منذ سن الثانية عشرة، حظيت إميلي ذات الـ25 عاماً بدورة شهرية منتظمة. وتقول الفتاة "حتى عندما كففتُ عن تناول حبوب منع الحمل، كنت أحيض مرة واحدة شهرياً". لكن في الأسابيع الثمانية الماضية، منذ فرض بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني إغلاقاً على مستوى المملكة المتحدة في 23 مارس (آذار) الماضي، تحوّلت الدورة الشهرية لدى إميلي من كونها بالغة الدقة كما الساعة إلى طمث غير منتظم تماماً. حاضراً، دورتها الشهرية متأخرة 10 أيام عن موعدها. "إنه فعلاً أمر مثير للقلق ومحيِّر"، تذكر إميلي، الفتاة العزباء، التي كانت تمر بدورتها الشهرية عندما بدأ الحجر. وتقول ممازحة "على الأقل، أعلم أنّي لست حاملاً، لم يكن ثمة أي احتمال لذلك منذ فترة من الوقت".
يستمر متوسط الدورة الشهرية 28 يوماً، وليس غريباً أن تعاني النساء بعضاً من عدم الانتظام في الحيض. تذكر "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" (إن. إتش. إس) في المملكة المتحدة أنه على الرغم من أن غالبية النساء تظهر لديهن بعد سن البلوغ دورات شهرية منتظمة، تفصل بينها فترات زمنية متساوية، يمكن أن تتباين دائماً دورات الحيض بواقع بضعة أيام. في بعض الأحيان، يكون عدم الانتظام نتيجة حالات صحية طويلة الأجل موجودة أصلاً، من بينها بطانة الرحم المهاجرة (أو انتباذ بطانة الرحم) أو متلازمة المبيض المتعدِّد الكيسات (بي. سي. أو. إس)، وبالنسبة إلى نساء أخريات، يكون عدم الانتظام في الدورة الشهرية نتيجة خطأ في تتبّع تاريخ فترات الحيض لا أكثر. لكن بالنسبة إلى نساء كثيرات على غرار إميلي، اللواتي كان في مقدورهنّ في أوقات سابقة تقدير موعد بدء الدورة بدقة قبل 24 ساعة، فيفضي الإغلاق إلى اضطراب في الطمث غير مرغوب فيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الواقع، وفقاً لاستطلاع رأي شمل خمسة آلاف و677 امرأة أجرته أنيتا ميترا، وهي متخصصة أمراض نساء، حصول النساء عموماً على دورات شهرية غير منتظمة في خضم الإغلاق أمر شائع إلى حد كبير. عندما سُئلت تلك النساء عما إذا كن قد لاحظن تغيراً في الدورة الشهرية أو أعراضاً هرمونية خلال العزل، رد ما يزيد على نصف المُستطلعات (65 في المئة) بالإيجاب. كذلك أثارت تلك المسألة مناقشات وموضوعات كثيرة عبر "تويتر"، إذ تُركت مئات من النساء في حيرة من أمرهن بشأن الأسباب التي أفضت فجأة إلى دورات شهرية أسوأ، أو أشد ألماً، أو أقل انتظاماً. ولكن لماذا يحدث ذلك؟
نظراً إلى الظروف الصعبة التي تسبَب فيها الإغلاق لكثيرين منا، من بينها عدم الاستقرار المالي والعزلة الاجتماعية والمشقات النفسية، لا يُعتبر التأثير في فترات الطمث أمراً مفاجئاً، كما تقول ليلى فرودشام، استشارية أمراض نساء في "الكلية الملكية لأطباء التوليد وأمراض النساء".
وتقول "لا ريب في أن وباء فيروس كورونا يحمل كثيراً من الناس على الشعور بالضغط النفسي والقلق، ومن الوارد تالياً أن تلاحظ النساء تغيرات في دوراتهن الشهرية، مع احتمال أن يسبب الإجهاد النفسي اختلالات في هرمونات الجسم".
في الحقيقة، ثمة دلائل وفيرة على أن النساء يمكن أن يواجهن تغيرات في هرموناتهن ودوراتهن الشهرية نتيجة الضغط النفسي. مثلاً، كشفت دراسة أُجريت عام 2017 على طالبات في جامعة "كامبريدج" البريطانية أن الدورة الشهرية تغيب مرة واحدة عن ثلث تلك النساء خلال الامتحانات وفترات أخرى مشحونة بالقلق الشديد. تشمل التغيرات الشائعة التي يُحتمل أن تتعرض لها النساء نتيجة الضغط النفسي غياب الدورة الشهرية أو حيض أكثر أو أقل غزارة، كما ذكرت النساء في دراسة الدكتورة ميترا.
لكن ليس كل من يواجهن اضطرابات في دوراتهن غير سعيدات بذلك. مثلاً، إميلي باركلي التي تبلغ من العمر 43 عاماً، ومؤسِّسة شبكة الدعم "بيري مينوبوز هاب"، تقول إن دورتها الشهرية باتت منتظمة خلال الإغلاق، وذلك للمرة الأولى منذ أن دخلت مرحلة ما قبل انقطاع الطمث. تذكر في هذا المجال "أعتقد أني الآن أقل توتراً مما كانت عليه حالي منذ سنين. من الواضح أن جسدي يستجيب بشكل جيد. أظن أن عدم الاستعجال أعطاني متسعاً لإنجاز الأمور. اعتزم أيضاً القيام بأعمال إضافية تفوق ما كنت قادرة على تحقيقه سابقاً، وكذلك أنام بشكل أفضل ولمدة أطول من المعتاد".
تظهر تجارب عدة، على غرار تجربة إميلي، إلى أي مدى يُعتبر تحقيق توازن في مستويات الضغط النفسي لديك أساسياً في حالة الإغلاق، خصوصاً إذا كنتِ تودين أن تحاولي إعادة التوازن إلى مستويات الهرمون لديك من دون اللجوء إلى وسائل منع الحمل. لكن ما الذي يمكنك فعله حيال ذلك إذا كنتِ تعانين تغيّراً في طبيعة دوراتكِ الشهرية خلال الإغلاق؟
ثمة تغيّرات كثيرة في نمط الحياة في مقدورك القيام بها سعياً إلى خفض مستويات الضغط النفسي، التي بدورها ستعيد التوازن إلى هرموناتك على أمل أن تبدأ في تنظيم دوراتك الشهرية عندما تغدو الحياة طبيعية أكثر أو نصبح أكثر تآلفاً مع العيش في ظروف الإغلاق.
هكذا تقترح فرودشام ممارسة اليوغا والاستغراق الذهني والتأمل، بالإضافة إلى مزاولة التمارين الرياضية بانتظام. وتضيف "من المفيد أيضاً تتبّع مسار الدورة الشهرية، إذ إن حدوث دورة واحدة أو اثنتين في وقت مبكر أو متأخِّر قليلاً ليس أمراً يدعو إلى أيّ قلق، لكن التغيّرات في الدورة الشهرية التي تتكرر لفترة زمنية طويلة، أو غياب انتظام الحيض تماماً، ينبغي أن تُناقش مع متخصص الرعاية الصحية".
وإذا كانت التغيّرات في دورتك الشهرية تتسبب لكِ بألم شديد أو نزف حاد، لا تتركي نفسكِ تعانين بصمت. تقول فرودشام "النساء اللواتي يكابدن نزفاً حاداً بشكل مفرط، أو تغيّرات في مستوى الألم تمنعهن من المضي في حياتهن اليومية، ينبغي عليهن التواصل مع طبيبهن العام من دون تأخير الذي سيساعدهن إما عبر الهاتف، أو شخصياً إذا لزم الأمر".
علاوة على ذلك، تُنصح النساء اللواتي يواجهن تغيّرات في دوراتهن الشهرية ولا يتّبعن حالياً أية وسيلة من وسائل منع الحمل بإجراء اختبار الحمل. في هذا الصدد، توضح ديانا منصور، التي تتولى منصب نائب رئيس كلية الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية (أف. أس. آر. أتش) في بريطانيا أنه ما زال في المستطاع الحصول على موانع الحمل في الحالات الطارئة بالنسبة إلى أولئك الذين يحتاجون إليها.
وتقول "وسائل منع الحمل الطارئ متاحة خلال الإغلاق عن طريق الهاتف أو استشارة طبيبك العام عبر الفيديو، أو عيادة منع الحمل المحلية، أو مباشرة من الصيدلية في أثناء الإغلاق".
ربما يساعدك أن تستمري في اللجوء إلى وسائل منع الحمل أيضاً، إذ يمكن لذلك أن يُسهم في تنظيم دورتك الشهرية مجدداً. تضيف منصور "تُعد حبوب منع الحمل التي تحتوي على البروجستيرون فقط وسيلة انتقالية جيدة مُتاحة أثناء الإغلاق إلى حين أن تتمكّن النساء من الوصول إلى طريقتهن المفضلة، كموانع الحمل المغروسة تحت الجلد أو الموضوعة داخل الرحم".
لا يعرف أحد إلى متى سيستمر الإغلاق. إذا كنتِ، كما كثير من النساء، تصارعين تبدّلات في جسمك، حاولي إجراء بعض التغييرات القصيرة المدى في نمط حياتك من أجل المساعدة في تخفيف وطأة مستوات الضغط النفسي. إن لم تزاولي اليوغا أو التمارين الرياضية مثلاً، حاولي ببساطة أن تمشي في الخارج للاستفادة القصوى من الهواء النقي متى أمكنك ذلك، أو شاهدي فيلماً تستمتعين به. لا ننسى أن معالجة الضغط النفسي تختلف من شخص إلى آخر.
حتى بعد رفع الإغلاق، يجدر بنا أن نأخذ في الاعتبار أن الاضطرابات في حياتنا بسبب تفشي فيروس كورونا يمكن أن تطول إلى أجل غير مسمى. إذا كنت قلقة بشأن التحولات التي تطرأ على دورتك الشهرية، اتصلي بطبيبك العام أو مقدِّم الرعاية الصحية في منطقتك للحصول على الدعم اللازم.
© The Independent