي الذي أعقبه، قامت الحكومات في الغالب بخلق مخاطر سلبية كبرى جعلت حدوث أزمة أخرى أمراً حتمياً.
لكن ظهور فيروس كورونا زاد من حدة الأزمات القائمة بالفعل، ولسوء الحظ، حتى إذا أدى الركود الأكبر إلى انتعاش باهت على شكل حرف "U" هذا العام، فإن "الكساد الأعظم" على شكل حرف "L" سيتبعه في وقت لاحق خلال هذا العقد، بسبب 10 أزمات تنذر بالسوء ومحفوفة بالمخاطر.
تراجع الناتج المحلي يقود إلى خفض دخل الأسر
في قائمة المخاطر تأتي أزمة الديون والتعثر عن السداد، حيث تنطوي استجابة السياسة لأزمة "كوفيد-19" على زيادة هائلة في العجز المالي بما يعادل 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي أو أكثر في وقت كانت فيه مستويات الدين العام في العديد من الدول مرتفعة بالفعل إن لم تكن غير قابلة للاستدامة.
والأسوأ من ذلك، أن فقدان الدخل بالنسبة للعديد من الأسر والشركات يعني أن مستويات ديون القطاع الخاص ستصبح من غير الممكن تحملها أيضاً، مما يؤدي على الأرجح إلى حالات جماعية من التعثر عن سداد الديون والإفلاس. وإلى جانب مستويات الدين العام الآخذة في الارتفاع، فإن هذا يضمن تعافي أضعف من ذلك الذي أعقب الركود العظيم قبل عقد مضى.
وتتمثل الأزمة الثانية في الديموغرافية السكانية الموقوتة داخل الاقتصادات المتقدمة، حيث تظهر أزمة "كوفيد-19" أن الإنفاق العام الكثير للغاية لابد من تخصيصه إلى الأنظمة الصحية وأن الرعاية الصحية الشاملة وغيرها من المنافع العامة ذات الصلة تُشكل أموراً ضرورية وليس رفاهيات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، نظراً لأن غالبية الدول المتقدمة تتسم بالشيخوخة السكانية، فإن تمويل مثل هذه النفقات في المستقبل سيجعل الديون الضمنية من أنظمة الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي غير الممولة اليوم أكبر من أي وقت مضى.
وتتجسد الأزمة الثالثة في الخطر المتزايد المتمثل في انكماش الأسعار، فبالإضافة إلى التسبب في إثارة الركود الاقتصادي العميق، فإن الأزمة تعمل كذلك على خلق ركود هائل في السلع (الآلات والقدرات غير المستخدمة) وفي أسواق العمل (البطالة الجماعية)، فضلاً عن دفع الأسعار للانهيار في السلع الأساسية مثل النفط والمعادن الصناعية. وهذا من شأنه أن يجعل ارتفاع القيمة الحقيقة لحجم الديون بسبب انكماش الأسعار أمراً مرجحاً، مما يزيد من خطر الإفلاس.
خسائر العملات ومواجهة العجز المالي الضخم
الأزمة الرابعة وفقاً للتحليل تتعلق بانخفاض قيمة العملة. ومع محاولة البنوك المركزية مكافحة انكماش الأسعار وتجنب خطر ارتفاع معدلات الفائدة في أعقاب التراكم الهائل للديون، سوف تصبح السياسات النقدية غير مألوفة أكثر وواسعة النطاق.
وعلى المدى القصير، ستحتاج الحكومات إلى أن تديراً عجزاً مالياً ممولاً بالسياسة النقدية من أجل تفادي الكساد الاقتصادي وانكماش الأسعار. ومع ذلك، بمرور الوقت فإن صدمات العرض السلبية المستمرة نتيجة التعجيل بوتيرة تناقص العولمة وتدابير الحمائية المتجددة، ستجعل الركود التضخمي أمراً حتمياً.
وتتمثل الأزمة الخامسة في الخلل الرقمي الأوسع نطاقاً الذي يعاني منه الاقتصاد. حيث إنه مع فقدان ملايين الأفراد لوظائفهم أو العمل مقابل الحصول على أجر أقل، فإن فجوات الدخل والثروة في اقتصاد القرن الحادي والعشرين سوف تتسع أكثر. ومن أجل التحوط ضد صدمات سلاسل التوريد في المستقبل، فإن الشركات في الاقتصادات المتقدمة سوف تحول إنتاجها من المناطق منخفضة التكاليف إلى الأسواق المحلية الأعلى تكلفة.
لكن بدلاً من مساعدة العمال على الصعيد المحلي، فإن هذا الاتجاه من شأنه أن يزيد من وتيرة الأتمتة، مما يفرض ضغوطاً سلبية على الأجور ويشعل نيران الشعبوية والقومية وكراهية الأجانب.
ويتعلق الخطر السادس بالاتجاه إلى تقليص العولمة، حيث يعمل فيروس كورونا على التسريع باتجاه التجزئة أو إثارة الانقسامات، والتجزئة التي كانت تحدث بالفعل. وستتباعد الولايات المتحدة والصين بشكل أسرع، كما أن غالبية الدول سوف تستجيب من خلال تبني سياسات حمائية أكثر لحماية الشركات والعمال المحليين من الاضطرابات العالمية. وسيتميز عالم ما بعد الوباء بفرض قيود أكثر صرامة على حركة السلع والخدمات ورأس المال والعمالة والتكنولوجيا والبيانات والمعلومات.
ويحدث هذا بالفعل في قطاعات الأدوية والمعدات الطبية والغذاء، حيث تفرض الحكومات قيوداً على الصادرات كما تنفذ تدابير حمائية أخرى استجابة للأزمة. ومن شأن ردود الفعل السلبية المعارضة للديمقراطية أن تعزز هذا الاتجاه السابع، حيث يستفيد القادة الشعبويون من الضعف الاقتصادي والبطالة الجماعية وحالات عدم المساواة الآخذة في الارتفاع.
وفي ظل ظروف تتسم بانعدام الأمن الاقتصادي المتزايد، سيكون هناك دافع قوي لتقديم الأجانب ككبش فداء للأزمة. وسيصبح العمال من ذوي الياقات الزرقاء والفئات العريضة من الطبقة الوسطى أكثر تأثراً بالخطاب الشعبوي، وخاصةً فيما يتعلق بمقترحات تقييد الهجرة والتجارة.
مواجهة جيوستراتيجية بين واشنطن وبكين
ويتجسد الخطر الثامن في المواجهة الجيوستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، وفي ظل محاولات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بذل قصارى جهدها لإلقاء اللوم على الصين في تفشي هذا الوباء، سيضاعف نظام الرئيس الصيني شي جين بينغ باستمرار من مزاعمه بأن الولايات المتحدة تتآمر لمنع النهضة السلمية للصين. وستزداد حدة الانفصال الصيني الأميركي في التجارة والتكنولوجيا والاستثمار والبيانات والترتيبات النقدية.
والأسوأ من ذلك أن هذا الانفصال الدبلوماسي سيمهد الطريق لحرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة ومنافسيها، ليس فقط الصين ولكن كذلك روسيا وإيران وكوريا الشمالية. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، هناك أسباب وجيهة لتوقع التصعيد في الحرب السيبرانية السرية وهو الاتجاه التاسع، ما قد يؤدي حتى إلى اشتباكات عسكرية تقليدية.
ونظراً لأن التكنولوجيا هي السلاح الرئيس في معركة السيطرة على الصناعات في المستقبل ومكافحة الأوبئة، فإن قطاع التكنولوجيا الخاص في الولايات المتحدة سوف يصبح مندمجاً بشكل متزايد في مجمع الأمن القومي الصناعي.
ويتمثل الخطر العاشر في الاضطراب البيئي، الذي يمكن أن يلحق ضرراً بالاقتصاد أكبر بكثير من الذي خلفته الأزمة المالية. حيث تُعد الأوبئة المتكررة عبارة عن كوارث من صناع الإنسان في الأساس، كانت نتيجة لسوء الصحة والمعايير الصحية وإساءة استخدام النظم الطبيعية والترابط المتزايد للعالم عبر العولمة. وستصبح الأوبئة والأعراض العديدة لتغير المناخ أكثر تكراراً وشدة وتكلفة في السنوات المقبلة.