يتعاظم ثراء الأشخاص الأغنى في بريطانيا على نحو أسرع ممّا كان يُظن في الماضي، وفق ما توصّلت إليه دراسة حديثة، وذاك يتضمّن مكاسب في رأس المال حظي بها أولئك المتربّعون على رأس الهرم.
وتشمل معظم مقاييس اللا مساواة المداخيل النقديّة فحسب وتُظهر حصّة إجمالي العوائد قبل اقتطاع الضريبة، للواحد في المئة المتربّعين على رأس قائمة الأغنياء – نحو 500 ألف شخص – وقد حافظت عموماً على ثباتها بمعدّلٍ قاربَ 14 في المئة منذ أواخر عقد التسعينيّات.
وقد استخدم البعض هذه المؤشّرات ليزعم أنّ المخاوف من تنامي مظاهر اللا مساواة مع أولئك المتربّعين في رأس الهرم، مبالغ فيها. إلّا أن الدراسة الجديدة التي أنجزها أرون أدفاني من "مركز كايدج للأبحاث" CAGE Research Centre، وأندي سامرز من "مدرسة لندن للاقتصاد" London School of Economics، وآدم كورليت من "مؤسسة ريزوليوشن" Resolution Foundation، تأتي اليوم لتستخدم بيانات ضريبية وفّرها حديثاً "مكتب مكافحة التهرّب الضريبي" HMRC في بريطانيا، فتقارن الأرقام الأوّليّة لتلك المداخيل، بأرباح رأس المال التي حقّقها أولئك الأشخاص من أصحاب المداخيل المرتفعة.
ويُقدّم عمل الباحثين الثلاثة الجديد صورة أوضح عن تفاقم تباين اللا مساواة، مع ارتفاع مجمل الحصّة العامّة لمداخيل الواحد في المئة المتربّعين على رأس قائمة الأغنياء، من 14 في المئة إلى 17 في المئة خلال العقدين الماضيين.
وتتراكم أرباح رأس المال عندما يقوم الناس ببيع الأصول، أيّ أصول، أكانت مشروع أعمال كاملاً أو أسهماً وسندات، بسعر أعلى من السعر الذي اشتروها به.
ويأتي التعديل القاضي بتضمين أرباح رأس المال إلى مؤشّرات اللّا مساواة ليتميّز بالأهميّة، لأنّ عمل الباحثين الثلاثة هؤلاء يُظهر أيضاً أن الأكثر غنًى يقومون على نحو متزايد بجني مداخيلهم على هذا المنوال، عوض تلقّيها على شاكلة رواتب ومكافآت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المعروف جيّداً قيام شركاء الأسهم الخاصّة بأخذ معظم مداخيلهم بشكل يُطلق عليه في حافظات استثمارات مشاريعهم اسم "فوائد محمولة"، لأن ذلك يجعلهم يسدّدون ضرائب بمعدّلات أدنى. وتبلغ ضريبة أرباح رأس المال في بريطانيا معدّل 20 في المئة، مقابل 45 في المئة لأعلى معدّل بضريبة الدخل. وجرى في العام 2017-2018، تسجيل 55 مليار جنيه إسترليني من أرباح رأس المال الخاضعة للضريبة – بعد أن سُجّل أكثر من ضعف هذا المبلغ قبل خمسة أعوام. ويقول الباحثون الثلاثة في هذا الصدد إنّ "غالبيّة واضحة من الأرباح... تأتي من نشاطٍ في الأعمال، وليس من استثمار سلبيّ، وهي غالباً ما تعكس خياراً في جني العوائد على شاكلة أرباح، لا رواتب".
تفاقم اللا مساواة عند إدراج أرباح رأس المال في الحساب
وتوصّل الباحثون إلى أن مسار تصاعد اللا مساواة في أوساط الواحد في المئة المتربّعين على رأس قائمة الغنى يغدو أكثر وضوحاً، مع ازدياد إجمالي حصّة الـ 0.1 في المئة ممن هم في أعلى الهرم من 6 إلى 8 في المئة، وإجمالي حصّة الـ 0.01 في المئة، الأعلى منهم مرتبة، من 2 إلى 3.5 في المئة. وازداد معدّل المدخول الإجمالي للـ 0.1 في المئة ممن هم في صدارة (الثراء) – ويبلغ عددهم نحو 5 آلاف شخص – من 4.9 مليون جنيه إسترليني إلى 8.4 مليون جنيه إسترليني منذ العام 1997.
وقال الباحث آدم كورليت من "مؤسّسة ريزوليوشن" Resolution Foundation، إنّ المعطيات والمعلومات التي تعود إلى العام 2017-18 والتي استندوا إليها في بحثهم، اقترحت اعتماد جدول سياسة ضريبيّة لما بعد أزمة كوفيد 19. وأشار كورليت إلى أنّه وزملاءه باتوا يعرفون الآن "أنّ الواحد في المئة الأكثر غنًى هم حتّى أكثر غِنًى ممّا حسِبنا في السابق – ويسددون جنيهاً إسترلينياً من أصل 6 جنيهات ممّا تجنيه الضريبة على المداخيل، فيما سجّلت حصّة الدخل للـ 0.1 في المئة ممن يتربّعون على رأس لائحة الغنى نموّاً حقيقيّاً بمعدّل أسرع بـ 50 في المئة تقريباً ممّا كنّا نظن". وذاك، وفق ما يقول كورليت، "حجم اللا مساواة التي ينبغي تذليلها في بريطانيا بعد الجائحة".
وقال الدكتور أدفاني إنّ المعطيات والمعلومات هذه ينبغي أن تستدعي مراجعة آثار أعوام التقشّف بعد العام 2010، والنظر في ادّعاءات العديد من الوزراء المحافظين بأنّها لم تساهم في زيادة اللّا مساواة. وأشار أدفاني إلى أنّ "الاستطلاعات الرسميّة في أثر التقشّف تشير إلى أن الجميع كان "على مركب واحد" (يواجه المصاعب نفسها). لكنّه يضيف قائلاً إن البحث الذي حقّقه وزميلاه اليوم "يكشف ببساطة أن الحال لم يكن على هذا النحو". ويشرح خاتماً: "عندما نأخذ في الحسبان الدخل من أرباح رأس المال، فإنّ ما يظهر يشير إلى أنّ الواحد في المئة ممن هم برأس قائمة الغنى كانوا يبلون بلاء حسناً، فيما كانت اللّا مساواة تزداد ارتفاعاً".
© The Independent